المقال الثالث
شكلت القوى القومية العربية تياراً سياسياً ضمن التيارات الفكرية والسياسية الوطنية التي كانت وما تزال تعمل في في الدول العربية، حين كانت القضايا المركزية تتمثل في النضال ضد الهيمنة الأجنبية وفي سبيل انتزاع الاستقلال والسيادة الوطنية والتخلص من العلاقات الإنتاجية شبه الإقطاعية المعرقلة للنمو الاقتصادي وتغيير بنية الاقتصاد والمجتمع واستيعاب البطالة الواسعة وإقامة نظم حكم ديمقراطية. وكانت الأفكار والنزعات القومية متشابكة مع بقية الاتجاهات الفكرية والسياسية الوطنية، إذ كانت المرحلة تعتبر في إطار مرحلة التحرر الوطني أو القومي. إلا أن هذا التيار قد اتخذ في فترة مبكرة، تحت تأثير عوامل داخلية وخارجية عديدة، وجهة ضيقة ونزعة متشددة، وخاصة في فترة الصراع الذي نشب في فلسطين بين جماعات من اليهود التي اتخذت من القومية الصهيونية مذهباً لها وبين عرب فلسطين في ظل الاحتلال والحماية البريطانية. وقد تبنى بعض أجنحتها السياسية والفكر الشوفيني الذي اقترب كثيراً من الفكر النازي وساهم في نشر الدعاية ضد اليهود وتأليب الرأي العام ضدهم في الدول العربية، وكذلك العراق. وتذكر أحداث الفرهود في العراق إلى هذه الحقيقة حين لعب الحاج أمين الحسيني دوراً فكرياً وسياساً في حزب الشعب القومي، الذي ساهم بتأسيسه في العراق وشارك معه كل من العقداء الأربعة ورشيد عالي الكيلاني ويونس السبعاوي وعدد آخر من الشخصيات القومية حينذاك، وفي قيادة الانقلاب ضد الحكم الملكي وإقامة "حكومة قومية" لم تدم طويلاً. ومع سقوطها وقعت فاجعة الفرهود الأليمة ضد يهود العراق بتحريض من القوى القومية ذات الخلفية الإسلامية السياسية المتشددة في عام 1941. وفي اعقاب تقسيم فلسطين اشتدت هذه النزعة لا في الموقف من اليهود ودولة إسرائيل فحسب، بل وفي مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والفكرية والثقافية وضد مختلف القوى السياسية وخاصة في الموقف ضد الجماعات الاشتراكية والشيوعية. وسعت قوى التيار القومي إلى تمييز نفسها عن بقية القوى والتيارات الفكرية والسياسية والتزمت سياسة العنف في مواجهة الآخر في مناطق مختلفة من العالم العربي. وفي هذه المرحلة تشابك الفكر القومي مع الفكر الديني الإسلامي المتشدد، بحيث أصبح بعض دعاة القومية العربية وكأنهم دعاة للإسلام أيضاً وأصبح التمييز صعباً. وفي نهاية سنوات العقد الخامس تبلورت العديد من القوى السياسية القومية وبرز إلى جانب الحركات القومية التقليدية حزب البعث العربي الاشتراكي على الصعيد العربي وبعض الأحزاب القومية القطرية التي استطاعت حركة الضباط الأحرار في مصر بعد انتصار ثورة يوليو 1953 أن توحدها وتدفع بها نحو الأمام. وكان لمعركة قناة السويس والعدوان الثلاثي على مصر الدور البارز في تصاعد المد القومي وهيمنته على الشارع العربي وفي أغلب الدول العربية والذي تميز بدوره باتجاه مناهض للإمبريالية والإقطاع والرجعية، ولكنه تميز أيضاً بالشوفينية الواضحة وبالموقف المناهض للقوميات الأخرى في الدول العربية التي كانت تطالب بحقوقها القومية المشروعة والعادلة. واشتبكت القوى القومية العربية، وخاصة في أعقاب ثورة تموز في العراق في عام 1958، مع جميع القوى السياسية في صراع فكري وسياسي معقد ومتشعب قاد إلى ضياع ثورة تموز في العراق وإلى المزيد من التبعثر في القوى السياسية التي كان في مقدورها أن تواصل مسيرة الديمقراطية في العراق والدول العربية. لقد لعبت القوى القومية، سواء حزب البعث أم القوى الناصرية، بنهجها الاستبدادي والنزعة الفردية في الحكم ومحاولة الهيمنة على بقية التيارات الفكرية والسياسية، إضافة إلى النزعة الشوفينية إزاء القوميات الأخرى وإزاء الأفكار والاتجاهات السياسية الأخرى إلى صدام حقيقي وإلى ضياع الكثير من المكاسب. ولعب الصراع العربي – الإسرائيلي بكل أبعاده الحقيقية والمفتعلة، والشوفينية الصهيونية والقومية الشوفينية العربية دوراً كبيراً في تعميق وتشديد المشكلات وزيادة التوتر في المنطقة بأسرها والدفع باتجاه الحرب. وكانت حرب الأيام الستة عام 1967 وما اقترن بنتائجها من نكسة فعلية للحركة القومية العربية ولقواها السياسية ومشروعها في السلطة. ورغم النكسة الطاحنة واصلت القوى القومية اليمينية نهجها التدميري وإصرارها على شعار الموت لإسرائيل الذي تحمله قوى الإسلام السياسي في لبنان وإيران والعديد من الدول العربية، والذي ليس من ورائه سوى المزيد من التوتر والمعارك والحروب والموت والدمار.
لقد واجهت التيار القومي العربي انشقاقات أو انقسامات كثيرة على امتداد العقود المنصرمة التي سبقت حرب الأيام الستة، ولكنها لم تكن بعمق وسعة الانشقاقات والتكوينات الجديدة التي حصلت وظهرت على الساحة السياسية في أعقاب نكسة حزيران عام 1967. فقد برزت إلى الوجود ولأول مرة في إطار التيار القومي التقليدي اتجاهات فكرية وسياسية تبنت الماركسية واللينينية أو الماوية أو التروتسكية. كما انشطرت قيادة حزب البعث القومية والحزب كله إلى مجموعتين أطلق على إحداها ياليمينية وعلى الثانية باليسارية وكلاهما كان ينطلق من مواقع اليمين في الموقف من جملة من القضايا العربية والدولية وإزاء القوى والأحزاب الأخرى وإزاء الموقف من السلطة والاستبداد والهيمنة الحزبية المطلقة على السلطة التي يحكمها أحد هذين الجناحين من حزب البعث، كما هو الحال في سوريا وفي العراق سابقاً. ومنذ ذلك الحين عرفت الحركة القومية بشكل عام ثلاثة تيارات فكرية وسياسية بارزة هي الجماعات القومية التقليدية اليمينية ذات النهج الشوفيني، والجماعات القومية الوسطية التي تجلت في بعض القوى الناصرية، ثم الجماعات القومية اليسارية التي تبلوت في بعض الأحزاب الفلسطينية وبعض الجماعات الناصرية. كما أن بعض هذه الأحزاب عرف في داخله وجود أجنحة عديدة متصارعة. ولكن الجدير بالإشارة إلى أن التيار القومي اليساري لم يكن قادراً على التغلب على منطلقه الفكري الأساسي الذي بنيت على أساسه الأحزاب القومية منذ الثلاثينيات والأربعينيات، أي الفكر القومي بنزعته الشوفينية التي اقترنت بوضوح بمشكلة الصراع مع إسرائيل والقضية الفلسطينية والموقف بشكل عام من الرأي الآخر.
كان الفكر القومي يطرح خلال العقود لمنصرمة شعارات الوحدة والحرية والاشتراكية. وكانت القوى السياسية القومية المختلفة تتلاعب في تغيير مواقع هذه الشعارات الثلاث مثل حرية وحدة اشتراكية. وفي الوقت نفسه رفع البعث قبل ذاك شعار أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة، ووطن واحد، شعب واحد، جيش واحد. إضافة إلى رفعه شعارات الوحدة والحرية والاشتراكية. كما طرحت القوى القومية كلها دون استثناء شعار فلسطين أو الموت، والموت لإسرائيل، وشعار رمي اليهود في البحر، كما كتبت الكثير عن ذلك. وسعت كلها إلى تربية أجيال بأفكار لا تميز بين اليهودية كدين لشعب إسرائيل وبين الصهيونية كاتجاه قومي متطرف، أو بين اليهودي واليهودي الصهيوني المتطرف، وإلى استخدام أجهزة الإعلام التي كانت تحت تصرفها في الدول التي وصلت أجنحة منها إلى السلطة لنشر تلك الشعارات. ولكنها في الممارسة العملية سارت بنهج مناقض لما كانت تدعوا إليه وأضاعت فرصاً كثيرة لتحيقيق السلام بين أسرائيل والدول العربية وإيجاد حل واقعي للقضية الفلسطينية، مما فسح في المجال للحركة الصهيونية أن تستفيد من أسلوب الدعاية القومية لصالحها وتستولي على المزيد من الأراضي الفلسطينية لتصبح الأن مساحة إسرائيل 78 % من الأراضي الفلسطينية ولفلسطين العربية 22 % فقط، مع وجود مئات المستوطنات الإسرائيلية على المساحة الفلسطينية المتبقية، علما بأن التقسيم الأول كان 51:49 بين فلسطين العربية وإسرائيل. وقد أكدت تنظيمات القوى القومية العربية وكذا الإسلامية بأنها كانت، ويبدو ما تزال، تعرقل أي تطور إيجابي باتجاه حل المشكلة الفلسطينية سلمياً، وهو يصب في المجرى الذي تدفع فيه وتتمناه الحكومة اليمينية في إسرائيل بأم ابتلاع فلسطين كلها.
ومع وصول القوى القومية البعثية إلى السلطة في كل من العراق وسوريا تبلورت بوضوح أكبر الاتجاهات الفكرية لحزب البعث العربي الاشتراكي، الذي عرف الانشقاقات منذ أوائل الستينيات وتفاقم سنة بعد أخرى. إلا أن نهج حزب البعث، وهو في السلطة قد توغل أكثر فأكثر بممارسة سياسات الاستبداد والقسوة والقهر الاجتماعي وفرض خيمة الفكر القومي الواحد على المجتمع. وتقدم تجربة حزب البعث بجناحيه في العراق وسوريا لوحة مأساوية صارخة لطبيعة هذا الحزب وممارساته وموقفه من الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والعدالة الاجتماعية.
وعلى الصعيد القومي، ورغم الانكسارات التي كانت تواجه الدول العربية والتغيرات الحاصلة في العالم فأن مجموعة من القوى القومية، وهي من حيث المبدأ ناصرية، وموزعة على الدول العربية اتخذت وجهة يمينية صرفة ابدت استعدادها، رغم طبيعة النظم التي سادت في بعض الدول العربية مثل العراق وليبيا وسوريا واليمن الشمالي، على التعاون معها وتأييدها باعتبارها نظماً قومية عربية يفترض دعمها بأي ثمن كان. وكان المؤتمر القومي العربي هو التجمع الأكثر استعداداً لدعم حزب البعث وصدام حسين على امتداد فترة الحرب العراقية الإيرانية وبعد غزو الكويت وفي فترة التسعينيات من القرن الماضي حتى يوم سقوطه على أيدي القوات الأمريكية البريطانية في ربيع عام 2003. ويصعب على الإنسان أن ينسى التأييد الحار والمطلق الذي قدمه المؤتمر القومي العربي الذي عقد في بغداد في عام 2000 إلى "قائد الضرورة وقائد الأمة العربية صدام حسين" في البيان الختامي الذي يصدر إلى الأمة العربية. لقد كان موقفاً سيئاً وةبائساً وعوانياً موجهاً ضد الشعب العراقي الذي كان يعيش المأساة والمهزلة في ظل نظام صدام حسين ويواجه الاعتقال والتعذيب والموت كل يوم.
إن الأوضاع البائسة التي تعيش في ظلها الشعوب في الدول العربية والنزاع القائم مع إسرائيل وسياسات الأخيرة في فلسطين واحتلالها للأراضي العربية يشكل قاعدة مهمة وأرضية صالحة لنشاط القوى القومية العربية التي بدأت تربط دورها القومي بالدين الإسلامي أكثر فأكثر وتتبنى مواقف متقاربة أحياناً ومتطابقة أخرى، كما توجد بعض الاختلافات في مواقفه التي تختفي في النشاطات المشتركة الجارية حالياً في العراق.
إن الفكر القومي العربي، وخاصة التيار اليميني منه، وهو في أغلبه حالياً يميني النزعة والممارسة، لم يتغير بأي حال وهو ما يزال كما كان في مواقفه في الخمسينيات إزاء الكثير من القضايا العقدية في المنطقة والتي تتجلى بوضوح كبير في البيانات السنوية التي يصدرها المؤتمر القومي العربي الموجهة إلى الأمة العربية. إن قيادة هذا المؤتمر ما تزال تزحف من حيث الفكر والممارسة على ارضية النصف الأول وبداية النصف الثاني من القرن الماضي وعاجزة عن أن تجد في التغيرات الجارية على الصعيد الدولي أي جديد يجعلها تغير من نهجها وسياساتها ومواقفها إزاء القضايا المطروحة على الساحة السياسية العربية.
إن المشترك الفكري العام للقوى القومية العربية اليمينية يتبلور، كما أرى، في النقاط التالية:
1.يتضمن الفكر القومي اليميني رؤية فكرية شمولية يسعى أصحابها إلى بناء دولة شمولية استبدادية مطلقة تدين بالولاء للقائد الأعلى الذي ترى فيه تجسيداً لشعاراتها القومية. والحزب هو الأداة بيد هذا القائد التاريخي والقائد الضرورة. فهي وجدت في عبد الناصر ذلك القائد المنشود، ثم في حافظ الأسد، وفي القذافي، ثم في صدام حسين، إذ ما تزال ترى فيه رئيساً للعراق رغم إدراكها لا بالجرائم التي ارتكبها بحق الشعب العراقي فحسب، بل وبحق الأمة العربية والسلام في المنطقة!
2.والفكر القومي سلفي أصولي يتغنى بالماضي ويحن إليه ويعبده إلى حد الهوس، ويتخذه قدوة للمستقبل، وأتباع هذا الفكر عاجزون عن رؤية النواقص والسلبيات والأخطاء والكوارث في هذا الماضي الطويل بسبب طبيعة النظم والسياسات التي مورست، كما أنهم عاجزون عن استبداله بفكر متفتح يقبل الحوار وتبادل وجهات النظر وتجاوز الخطأ وتبني الجديد المعقول والمقبول من الحياة ذاتها ومن الشعوب.
3.كما أن الفكر القومي إقصائي لأي فكر آخر أو قوى وأحزاب سياسية. يسعى أصحابه إلى محاربة أي فكر آخر باعتباره دخيلاً ومعرقلاً للنهج القومي والوصول إلى الأهداف المعلنة.
4.وهو فكر شوفيني يميل بعضه الكثير بقوة إلى ممارسة العنصرية في جملة من اتجاهاته ويعتبر أن أمام كل القوميات الأخرى غير العربية في الدول العربية أحد أمرين:
i.إما أن تندمج وتصبح جزء من الأمة العربية
ii.وإما أنها شعوبية تسعى إلى تحطيم آمال الأمة العربية في الوحدة والحرية والاشتراكية!، وبالتالي لا بد من محاربتها والتخلص منها بأي ثمن وجرائم الأنفال وحلبچة في العراق في عام 1988 دليل ساطع على ذلك.
5.والفكر القومي يتبنى النهج العنفي في ممارسة السياسة والغاية تبرر الواسطة وأن الحق لا يسترد إلا بالقوة، ولهذا كانت النظم القومية تسعى إلى التسلح بأقصى ما يمكن وإقامة ترسانة ضخمة منه. ويتبنى إقامة المليشيات العسكرية أو تكون تنظيماته الحزبية شبه عسكرية تمارس العنف وهي خارج السلطة ضد القوى التي تختلف معها، وتمارس القمع والقسوة عندما تكون في السلطة للإجهاز على القوى المعارضة، بما في ذلك التصفيات الجسدية.
6.والفكر البعثي والقومي اليميني لا يقر أي تحالف سياسي مع قوى سياسية أخرى إلا تكتيكياً ومؤقتاً، إذ أن منظريه يرون بأن السلطة ينبغي أن تكون في أيديهم وترفض تقاسمها مع آخرين، ولكن لا بأس من استخدام التحالفات المؤقتة للوصول إلى الهدف المنشود. وقد مورست هذه السياسة في مصر في فترة حكم عبد الناصر، وفي العراق على امتداد أربعة عقود، وما تزال هذه السياسة سائدة في سوريا وليبيا واليمن الشمالي على سبيل المثال لا الحصر.
7.والفكر القومي لا يحترم الجماهير ولا إرادتها وحقوقها، فهي أداة للوصول إلى ما يبتغيه الحزب والقائد وعليها الطاعة للقائد الضرورة.
8.ورغم ادعاء القوى القومية اليمينية بأنها تسعى إلى تأمين حقوق الإنسان والنضال من أجلها، فهي تفهم الحقوق على أنها لها فقط، وليس من حق الآخرين المطالبة بحقوقهم، إنها المحنة التي وقعت فيها القوى القومية في الدول العربية ولا تزال تعاني منها. (ملاحظة: قامت القوى القومية الناصرية بمختلف أجنحتها بتشكيل المنظمة العربية لحقوق الإنسان في عام 1982 وعقدت مؤتمرها الأول في قبرص. إلا أن هذه المنظمة ومنذ تأسيسها خضعت قيادتها بنسبة 95% إلى التيار القومي الناصري وخاصة اليميني منه، ورفضت مشاركات قوى أخرى عملياً إلا من وافق على مجاراتها، حتى هؤلاء أبعدوا عنها حال معارضتهم لبعض سياساتها، كما حصل مع الدكتور مهدي الحافظ مثلاً).
9.وترى القوى القومية بأن كل السبل والأساليب مقبولة ويفترض استخدامها لتحقيق الوحدة العربية بما في ذلك الغزو العربي لدول عربية أو فرض الوحدة على السكان بغض النظر عن إرادة المجتمع. وهذا ما حصل في الوحدة بين سوريا ومصر، أو في محاولات فرض الوحدة بين مصر وسوريا والعراق على الشعب العراقي في فترة حكم عبد الكريم قاسم، بالرغم من إرادة غالبية الشعب والأحزاب السياسية والحكومة.
10.وهي قوى تدعو إلى التسلح وامتلاك القنبلة النووية بأي ثمن كان، وهي التي ساهمت بتشجيع صدام حسين على هذا الطريق باعتباره الدرب الأوحد لتحرير فلسطين.
11.وبرهنت بعض القوى القومية على أنها ليست فقط شوفينية بل وبعضها طائفي النزعة أيضاً، وهي إشكالية كبيرة تفرق الصف لا توحده. وقد برهنت القوى القومية بأنها ورغم دعوتها للوحدة العربية، وكانت أكثر الأحزاب والقوى السياسية تطرفاً في نهجها الإقليمي القطري.
12.وأتباع الفكر القومي اليميني يرون التحولات الجارية في العالم والمنطقة وفي موازين القوى، إضافة إلى اتجاهات العولمة الموضوعية الجارية وسياسات العولمة، إلا أنهم عاجزون عن رؤية الدرب الذي يفترض أن يسيروا فيه وعليه. فلا يرون من العالم سوى الإمبريالية، في وقت لا يمكن محاربة الإمبريالية بالأساليب القديمة بأي حال.
13.وهذا الفكر في جوهره غير ديمقراطي ولا يعتمد الدستور والحياة الدستورية وهي قوى تسير على حبل رفيع يجمع بين العلمانية والدين، رغم تبنيه العلمانية، أي أنه يخلط بين العلمانية والدين بقدر ما تلبي العلمانية أو يلبي الدين مصالحه ورؤيته السياسية. فكما هو معروف مارس صدام حسين العلمانية الاستبدادية ثم تحول إلى الحملة الإيمانية الاستبدادية، ولم يكن بين الفترتين سوى فترة زمنية قصيرة جداً.
ومن هنا يمكننا الاستنتاج بأن أتباع الفكر القومي، وعلى مدى يقترب من سبعين عاماً، لم يجدوا ما يبرر ويستوجب تغيير جملة من أفكارهم ونهجهم ومواقفهم السياسية، علماً بأن التطور الجاري في العالم ينسف الأرضية التي يقف عليها هذا الفكر وأتباعه، وأن المرونة أمام هذا الفكر لم تعد كبيرة وخاصة في أعقاب ما جرى في العراق والتحالف الذي يبدو أنه قد تكون بين هذا التيار وبين القوى الإسلامية السياسية الإرهابية المتطرفة في العالم العربي والإسلامي.
وإذ يصعب الوصول إلى اتفاقات وتحالفات بين القوى السياسية الوطتنية والديمقراطية وبين الجماعات التي تشكل التيار القومي اليميني المتشنج، يمكن أن تجد القوى السياسية الوطنية الديمقراطية نقاط التقاء مع القوى القومية اليسارية، وهي قليلة عموماً، وتبقى خاضعة لمدى تعرض القوى الأخيرة لضغوط القوى القومية والجماهير العربية التي تربت على هذه الشعارات والاتجاهات السياسية غير الديمقراطية.
التعليقات