من بغداد إلى الرياض إلى شرم الشيخ إلى طابا إلى العقبة:

الحادث الإرهابي التي إستهدف منشآت في ميناء العقبة الأردني، ومن قبله منشآت سياحية في مدينتي طابا وشرم الشيخ المصرية، ومن قبله وبعده كافة نواحي الحياة اليومية في العراق، يعلن للجميع رسالة مفادها أن هذا الإرهاب الإجرامي الأسود لن يرحم أحدا طالما الثقافة والتربية والمفاهيم التي تنتجه هي السائدة في أوساط عديدة من المجتمعات العربية، ويغذيها عن سوء نية في الغالب فئات ثلاثة في المجتمعات العربية، وهي:

1. الكتاب والمثقفون
من المهم ملاحظة أن هذا الإرهاب، خاصة الذي يجتاح كافة نواحي الحياة العراقية يجد من ينظّرون له على أنه مقاومة، ولكن دون إقناعنا أية مقاومة في هكذا عمليات:
- تدمير منشآت النفط ومحطات توليد الكهرباء.
- تفجير أماكن العزاء والفرح. - تفجير المساجد والحسينيات والكنائس.
- قتل وإغتيال الآلآف من العاملين في قوات الشرطة والأمن والجيش في العراق، والحجة الضعيفة للغاية هي أنهم يعملون تحت إمرة قوات الإحتلال التي تتكون من عدة دول أهمها الولايات المتحدة و بريطانيا، ووصفهم بأنهم خونة وعملاء، في حين أنه في ظل أو تحت الإحتلال الإسرائيلي كان ما يزيد على مائة وأربعين الفا من الفلسطينيين يعملون في داخل دولة إسرائيل، ونسبة منهم في بناء المستوطنات، دون إدانتهم أو تعرضهم للقتل من أحد، وفي السنوات الأربعة الأخيرة ورغم إندلاع الإنتفاضة المسلحة ظلّ الآلآف من هؤلاء العمال يعملون داخل دولة إسرائيل، ولم يستهدفهم أو يخونهم أحد، بما ذلك حركتي حماس و الجهاد، ولا أي فقيه أو شيخ فلسطيني أو عربي، بينما هناك من أفتي بجواز قتل المدنيين العاملين مع الإحتلال في العراق، فلماذا ماهو حلال في فلسطين تحت الإحتلال الإسرائيلي، حرام في العراق تحت الإحتلال الإمريكي؟؟؟.
- إستهداف ميتاء العقبة الأردني الذي هو من أهم مفاصل الإقتصاد الأردني وإيقاع قتلى وجرحى، فهل هذا الإستهداف الذي في حالة نجاحه سيزيد حياة الشعب الأردني وإقتصاده صعوبة وعناءا، له علاقة بالمقاومة؟؟؟. وهو شبيه العمليات الإرهابية في طابا و شرم الشيخ، فهل تدمير الإقتصاد والسياحة في مصر مقاومة؟؟.
ورغم وضوح الهدف الإرهابي البحت من هذه العمليات إلا أن هناك من الكتاب والمثقفين من يتغنون بها ويدعون للمزيد منها، إلى أن تقع ( الفاس في الراس ) - أي يطال بلادهم الإرهاب – حتى يهبوا هبّة رجل واحد لإدانته في بلادهم فقط، أي أنه إرهاب في بلادهم و مقاومة في بلاد الآخرين رغم أنهم عرب مثلهم.

2. فقهاء وشيوخ الدين

نفس الملاحظة تنطبق على العديد من شيوخ الدين الذين نظّروا و أيّدوا هذا الإرهاب، وإعتبروه جهادا، طارحين رؤاهم هذه لوسط عربي تبلغ نسبة الأمية فيه حوالي ستين بالمائة، يقضون ليلهم ونهارهم خلف هؤلاء الأئمة يحلمون بالجنة والحور العين وأنهار الخمر والعسل واللبن، مستعدين لفعل كل الموبقات من أجل هدف وهمي زرعه في عقولهم فقهاء الظلام والإرهاب الذين يحلمون بأن يسبقوا تلاميذهم للحور العين، غير موقنين أن الدين يرفض قتل الأبرياء والإضرار بمصالحهم، والمؤسف أنه يصبح فقيها وشيخا كل من لبس دشداشة قصيرة ولحية طويلة، دون أية مؤهلات تخوله الإفتاء الذي أصبح مجالا مشاعا لكل مدع وضال، بدليل موجة الفتاوي والفتاوي المضادة في العشرين عاما الماضية، وتراجع العديد من هؤلاء عن فتاوي سابقة لهم، عند تعرضهم للتهديد من دولهم أو دول يحملون جنسياتها أو تجميد أموالهم في بنوك غربية. وخير مثال على بازار الفتاوي هذه، الثلاثي الإرهابي أسامة بن لادن و أيمن الظواهري والزرقاوي!!!. فما هي مؤهلات كل واحد من هذا الثلاثي الإرهابي الذي يصدر بشكل دوري فتاوي وبيانات وتوجيهات لأكثر من مليار مسلم؟؟. وأطرف شيء النقاشات التي تدور بينهم كالنقاش الأخير بين الزرقاوي ومعلمه المقدسي، وكأنهما من فقهاء الأمة في زمن صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهما لم يكملا تعليمهم الثانوي وقضوا فترات طويلة في السجون بسبب جرائم متعددة إرتكبوها.
وفي هذا السياق ترتكب بعض الأحزاب ذات التوجه الإسلامي خطأ فادحا، عندما تطرح بعض المطالبات في سياق خطأ يفهم أنه دعم أو مبرر لهذا الإرهاب، كطرح بعض القوى والنواب في الأردن لموضوع التواجد العسكري الأمريكي في ميناء العقبة، وكأنهم يقولون إن الإرهاب الذي حصل في العقبة سببه هذا التواجد أو أنه كان موجها له!!. متناسين أن الأردن دولة تربطها إتفاقيات مع دول أخرى يترتب عليها تنسيقات معينة، في حين أن التضليل كبير في تسمية الوجود العسكري في الأردن، متناسين أنه وجود لا يذكر بالنسبة للقواعد العسكرية الأمريكية في أكثر من دولة عربية، وطالما هم يتحدثون بإسم الإسلام فلماذا هذه الإنتقائية في الطرح وضمن سياقات خاطئة لا ينتج عنها إلا المزيد من التضليل ونفخ عقول جهلة، يصبحوا جاهزين لفعل أي عمل إجرامي مهما كانت نتائجه بين شعبهم، فما هو ذنب الآلآف الأبرياء ومنهم الجندي الأردني أحمد النجداوي، لذلك كانت لفتة ذكية ذات مغزى قيام الملك عبدالله والملكة رانيا بزيارة بيت العزاء وتقديم واجب العزاء لذويه وأهله.

3. الدول ذات المصلحة في الإرهاب

أصبح واضحا أن بعض دول الجوار العراقي ليس من مصلحتها الإستقرار في العراق، ولا قيام نظام ديمقراطي فيه، لأن هذا من شأنه زعزعة أنظمتها الشمولية القمعية، لذلك فإستمرار الأرهاب والإجرام في العراق يخدم إستمرار قمعها لشعوبها ومصادرة حرياتها، ومن الطبيعي بالتالي أن تشجع هذا الإرهاب و تسمح بتسلل الإرهابيين للعراق، فكلما زادت حدة الإرهاب في العراق إنشغلت شعوبهم به وسط تضخيم هذه الأنظمة حرصها على العراق وعروبته، متناسيه أنها جعلت شعوبها تكفر بالعرب والعروبة من حجم إجرامها ضدهم.

يتبين من ذلك أن الأجواء السائدة في الأقطار العربية من جراء مواقف الفئات الثلاثة السابقة، تعمم ثقافة وتربية الإرهاب، وبالتالي فالمعركة ضد هذا الإرهاب معركة ثقافية وتربوية وتعليمية في الإساس، ومالم يتم بسرعة تصعيد الجهود ضد هذا الإرهاب، فلن يكون أحد دولة أو شخصا في منأى عنه، وبالتالي فالإرهاب من خلفكم والإرهاب من أمامكم، وبعد العقبة سيطال أماكن جديدة مالم تتضافر الجهود لمحاربة فقه ( الإرهاب أسرع الطرق وصولا للجنة )!!!.
[email protected]