ربما يعُد من خصوصية الصحافة الكوردية إنها ولدت في الخارج ( مصر) وليس في كوردستان، بل وأن أول صحيفة كوردية، التي صدرت في 22نيسان 1898، كانت تحمل أسم (كردستان). من حيث أن هذه الصحيفة لعبت دورا اساسيا في توجيه مسارات الصحافة والإعلام الكوردي لعقود قادمة.

البدايات الأولى
ففي الربع الأخير من القرن الثامن عشر، وبالتحديد في العام 1878 عندما أقر السلطان العثماني عبد الحميد الدستور، حاولت الأمبراطورية العثمانية ان تلتحق بركب الحضارة الأوربية، فتم فتح العديد من المدارس والمعاهد في الأستانة كما رحل بعضهم إلى أوربا للدراسة والتعليم. وكان الشباب الكورد الذين تخرجوا من هذه المدارس والمعاهد يشكلون شريحة متواضعة. ورغم ذلك فقد كان لهم نصيبهم في الدوائر والإدارات الحكومية والجيش والطب. وقد كان التطور الثقافي النسبي لهذه الشريحة من الشبيبة الكوردية ووعيها الذاتي دافعا لطرح الأسئلة على أنفسهم، فالتفوا إلى لغتهم وتاريخهم وثقافة شعبهم الكوردي. كانت هذه الشريحة من المثقفين الكورد الأوائل بعيدة عن شرائح القوميين أو الثوريين من ابناء الشعوب والقوميات التي كانت ترزح تحت نير الهيمنة العثمانية، فكان همهم السياسي يتركز في البحث عن السبل للتخلص من حكم الخلافة الدينية المتمثلة بالسلطان العثماني، وكيفية تحسين العلاقة بين الكورد والأرمن. ولربما أيضا كان الشعور بالعدو المشترك، وهو الخلافة العثمانية، هو الدافع الذي قرب بين المعرضة الكوردية والتركية في المنفى. ففي 22 نيسان 1898 صدر في القاهرة العدد الأول من صحيفة (كردستان) والتي تنقلت، حسب ظروف أصحابها، في منافي مختلفة( لندن، جنيف). حيث تم ولأول مرة إستخدام اللهجة الكورمانجية كتابة وبشكل مطبوع وفي شكل منثور، فقبل ذلك كانت اللغة الكوردية واللهجة الكورمانجية هي لغة الشعر فقط.

الرواد الأوائل
أصحاب الصحيفة، الامير مقداد مدحت باشا بدرخان، أبدى، في ذلك الوقت المبكر من بدايات حركات التحرر الوطني في العالم، وعيا سياسيا متقدما لكنه بقى وعيا تنويريا وإصلاحيا، وربما كان ذلك بحكم ظروف الشعب الكوردي الذاتية ودرجة وعيه الجمعي لذاته كشعب وكأمة مستقلة. لكن مهما كانت تقيماتنا المعاصرة لطبيعة التوجهات آنذاك، ولمستوى الوعي السياسي الكوردي، فقد شكلت صحيفة (كردستان) البدايات الحقيقية والأساس المتين للخطاب الكوردي، السياسي والإجتماعي والفكري، المعاصر ولحد الآن.
رغم أن المأخذ الذي يتم التوقف لديه في بدايات تشكيل الخطاب الكوردي هو أنه بدأ المعادلة معكوسة، أي انهم نظروا إلى أنفسهم كمسلمين أولا، وكعثمانيين ثانيا، وأكراد ثالثا. من حيث أنه لم يكن في مقدور المثقفين الكورد آنذاك أن يتصوروا انفسهم يعيشون مستقلين عن الأتراك العثمانيين، وهذه مسألة يمكن تفهمها، فكل علوم الإجتماع تؤكد بأن الوعي الإجتماعي تحدده في الكثير من مساراته ظروف الواقع الإجتماعي والعلاقات الإجتماعية في الزمان والمكان المحدد.
في العام 1902 وحتى العام 1907 تشكلت أول جمعية سياسية كوردية ضمت مجموعة من الأرستقراطية الكوردية وبعض الضباط الكورد المتواجدين في شمال كوردستان، أي في الأستانة، وفي القاهرة، وكانت بأسم (جمعية الأرادة القوية لكوردستان) أو جمعية إيزمي قفي كوردستان) كما تلفظ بالتركية، وكانت قد عبرت عن أهدافها من خلال كتاب صدر في القاهرة في العام 1902بالتركية للأمير لطفي بدر خان، أحد أبناء عائلة بدرخان، وكانت هذه الجمعية سياسية، وأشبه بالحزب. إلا انها لم تدم طويلا. إذ سرعان ما تأسس أول حزب سياسي كوردي في أسطنبول في العام 1908 وأستمر حتى العام 1913، وكان أسمه حزب( الأرتقاء والترقي لكوردستان)، وكان من مؤسسيه أمين علي بدرخان، شريف باشا، نعيم بابان، الشيخ عبد القادر النهري، وكان يضم المثقفين الكورد، والنخب الأرستقراطية وبعض الضباط وروؤساء العشائر.
بل وحتى المرأة الكوردية كان لها دورها في النهوض القومي، حيث تأسس في إسطنبول وديار بكر في العام 1908 وحتى العام 1914 أول جمعية سياسية إجتماعية للمرأة الكوردية أسمها (جمعية النهوض بالمرأة الكوردية) والتي كانت تضم النساء الكورديات من العوائل الإرستقراطية والمثقفات. إلا أن أول جمعية كوردية تبنت (الثقافة) الكوردية كهدف لها هي (جمعية نشر الثقافة الكوردية) والتي أسسها مابين الأعوام 1908- 1910 في أسطنبول ودياربكر المثقفف الكوردي الكاتب جلادت بدرخان.


عشية الحرب العالمية الأولى وما بعدها
هذه الجمعيات الكوردية، وتطور الأوضاع السياسية في أوروبا والمشرق دفع الخطاب الكوردي إلى ان يخطو إلى الأمام خطوات بعيدة، حيث ومع تشكيل الجمعية الطلابية (هيفي- الأمل) ما بين الأعوام 1910-1914 ثم عودتها، بعد إنقطاع أثناء سنوات الحرب العالمية الأولى، مابين 1918-1922 في أسطنبول وفي أرجاء كوردستان، بدأ الخطاب الكوردي بنبرته العالية والجديدة، فلأول مرة يتم الحديث عن تشكيل الأمة الكوردية ومستلزمات النهوض بها. بالرغم من أن هذه النبرة لم تكن قد تخلصت بعد من تبعيتها وإخلاصها للقومية الكبيرة والمهيمنة، وأقصد هنا القومية التركية. وكان لهذه الجمعية دور في تطوير الصحافة الكوردية إذ اصدرت في إسطنبول صحيفة بأسم ( نهار الكورد أو يوم الكورد – روزا كورد) في الثاني من كانون الثاني من العام 1913 التي كان صاحب إمتيازها ومديرها المسؤول شخص مثقف أسمه (عبد الكريم كركوكلي). وفي نفس العام صدرت صحيفة (يكبون – الإتحاد).
إلا أن مسار الصحافة الكوردية لم يكن دائما مرتبطا بالجمعيات والتنظيمات الكوردية، ففي إطروحتها المهمة جدا لنيل شهادة الدكتوراه في علم الإجتماع الفلسفة تذكر الباحثة الألمانية ( هانلوره كوخلر) في ملحق لبحثها قائمة موسعة ومفصلة بالصحف والمجلات الكوردية حيث تذكر بأنه بعد صحيفة (كردستان) الأولى، صدرت في العام 1907 في إسطنبول صحيفة كوردية بإسم (الأكراد) باللغتين الكوردية والتركية أصدرها الشاعر الكوردي (بيره مرد) وقد دعمها وأصدرها عائلة بدرخان وأتباع الشيخ عبد القادر شيمزيني، ولا تذكر الباحثة كم عدد صدر من هذه الصحيفة، كما صدرت في العام 1908 صحيفة ( شمس الأكراد) ولم تذكر أكثر من ذلك. وفي العام 1908 أصدرت عائلة بدرخان وعائلة شيمزيني صحيفة كوردية باللغة التركية بعنوان( صحيفة وحدة ونهوض الكورد).
لكن المفاجأة كانت هي صدور صحيفة بإسم (كردستان) في العام 1912 في أورمية وأستمرت لغاية العام 1914، وكان صاحبها عبد الرزاق بدر خان ، وكانت باللغة الكوردية فقط، بل أنها أول صحيفة تصدر باللغة الكوردية فقط، فقد كانت جميع الصحف قبلها تصدر باللغتين الكوردية والتركية. ويبدو أن تأثير الصحافة الكوردية كان واضحا ففي العام 1914 صدرت في بغداد أول (مجلة) كوردية باللغتين الكوردية والتركية لصاحبها ومدير تحريرها (جمال الدين بابان) وكانت بأسم (نداء الكورد – بنكي كورد)، وقد مجلة شهرية صدر عنها خمسة أعداد فقط.
الغريب أن الجمعيات التبشيرية المسيحية كانت نشطة في كوردستان في تلك الفترة، إذ صدرت في مهاباد في العام 1914 مجلة بإسم (كوردستان) عن الجمعية البروتستانتية التبشيرية وقد كانت باللغة الكوردية فقط، وكانت ذات طبيعة دينية وإجتماعية. وتذكر المصادر بانه صدرت في مدينة حلب في العام 1915 مجلة باللغة الكوردية فقط لكن ليست هناك معلومات تفصيلية عنها.
وفي العام 1917 صدرت في إسطنبول أول صحيفة إسبوعية (أدبية سياسية) باللغتين الكوردية والتركية وكان صاحبها (محمد مهري حسني موكرياني). وقد صدر عنها 37 عددا فقط. وفي العام 1918 صدرت في بغداد صحيفة إسبوعية باللغة الكوردية والتركية بإسم غريب هو (فهم الحقيقة – تيكشتي راستي) عن الهيئة العليا للجيش البريطاني في العراق، ويعتقد بعض الباحثين بأن رئيس تحريرها كان (الميجور سوان) ومعه (شكري فيصل)، وقد صدر عنها 67 عددا.

(يتبع)