قلت في مقالة لي في (إيلاف) بتاريخالخامس عشر مناكتوبر العام الماضي : (...وأنا رغم عدم تأييدي للعديد من توجهات حركة حماس، إلا أنني مع إحترام نتائج الإنتخابات التشريعية الفلسطينية، لأنه ليس من المنطقي أن نقبل مشاركة حماس في الإنتخابات، ثم ننقلب عليها إذا فازت فيها، كما حصل في الجزائر عندما إنقلبت الحكومة الجزائرية على إرادة الشعب الجزائري الذي إنتخب بغالبية عظمى القائمة الإسلامية، فقاد ذلك الإنقلاب إلى موجة العنف التي قتلت حتى الآن مايزيد على مائة وخمسين ألفا من الجزائريين. أما المتخوفون من فوز حماس ووصولها للسلطة، فنتائج هذا الخوف سوف يتحملها الشعب الذي إنتخبها، وحسابها يكون منهم وعندهم..المهم هو ترسيخ الممارسات الديمقراطية التي تحترم خيارات الشعب وعندئذ كل واحد مسؤول عن نتائج هذه الخيارات). وأنا ما زلت مع رؤيتي وقناعتي هذه، إذ لايمكن أن يكون الفرد ديمقراطيا عندما يتنكر لنتائج الخيارات الديمقراطية إن كانت نتائجها تتعارض مع رغباته الشخصية أو الحزبية. والآن مع إنطلاق الحملات الإنتخابية لكافة القوائم التي ستخوض الإنتخابات، وحيث لم يبق سوى أيام قليلة على بدء التصويت، من المهم للناخب الفلسطيني أن يركز ويدرس جيدا البرنامج الإنتخابي للقائمة التي سيصوت لها. ولو كنت كفلسطيني مقيما في المناطق الفلسطينية ولي حق التصويت، لدرست وفكرت في البرامح السياسية لحركة حماس ضمن التفصيلات والتساؤلات التالية، قبل أن أصوت لها كي أعرف لأي برنامج سياسي أعطي صوتي.
إن ميثاق حركة حماس الصادر عام 1988 ينصّ صراحة على تحرير فلسطين كاملة أي إزالة وتدمير دولة إسرائيل القائمة والمعلنة منذ عام 1948، ولم يطرأ نقاش أو جدل على هذا البرنامج أو إلتفاف حوله، إلا في السنوات الخمس الماضية التي شهدت ما عرف بإنتفاضة الأقصى وبروز حماس قوة رئيسية في التصدي للإحتلال عسكريا رغم الفارق في ميزان القوى، ومع إستمرار المفاوضات الفلسطينية ndash; الإسرائيلية وظهور ما سميّ الهدنة او التهدئة بين الطرفين، طرح المرحوم الشهيد الشيخ أحمد ياسين أكثر من مرة الهدنة على الجانب الإسرائيلي، وكان التساؤل آنذاك هل هذا يعني إعترافا بدولة إسرائيل من الحركة؟. لإن الهدنة بين طرفين تعني إعتراف كل طرف بالآخر، تماما كما كانت إسرائيل قبل عام 1994 ترفض الإعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، وعندما بدأت مفاوضاتها مع المنظمة، كانت الخطوة الأولى تبادل رسائل الإعتراف بين الطرفين. وفي الكتيب الخاص بحملتها الإنتخابية الحالية، تجاهلت حركة حماس مبدأها القائل بتدميردولة إسرائيل، وذلك ليس سهوا ولكنه مقصود بدليل قول غازي حمد القيادي في الحركة : (إن الدوافع عملية، وحماس تنشد أنجع السبل لإجتذاب التأييد الشعبي، وأنه كي تلقى الرسالة قبولا أفضل على المستوى الداخلي والخارجي فإن حماس تحدثت عما تستطيع تقديمه في واقع الأمر للشعب الفلسطيني على طريق الوصول إلى حقوقه). ويظل التصريح بصيغته الحالية غامضا، فالقبول على المستوى الخارجي يعني الموافقة على إتفاقيات اوسلو أي الإعتراف بدولة إسرائيل ضمن حدود عام 1967، أي تبني مواقف السلطة الفلسطينية التي إنبثقت عن منظمة التحرير الفلسطينية عقب التوقيع على الإتفاقية، وعادت إلى غزة والضفة بناءا على ذلك، ولكن في نفس الوقت ليس واضحا حدود فهمه إلى (على طريق الوصول إلى حقوقه) فكلمة حقوقه تحمل المضمونين، حدود عام 1967 و تحرير فلسطين كاملة، خاصة أنه في خطب العديد من مرشحي الحركة، الخطب الحماسية التي يلقونها أثناء جولاتهم الإنتخابية يكررون مقولة تدمير إسرائيل وتحرير فلسطين كاملة. ويستمر اللعب الحماسي بالألفاظ لدرجة إستغباء الجماهير، فغازي حمد كرر لافتات حماسية قديمة تقول (إن الحركة قد تقبل حلا مؤقتا تنشأ بموجبه دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، دون إستعداد الحركة للإعتراف بدولة إسرائيل)، ومكمن الإستغباء هو أن دولة إسرائيل ليست غبية لهذه الدرجة كي تعطي وتوافق على قيام دولة فلسطينية في القطاع والضفة دون الإعتراف بها والتخلي عن كافة أشكال المقاومة المسلحة الموجهة ضدها. ويؤكد هذا التلاعب بالألفاظ والإستغباء تصريح سامي أبو زهري المتحدث بإسم الحركة، حيث قال : (لايوجد ثمة تعارض بين ما جاء في البرنامج الإنتخابي لكتلة التغيير والإصلاح التي تمثل حماس وبين ميثاق الحركة. إن البرنامج يتحدث عن تفاصيل وأدوات تطبيق للسنوات الأربع المقبلة، بينما يتحدث الميثاق عن رؤيا إستراتيجية)، وهذا التصريح يفترض أيضا غباء دولة إسرائيل، بمعنى أنها ستوافق على دولة فلسطينية في القطاع والضفة بدون أية شروط أو إلتزامات فلسطينية، وبعد ذلك تبدأ حماس نضالها لتحرير باقي فلسطين عبرتدمير دولة إسرائيل!!!. وهذا الإلتباس والغموض في برنامج حماس السياسي، يتكرر في أقوال ولقاءات كافة أفراد قيادتها طوال السنوات الخمس الماضية، وسبق أن عالجتة بالتفصيل في الخامس عشر من إكتوبر من عام 2005 في مقالة لي في إيلاف بعنوان (قادة حركة حماس: رجاءا ما هو برنامج الحركة السياسي؟؟).
إن حركة حماس وكافة التنظيمات الفلسطينية، من حقها تتبني أي برنامج سياسي تخوض الإنتخابات التشريعية القادمة بناءا عليه، شريطة أن يكون واضحا ومحددا وهذا ما لا يتوفر في برنامج الحركة المعلن في حملتها الإنتخابية كما أوضحت، وهذا يعني أن من سيصوت للحركة، لا يعرف حقيقة لأي برنامح سياسي يصوت، وبالتالي فتصويته مبني على العاطفة وليس العقل،
بدليل أن هناك في حركة فتح من يرى أن من يخوض هذه الإنتخابات يعني أنه موافق على إتفاقية أوسلو التي إنبثقت عنها السلطة الفلسطينية التي تنظم هذه الإنتخابات، في حين أن حماس ترفض هذا التفسير متناسية أنها قاطعت الإنتخابات التشريعية عام 1996 لأنها جاءت نتيجة من نتائج إتفاقية أوسلو التي ترفضها، والإنتخابات الحالية تقاطعها حركة الجهاد الإسلامي لنفس أسباب مقاطعة حماس عام 1996، فما الذي تغير الآن كي تخوض حماس الإنتخابات الحالية؟؟. في رأيي لم يتغير شيء سوى بروز إستقتال حماس من أجل الوصول للسلطة بديلا للسلطة الفلسطينية الحالية، لذلك تتراجع عن برنامجها السياسي القديم ولكن على خطوات بإستحياء شديد كي لا تصدم جماهيرها التي تعودت على معزوفة تدمير إسرائيل من النهر إلى البحر!! وإذا فازت حركة حماس بأغلبية المجلس التشريعي، وأصبحت صاحبة القرار الفلسطيني، سنرى عندئذ الإنعطافة الشديدة في قرارات حماس وإعترافها بكل ما تعترف به السلطة الفلسطينية الحالية، لأن قادة حماس أيضا ليسوا أغبياءا ولا جهلة كي يعتقدوا أن إسرائيل ستوافق على إعطائهم دولة في القطاع والضفة دون شروط وإلتزامات شديدة الوضوح في إعترافها بدولة إسرائيل وضمانات حماسية وعربية وأوربية وأمريكية!!. وأكرر القول يجب إحترام نتائج الإنتخابات حتى لو كانت فوزا ساحقا لحماس، وأيا كانت نتائج هذا الفوز فسوف تتحمل الأغلبية التي صوتت لها وأوصلتها لمركز القرار هذه النتائج...ولم يبق إلا أقل من سبعة أيام ولكل حادث حديث!!!.
[email protected]