تمرّ هذه الأيام الذكرى الرابعة للحادي عشر من سبتمبر الأمريكي، حيث هاجم شباب عرب مسلمون بطائرات مخطوفة أبراجا أمريكية، فدمروها وقتلوا حوالي أربعة آلاف من مختلف الجنسيات ومن بينهم عرب ومسلمون، وتداعت بعد هذا اليوم الأيلولي القاتم أحداث وتطورات تجعل من المهم إستذكار دروسها على الصعيدين العربي والإسلامي، من خلال رصد حساب الأرباح والخسائر، ففي اغلب الأحداث هناك خسائر و أرباح بغض النظر عمن جنى الأرباح ومن تكبد الخسائر.
الأرباح والإيجابيات
نتج عن هذه الأعمال الإرهابية تحرك الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها لإسقاط النظام الطالباني الرجعي الظلامي في أفغانستان الذي حوّلها إلى ما أسماه إمارة إسلامية بتطبيقات وفتاوي وتشريعات لا وجود لها في أي قطر إسلامي، منصّبا طالبا فاشلا (محمد عمر) أميرا للمؤمنين في إمارة أفغانستان الإسلامية، وأميرا لمليار وربع من المسلمين في كافة أنحاء العالم، فارضا على الشعب الأفغاني قيودا ومواصفات لم يعرفها الإسلام والمسلمون في أي عصر، فألزم الشباب فوق سن الثامنة عشرة بتربية لحاهم تحت طائلة الضرب وربما الموت نتيجة هذا الضرب، وفرض على النساء الأفغانيات الشادور الذي يخفي كافة الجسم بما فيه العينين، فكن يتحركن في الشوارع كالخيم السوداء من الصعب الإهتداء للطرقات والمنحنيات بسبب تغطية عيونهن، ومنع التلفزيون والموسيقى بشكا كامل، وهدم التماثيل البوذية رغم نداءات العشرات من العلماء المسلمين في مختلف أرجاء العالم، وفي الوقت ذاته إزدهرت في عصر الطالبانيين زراعة الحشيش وتجارته، ومارسوا إرهابا منقطع النظير ضد الأعراق الأخرى التي لا تنتمي لعرقهم البشتون، لذلك كانت فرحة الشعب الأفغاني عارمة لسقوط هذا النظام الرجعي الظلامي المتخلف، عبّر عنها بنزوله إلى الشوارع، مستعيدا حياته العادية قبل وصول أمراء الظلام للسلطة. أما سقوط النظام البعثي الصدامي المجرم فقد كان من أهم ماجناه الشعب العراقي، ولا داعي لإعادة التكرار حول جرائم هذا النظام ومجازره بكافة أنواع الأسلحة بما فيها الكيماوية ضد الكرد والعرب، والمقابر الجماعية خير شاهد وإدانة لذلك الطاغية وعصابات نظامه. وبسقوط هذين النظامين تنفس الشعب العراقي والأفغاني الحرية والراحة، وتجرأت شعوب أخرى على التحرك ضد أنظمتها القمعية، كما تحرك الشعب اللبناني في ثورة سلمية مقتلعا الإحتلال البعثي العسكري السوري بعد إحتلال دام ثلاثين عاما، حوّل لبنان إلى سجن كبير، وإقتصاده إلى مزرعة لنهب ونصب ضباط النظام البعثي ومتنفذيه.... وبالتالي كما يقول المثل العربي (مصائب قوم عند قوم فوائد)، فما كان مصيبة للشعب الأمريكي، كان فائدة لبعض الشعوب العربية والإسلامية.
الخسائر والسلبيات
أولا : تنامي ظاهرة الأعمال الإرهابية التي يرتكبها عرب مسلمون تحديدا، شملت العديد من العواصم الأوربية، كان آخرها ما شهدته لندن في الأسابيع القليلة الماضية، وهي في الغالب أعمال لا تلحق الضرر إلا بأبرياء لا علاقة لهم بسياسات حكوماتهم كركاب مترو الأنفاق في لندن، أو كالمخرج الهولندي (فان جوخ) الذي قتله شاب مغربي في وضح النهار في إجدى شوارع أمستردام وشقّ حلقه بالسكين. هذه الأعمال أدت إلى تشويه حقيقي مبرر لصورة المسلمين والإسلام، وما عاد ينفع تكرار التصريحات من البعض أن هذه الأعمال تتنافى مع روح الإسلام، خاصة في ظل وجود كتاب وصحفيين وشيوخ دين يشجعون هذا الإرهاب علنا، فالمواطن الأوربي والأمريكي المتضرر منها لا تهمه هذه التبريرات، فهومعني بالخسائر التي لحقت به ومن إرتكبها، ويستطيع العربي المسلم تصور هذا الألم، لو قام شباب أمريكيون وأوربيون بنفس التفجيرات في الشوارع والمحطات العربية ردا على هذه الأعمال .
ثانيا : كما يقول المثل العربي (على نفسها جنت براقش)، فنتيجة للترويج لثقافة الإرهاب، وصل هذا الإرهاب إلى العواصم العربية كما نشهدة في العراق والسعودية وطابا وشرم الشيخ والعقبة والحبل على الجرار، طالما يسكت شيوخ المسلمين وفقهائهم على فتاوي وتصريحات الثلاثي الإرهابي : إبن لادن والزرقاوي والظواهري، الذين خطفوا الإسلام فعلا، يهددون بإسمه العالم أجمع في رسائل صوتية ومرئية علنا، تروج لها بعض الفضائيات، مسيئين للإسلام ورسوله عندما يسمون إرهاب الحادي عشر من سبتمبر (غزوة مانهاتن)، ويبحثون عن آيات وشواهد قرآنية يدّعون أنها تنبأت بغزوتهم تلك، والسكوت المخزي من شيوخ المسلمين على فتاوي هذا الثلاثي جعلهم الناطقين بإسم الإسلام والمسلمين.
ثالثا : التضليل الذي يتعرض له ملايين من الشباب العربي المسلم بشكل يومي من فقهاء الإرهاب وكتابه، بحيث اصبح الإرهاب ظاهرة عربية، مما ألحق أفدح الأخطار بالعرب المسلمين في أوربا وأمريكا، ضاربين عرض الحائط بسياسة التسامح الأوربية الأمريكية التي أوجدت حوالي سبعة ملايين ونصف مسلم في الولايات المتحدة، يمارسون حريتهم وشعائرهم الدينية بشكل لا يتوفر لهم في بلادهم العربية والإسلامية، وكذلك في أوربا حيث في فرنسا حوالي أربعة ملايين مسلم، وفي هولندا الدولة الصغيرة حوالي مليون مسلم، ويمكن ملاحظة الضرر نتيجة سياسة التشدد المبررة التي بدأت هذه الدول تطبقها لملاحقة ومرافبة النشطاء العرب المسلمين الذين لم يكف بعضهم عن الدعوة علنا للإرهاب وتحدي حكومات هذه الدول وقوانينها، في حين أنهم هربوا من قمع أنظمتهم الإستبدادية ولم يواجهوها في عقر دارها عملا بحديث الرسول (ص) : (أفضل الجهاد كلمة حق أمام سلطان جائر) !!.
رابعا : تراجع التأييد العالمي للقضايا العربية المحقة ومنها القضية الفلسطينية، فعندما يرقص البعض في الشوارع فرحا وإبتهاجا بإرهاب الحادي عشر من سبتمبر، ويصلي البعض لله كي يسقط المكوك الفضائي الأمريكي، ويتبادلون التهاني بحدوث إعصار كاترينا المدمر وخسائره البشرية والمادية الكارثية، هل يتوقع هؤلاء الراقصون والمصلون والفرحون بمصائب غيرهم، أن يتعاطف الآخرون مع قضاياهم...طبعا لم يتوقف أولئك المصلون عند مسألة : لماذا لم يسمع الله صلواتهم ودعواتهم، وأعاد المكوك الأمريكي سالما غانما إلى الأرض.
وكنتيجة للحيثيات السابقة، فإنه رغم الخسائر البشرية والمادية الأمريكية من إرهاب الحادي عشر من سبتمبر، فإن خسارة العرب والمسلمين أفدح، وعلّ ذلك يوحد الجبهة ضد هذا الإرهاب الأعمى الذي يطال الأمريكيين والأوربيين والعرب والمسلمين، فالمستقبل لحوار الشعوب وتفاهمها، وليس لصراعها وإختلافها...فهل يعي العرب تحديدا هذا الدرس ؟؟؟؟
التعليقات