منذ أيَّام كتب الأستاذ شربل خليل مقالاً- نكتة، خلاصته أنَّ معلِّمة لبنانيَّة سألت تلاميذها واحدًا بعد الآخر عن مواصفات "الحمار"، لم يستطع أحدهم إعطاءها جوابًا مقنعًا. أخيرًا، رفع تلميذ يده، فلما أعطي الإذن بالكلام قال: "الحمار يا داموازيل، هو من يصدِّق وليد جنبلاط بعد اليوم." ولأنَّني لا أملك ظُرف الأستاذ شربل خليل وخفََّة روحه، فسألجأ إلى ظريف لبنان الشهير "إسكندر رياشي" علَّه يعطينا وصفًا من عنده لمن هو "الحمار". والمرحوم رياشي لا يخذل. ففي سنة 1953 قدَّم كتابه "قبل وبعد" لهذا الصنف من البشر، قائلاً:
"...للسذَّج المغرورين المخدوعين، للناس الملاح الذين لا يزالون يعتقدون أنَّ في لبنان زعماء سياسة، يحسبون الاستغلال جريمة والنزاهة فضيلة، في بلاد كانت – على مدى الأجيال – تحسب القاتل بطلاً، والمتلاعب نابغة والذي يمكنه أن ينهب ويسلب ولا يفعل "أهبلاً"!"
والسياسي اللبناني يقبل أن يسمَّى سارقًا وناهبًا وقاتلاً، ومجرم حرب، لكنَّه لا يقبل أن يكون "أهبلاً".
بالأمس اختلف الأستاذ وليد جنبلاط والسيِّد سمير جعجع فقتل أتباعهما الآلاف في الشوف وعاليه، ودُمَّرت عشرات القرى. ألا مَن يسأل علام "اختلفا" بالأمس وعلام "تصالحا" اليوم؟ ألم يكن الخلاف آنذاك على "مشروع وطني عربي" في مواجهة "مشروع انعزالي صهيوني"! تُرى هل تخلَّت القوَّات عن مشروعها لقاء تخلِّي جنبلاط عن مشروعه! أسئلة لا جواب عنها.
وبالأمس القريب، في صيف 1982، يوم طوَّقت إسرائيل بيروت وقطعت المياه والكهرباء عنها، كانت قوَّات "بشير الجميِّل" مسؤولة عن إحكام الطوق من الجهة الشرقيَّة والشماليَّة. يومذاك، اعتقد بعض السكَّان في الأحياء القريبة من خطِّ النار، وقد أضناهم العطش، أنَّهم إذا أرسلوا أولادهم الصغار يشترون المياه من الجانب الشرقي، لن يتعرَّضوا لأذى. لقد كانوا مخطئين. بعض الأولاد عادوا فارغي الأيدي. فبعد أن اشتروا المياه ودفعوا ثمنها، أُخذت منهم القناني وأُفرغت على مرأى جنود "القوَّات" الضاحكين. بعضهم الآخر ما يزال في عداد المفقودين.
كم كان أجدى وأشرف لو أن القيِّمين على لائحتي الجبل وبيروت اللتين أُعلن عنهما يمتلكان من الجرأة الأدبيَّة ليعلنا أنَّ اللائحتين تشكَّلتا، كمعظم لوائح الانتخاب في لبنان، تحت ضغط التهويل الطائفي من جهة، وتحت ضغط السفارات الأجنبيَّة، أو بفعل جاذبيَّة أموالها التي لا تقاوم من جهة أخرى!
منذ أيَّام دعا غبطة البطريرك صفير أن يقوم المسلمون والمسيحيُّون بانتخاب ممثِّليهم كلاً على حدة. بعد أقل من يومين، كان ممثلا القوَّات، واحد على لائحة جنبلاط وأخرى على لائحة الحريري، فاستتبَّ الأمر. وهاهم سياسيو الجبل وبيروت، وقد أطمأن سيِّد بكركي إلى مستقبل "القوَّات" السياسي، "يُحَنجِلون" على نغمة "الوحدة الوطنيَّة" و"لبنان الحر السيِّد العربي المستقل".
ماذا عن عون؟ عون مشكلة. لقد جاهر بالإصلاح وأعلن الحرب على أمراء الحرب والمال. وأمراء الحرب والمال يتقاتلون فيما بينهم ولكنَّهم دائمًا يتَّفقون على حاملي لواء الإصلاح. إنَّهم ليسوا "هبلاً."
- آخر تحديث :
التعليقات