بعد قراره الجريء بالإنسحاب من غزة
سوف يبدو هذا السؤال غبيا لبعض القراء، فمن يتصور أن إريل شارون زعيم حزب الليكود و رئيس الوزراء الإسرائيلي، بكل ما يتمتع به من قوة طاغية، يحتاج إلى دعم الفلسطينيين وتأييدهم وهو يقترب من الإنتخابات الإسرائيلية (نوفمبر 2006)؟. لبيان أن هذا السؤال منطقي وليس غبيا لابد من التذكير بالترابط الجدلي بين السياسات الإسرائيلية والفلسطينية خاصة في مجال إنعكاسها على مواقف الرأي العام الداخلي في مناطق السلطة الفلسطينية و دولة إسرائيل، وكلنا يتذكر أن العديد من المحللين عزوا فشل حكومة محمود عباس الأولى التي شكّلها في الشهور التي سبقت وفاة ياسر عرفات إلى تشدد مواقف شارون وعدم تقديمه أية تنازلات مقابل المواقف التي أعلنها محمود عباس، مما نتج عنها إستقالته وقطيعته مع ياسر عرفات. الآن بعد قراره الجريء بالإنسحاب من قطاع غزة، يواجه شارون تمردا من عتاة المستوطنين الرافضين تفكيك مستوطناتهم وإجلائهم مما إضطره لإستعمال قوات الجيش لإجبارهم على الرحيل بالقوة، وقد ركب الموجة بشكل إنتهازي وزير ماليته بينامين نتنياهو، معلنا إستقالته إحتجاجا على قرار الإنسحاب من غزة، معلنا أن قرار الإنسحاب سوف يضعف دولة إسرائيل، وأن صواريخ كاتيوشا الفلسطينيين سوف تكون أكثر قربا من المدن الإسرائيلية وضررا عليها، وأن غزة ستتحول إلى دولة (حماستان)، وهويحاول بهذا التضخيم للخطر الكاتيوشي أن يركب موجة الرأي العام الإسرائيلي خاصة قوى اليمين، وعينه على إنتخابات نوفمبر 2006، طامحا للإطاحة بشارون والعودة لرئاسة الليكود والحكومة اللتين سبق لشارون في إنتخابات سابقة أن أطاح به منهما.
لذلك فإن المفارقة غير المفاجئة أن رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس ومعه الفصائل الفلسطينية المسلحة وتحديدا حماس والجهاد، هم من سيقررون رئيس الوزراء الإسرائيلي القادم، وهل سيكون شارون أم المزايد عليه نيتنياهو؟؟. نعم إذا إستمرت الفصائل الفلسطينية من حين إلى آخر في إطلاق الصواريخ التي عادة لا تلحق خسائر تذكر في المواقع الإسرائيلية المستهدفة، وإذا إستمرت السلطة الفلسطينية في التغاضي عن فوضى السلاح والفلتان الأمني الذي كانت آخر مظاهره قبل أيام قليلة ما إجتاح إحدى قرى رام الله من حرق للمنازل والسيارات وخطف لطفلة بريئة، فإن بينامين نيتنياهو سوف يستغل ذلك بشكل واضح للفوز في الإنتخابات الإسرائيلية القادمة، وعندئذ سيكون مضطرا للرضوخ لوعوده الإنتخابية وإحتلال غزة من جديد. لذلك من المفارقات المضحكة للبعض فإن شارون ينبغي أن يكون هو المرشح المدعوم فلسطينيا للإنتخابات الإسرائيلية القادمة، لإن نجاحه يعني إستمراره في الإنسحاب من الضفة الغربية بعد إتمامه الإنسحاب من غزة بعد أيام قليلة، خاصة أن هذا الإنسحاب يحظى بالدعم الأمريكي والأوربي، وقد بادرت أكثر من دولة من بينها الولايات المتحدة الأمريكية لتقديم الدعم المالي للسلطة الفلسطينية لتحسين معيشة الفلسطينيين في المرحلة القادمة.
وهذه ليست المرة الأولى أن يكون للرئيس والقوى الفلسطينية التأثير في مواقف المجتمع الإسرائيلي خاصة فيما يتعلق بإختيار رئيس الوزراء الإسرائيلي، فقد سبق للرئيس ياسر عرفات أن كانت مواقفه هي السبب الرئيسي في خسارة إيهود باراك أمام شارون، وبعدها تندمنا على ذلك لأن عروض باراك آنذاك للسلام والتنازلات الإسرائيلية لم تتكرر، وفي صيف 1996 كانت مواقف الرئيس عرفات هي السبب في حسارة شيمعون بيريز أمام نيتنياهو ذاته، وكان ذلك عقب إغتيال إسحق رابين وتسلم بيريز الرئاسة من بعده، وجاءت عمليات إنتحارية فلسطينية لتحصد أرواح عشرات الإسرائيليين، وينتج عنها خسارة شيمعون بيريز وصعود نينتنياهو، الذي يقوم اليوم بنفس المراهنة، داعيا وآملا أن يقوم الفلسطينيون ببعض العمليات الأنتحارية وإطلاق بعض صواريخ القسام ليتم تضخيمها وتصويرها وكأنها صواريخ عابرة للقارات وقادرة على حمل أسلحة نووية وكيماوية وأنها تهدد أمن إسرائيل والإسرائيليين، فقط ليفوز في الإنتخابات الإسرائيلية القادمة، ويعيد كرة الإنسحاب إلى المربع الأول.
لذلك أقولها صريحة، على الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية وقواه المقاومة المسلحة، أن يدركوا بوعي كيف يلعبوها هذه المرة، فالشعب الفلسطيني ليس مغرما بأي قيادي إسرائيلي، ولكنه ينبغي أن يكون براجماتيا ويسهل وصول القيادي الإسرائيلي الذي بدأ بتحقيق مطالبه في الإنسحاب من غزة والضفة، وشارون هو من بدأ ذلك، وبالتالي ليس مطلوبا من الإسرائيليين فقط تقوية ودعم الرئيس الفلسطيني محمود عباس وجكومته، ولكنه أيضا مطلوب الآن من الفلسطينيين سلطة وقوى مسلحة أن يدعموا شارون وحكومته من خلال التهدئة الكاملة الشاملة، كي يستمر في خطته للإنسحاب من غزة والضفة وصولا لأمل قيام الدولة الفلسطينية العام القادم كما عبر عنه الرئيس محمود عباس قبل أيام...فعلا كفانا مغامرات سياسية غير مسؤولة، لأن الشعب الفلسطيني تحمل من العذاب والتعب ما لا تتحمله الجبال....فلنستغل الظرف الدولي والإسرائيلي، ونعطي السياسة والمفاوضات فرصتها وهذا لا يتم إلا بتهيئة الظروف لنجاح شارون في الإنتخابات الإسرائيلية القادمة، وتفويت الفرصة على مزايدات نيتنياهو التي ستعيدنا سنوات للوراء وسط عنف من الجانبين.....نعم الشعب الفلسطيني يهمه اليوم (العنب) - أي الإنسحاب الإسرائيلي – وليس الناطور شارون أم نيتنياهو...ولكن في ظروف المجتمع الأسرائيلي الحالية فإن شارون هو الناطور المؤهل لإستمرار قطف العنب من الجانب الفلسطيني!!.
التعليقات