التسميات والمصطلحات والعناوين التي إستحدثها حزب البعث العربي النافق في عالم السياسة العربية ظلت طيلة العقود الخمسة الأخيرة من تاريخ العرب الحديث تثير كل معاني التأمل على حقيقة الفكر البوهيمي القومي والشعارات المبتذلة والرخيصة والفاقدة لمعانيها التي يرفعها حزب البعث بمناسبة وبدون مناسبة، ونظرا لإرتباط قادة ذلك الحزب الوثيق بالمخططات والدوائر الخارجية التي كانت تتربص بأمة العرب الدوائر فإن تلك الشعارات لم تكن إلا حالات تمويهية لذر الرماد في العيون لأن البعثيين في إنطلاقتهم وأفكارهم التبشيرية السطحية لم يكونوا سوى أداة من أدوات الحرب الكونية الباردة وفي مواجهة الفكر اليساري الذي إجتاح العالم العربي في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وكان التركيز واضحا على مناطق عربية بعينها كونها كانت منطلقا لنشاط التجمعات السياسية من يسارية وشيوعية ودينية ووسط أجواء ومناخات تتضارب فيها الأفكار القومية بالدينية باليسارية، لذلك لم ينجح حزب البعث مثلا في إستمالة الشارع المصري الذي كانت أفكار القومية العربية فيه ضعيفة نسبيا وسط حالات الشعور الوطني المتضخم أو الإسلامي الشامل، وظلت الساحة المصرية عصية على الإختراق البعثي ونفس الوضعية رأيناها في أقطار المغرب الأقصى المستند لقاعدة شعبية وسياسية وفكرية عمادها الدين الإسلامي أو الفكر اليساري المتعدد الأشكال والولاءات، بينما نجح البعثيون نجاحا ملفتا للنظر في أهم بلدين عربيين في المشرق العربي وهما سوريه والعراق وحيث تمكنوا وفي أوقات قياسية من التغلغل في أدق نقطة في المفاصل الشعبية وهي القطاعات الطلابية ومن خلال المؤسسة العسكرية التي وفرت للحزب عناصر قوة لم يكن يحلم بها أو يتخيلها وعن طريقها تم إختزال الزمن وتقصير المراحل والقفز على الأولويات، ليتسلقوا محاور السلطة ويصادروا المستقبل ويفرضوا ظلهم الثقيل على صدور الشعوب من خلال الإنقلابات العسكرية المخطط لها سلفا في دوائر الغرب! وهذه من حقائق القرن الماضي التي لم تزل تفرز إشكالياتها حتى الوقت الراهن، ففي العراق قدر لحزب البعث القفز على السلطة وإستلامها قبل الساحة السورية؟ وهي ساحة التأسيس والتبشير والإنطلاق، وقد جاء البعثيون للسلطة في العراق في فبراير/ شباط 1963 في مؤامرة دولية معروفة إعترف قادتهم آنذاك بها ومنهم علي صالح السعدي أحد أبرز سفاحي وقتلة تلك المرحلة وبتعاون تام مع أجهزة المخابرات الأميركية تحديدا والمخابرات المصرية أيام صلاح نصر أيضا والقصة معروفة للجميع وباتت مستهلكة وبعد شهر بالتمام والكمال حصل الإنقلاب البعثي في سوريا والذي أبقى البعث إسميا في عناوين السلطة السورية حتى الوقت الحاضر رغم تبدل الأطوار والزعامات والمراحل إلا أن الحرية الشعبية في دمشق قد صودرت عمليا منذ الثامن من آذار/ مارس 1963 الذي أوصل صغار الضباط من البعثيين للسلطة وحيث جرت تصفيات دموية شرسة أدت بالنتيجة النهائية لفرض نظام طائفي عائلي مشى على صيغة التوريث الأسرية في تجربة يقال أنها ثورية وإشتراكية وشعبية وهي حالة إفلاس سياسي فريدة تهيأت لها الظروف في دمشق ولم تسمح لها الأحوال في بغداد رغم أن مخطط التوريث كان ماشيا في طريقه المعهود قبل أن تقبره حرب (حرية العراق)!، وخلال عقد السبعينيات من القرن الماضي كانت حروب البعث المضادة بين فرعيه الرئيسيين من أبرز سمات المرحلة وكان السلاح العقائدي والتنظيمي للنظامين اللدودين ممثلا فيما يسمى بالقيادة القومية للحزب!! وهي الوعاء التنظيمي والدعائي والتبشيري القومي والتي تتكون من أعضاء حزبيين من الدول العربية يتولون مسؤولية تحقيق الهدف والفكر الإنقلابي للبعث وقيادة عمليات الإنقلاب في أقطارهم؟؟ وهي كما ترون عملية تحريض وتخريب ودعوة رسمية مؤطرة لهيمنة البعث على السياسة العربية، وكانت إمكانيات القيادة القومية العراقية على مستوى التحرك والتكتيك أقوى بكثير من نظيرتها السورية بسبب وجود القيادة التاريخية للبعث في العراق ممثلة في أمينه العام الذي طرده السوريون منذ عام 1963 ميشيل عفلق وبقية البعثيين السوريين القدامى من أمثال شبلي العيسمي أو الياس فرح أو الأردني منيف الرزاز أو السعودي علي غنام أو اليمني قاسم سلام أو السوداني بدر الدين مدثر واللبناني عبد المجيد الرافعي! وبقية من الفلسطينيين والسوريين ونفر من الخليجيين وغيرهم، وكانت إمكانيات البترول العراقي تغطي نشاطات القيادة القومية التي عملت جاهدة على تدبير إنقلابات وهمية في بلدانها الأصلية دون جدوى؟ فالعملية بأصلها وفصلها لم تكن سوى عملية تكسب سياسي رخيصة وميدانا للنصب والإحتيال، وبابا للرزق يرتزق منه الشطار والعيارين في عالم السياسة العربية، وقد إنتهت تلك القيادة القومية فعليا مع مجيء صدام لسدة السلطة الأولى عام 1979 ولم تعد سوى هيكل فارغ لحزب فاشل وعقيم إذ لا توجد إمتدادات بعثية حقيقية في أي من البلدان العربية المشار إليها آنفا؟ أما القيادة القومية السورية فهي في حقيقتها كانت في موت سريري معلن، وكانت كل قوتها ونشاطها متمثلة في مجموعة من البعثيين العراقيين المنشقين على الفرع العراقي للحزب والمؤمنين بطروحات فرع الشام للحزب؟؟ وكانت الخلافات شخصية أكثر من كونها عقائدية، وكانت العلاقات المتوترة لعقود طويلة بين سوريه والعراق تدار بالكامل من خلال دهاليز القيادة القومية في منطقة البرامكة الدمشقية والتي هي في حقيقتها المطلقة جزء من تنظيمات المخابرات السورية والطريف أن عمليات التسلل والإغتيال كانت تتم داخل أروقة تلك القيادة كما حصل مع الأمين القطري العراقي الأسبق أحمد أبو الجبن الذي أغتيل داخل مكتبه في القيادة القومية السورية عام 1976؟ إذ كانت الولاءات مختلطة وغالبا ما كان أعضاء في القيادة القومية السورية يهربون بملفاتها ليسلموها للمخابرات العراقية؟ وكانت مهزلة سياسية حقيقية وصلت لحد تولي أحد المندسين من نظام صدام وهو المدعو عبد الجبار الكبيسي لمنصب الأمين القطري للحزب في سوريه عام 1980 قبل أن تكتشف المخابرات السورية حقيقته بعد سنوات وتبعده بعد فضيحة ليقبع اليوم في سجون العراق كأحد الإرهابيين، كما أن القيادة القومية السورية هي أحد أذرع الإرهاب الدائر في العراق حاليا إذ توثقت معلومات مؤكدة عن دور البعثيين العراقيين الهاربين بالتعاون مع عضو القيادة القومية السورية المزمن الرفيق (فوزي الراوي) في تدريب وإعداد وإرسال الإنتحاريين والإرهابيين للعراق من خلال قنوات المخابرات السورية؟ وهذه قصة من قصص العبث البعثي في مصائر الشعوب العربية، فالبعث هو واحد من مراحل التاريخ العربي السوداء التي إنطوت وإنتهت، ومصير البعث السوري الآيل للسقوط لن يختلف شكلا ومضمونا عن زميله البعث العراقي، وسنرى ونسمع عن فجائع وحقائق تاريخية قريبا، فلعنة البعث قد إرتدت على أصحابها، وأنوار الحرية ستبدد كل مخططات أشباح الحقد والظلام من بعثيين وقتلة.
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات