المباحثات الأوروبية مع مسؤولي النظام الإيراني في شأن ملف طهران النووي تراوح مكانها. جولات عديدة من المباحثات والمفاوضات قادها عن الجانب الأوروبي الممثل الأعلى لسياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية خافيير سولانا في محاولة منه لإقناع إيران بتجميد برنامجها لتخصيب اليورانيوم في مقابل إجراءات تحفيزية اقتصادية ودبلوماسية، كلها باءت بالفشل حتى الأن. الجانب الإيراني يناور ويماطل ليكسب المزيد من الوقت، في الحين الذي تعمل فيه المنشآت النووية الإيرانية بكل حرية وبسرعة متقنة، بعد أن تخلصت من نظام المراقبة الذي وضعته الأمم المتحدة ومفتشوها عليها.

الولايات المتحدة الأميركية تراقب المشهد عن كثب. ورغم مثابرة أوروبا على التفاوض مع الإيرانيين، ومحاولتها حل القضية سلمياً بالتلويح بإمتيازات إقتصادية مغرية، إلاّ أن واشنطن تحشد من جهتها الدعم الدولي الكافي لإستصدار قرارات دولية تطال نظام الملالي في طهران، الماضي في تطوير الذرة، لعزله وإضعافه بفرض الحصار عليه. وتتحرك واشنطن في محيط نظرائها من الدول الستة (الخمسة دائمة العضوية مضيفاً إليها ألمانيا) لتوحيد الكلمة والموقف تجاه إيران، وإحكام الطوق الدولي حول نظامها الذي يرفض الخضوع للإرادة الدولية.

الرئيس الأميركي جورج بوش في تحرك دائم من أجل حل هذه القضية. في اتصال دائم مع الدول المعنية، كما أن رئيسة الدبلوماسية الأميركية كونداليزا رايس، هي الأخرى في تواجد شبه دائم في المنطقة، بغية متابعة الملف النووي الإيراني عن كثب، وكسب المزيد من المؤيدين لسياسة بلادها أزاء نظام الملالي في طهران.

النظام الإيراني مٌصر على متابعة نشاطاته النووية وتطوير مشاريعه المشبوهة. والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد المتشدد وquot;المشدود الظهرquot; من القوى المتطرفة والمحافظة في البلاد، يكرر مواقفه الرافضة لوقف برنامج بلاده النووي، وكذلك لكل تسوية تقترحها أوروبا بإسم المجتمع الدولي، لإحتواء القضية سلمياً. نجاد كان كذلك، وفي غمرة سياسته الدائمة في التصعيد وإطلاق التصريحات النارية، قد هدد بتدمير دولة إسرائيل وإزالتها من على الخريطة الدولية، مشككاً بالمحرقة اليهودية. ومازال نجاد مثابراً على موقفه الرافض للمساس بملف بلاده النووي أو وقف نشاطات طهران النووية ووضعها تحت المراقبة.

والحال، أن البرنامج النووي الإيراني يأتي في إطار خطة إستراتيجية كبرى، تهدف لجعل إيران دولة أقليمية قائدة، تستطيع مقارعة الدول الكبرى والتأثير على مصالحها الموجودة في المنطقة، وبشكل خاص منطقة الخليج العربي الغنية بالنفط. طهران تعتقد إنها وبمجرد الحصول على القنبلة النووية سوف تكتسب قوة الردع في مواجهة كل القوى الأقليمية ( إسرائيل +السعودية+مصر+تركيا) وسوف تفرض كلمتها على هذه الدول. كما أن سلاح الردع سيكون كذلك في وجه مصالح واشنطن ولندن وأوروبا، وسيحد من تدخلات هذه الأطراف في المنطقة حسب مصالحها، دون إعتبار للمصالح والطموحات الإيرانية، كما يحدث الأن.

ويستطيع المرء أن يحدد أهداف حصول طهران على التقنية النووية، بثلاثة أهداف إستراتيجية كبرى: أولاً سيطرتها على النفط في الخليج ومضاعفة ضغطها على الدول الخليجية الجارة ( حيث هناك كذلك أقليات شيعية كبيرة، تتهم بالولاء لها).
ثانياً: حماية نظام الثورة الإسلامية من كل تهديد خارجي: أميركي في المقام الأول ( في إطار مشروع الشرق الأوسط الكبير، وما يتردد من وجود نية في تفكيك المنطقة وإعادة تركيبها) . وثالثاً: قبول إيران متمثلة بإيديولوجية الثورة وولاية الفقيه، دولة إقليمية كبرى ولاعب قوي في العالم، وشريك مفروض على القوى العالمية.

إسرائيل بدورها تراقب الأوضاع عن كثب. ثمّة تخوف كبير من جانب الدولة العبرية، والتي تعتبر قوة نووية في المنطقة، يقول المراقبون أن ترسانتها النووية تزيد على مائتي صاروخ نووي. ومع تهديدات نجاد بإزالة دولة اليهود من على الخريطة، أصبح المسؤولون الإسرائيليون أكثر قناعة بضرورة منع إيران من الحصول على القنبلة النووية. وإسرائيل تقول علانية إنها لن تسمح لأي دولة عربية أو إسلامية معادية لها بالحصول على أسلحة نووية. وكانت إسرائيل قد دمرت مفاعل تموز النووي العراقي في 7 حزيران 1981م.

والحكومة الإسرائيلية عمدت في الفترة الأخيرة إلى تعيين الميجر جنرال quot;أليعازر شكيديquot; قائد سلاح الجو مسؤولا عما أطلق عليه اسم quot;الجبهة الإيرانيةquot;، وهو منصب جديد في الجيش الإسرائيلي. أما مهمته فستكون قيادة أي ضربات توجه إلى وإيران. ويقول المراقبون أن الخطة الإسرائيلية لضرب إيران جاهزة، لكنها متوقفة ومجمدة في إنتظار نتائج المحاولات الأوروبية لحل القضية عن طريق التفاوض.

هناك رأي في أن تل ابيب وواشنطن لن تتساهلا مع إيران، ولن تقفا مكتوفتي الأيدي أمام طهران وهي تستمكل بناء مفاعلاتها النووية، لتخرج ذات صباح على العالم معلنة أمتلاك قنبلة نووية تهدد اسرائيل ومصالح واشنطن الحيوية في المنطقة وكذلك أنظمة حلفائها الخليجيين،الذين لم تكف إيران يوماً عن مضايقتهم وإبتزازهم. والعالم كذلك لايصدق تأكيدات زعماء طهران في أن برنامجها النووي سلمي وإن quot;حيازة السلاح النووي أمر محرم شرعاًquot; كما قال المرشد الروحي الإيراني علي خامنئي وأفتى بعدم جواز الحصول على السلاح النووي، ويقول البعض أن هذه الفتوى ماهي سوى quot;تقيةquot; يتقول بها الزعيم الروحي الإيراني بغية تحقيق أهداف بلاده.

وكانت طهران قد نفت وجود نية لديها في تطوير الذرة في السابق، من ثم عادت وأعترفت باشتغالها في البرنامج، بعد أن كشف المراقبون الدوليون عن آثار تدل على وجود اليورانيوم في بعض المشآت النووية. ومن ثم أطل الرئيس الإيراني أحمدي نجاد على العالم ليعلن عن نجاح إيران في تخصيب اليورانيوم، وquot;دخولها نادي الدول النووية القليلة في العالمquot;، وإنه quot;لامجال للعودة للخلف أبداًquot;...

إيران أذما نجحت في مساعيها في أمتلاك القنبلة النووية فإن ذلك يعني خطراً كبيراً على أمن المنطقة، وعلى مشروع واشنطن الأستراتيجي المعنون quot;الشرق الأوسط الكبيرquot;. سوف تتحول طهران لعقبة كبيرة أمام واشنطن وخططها، وسوف تقوم بتهديد تل ابيب وفرض إرادة وشروط الملالي عليها، هذا ناهيك عن التدخل الدائم في شأن دول الخليج العربي وتهديدها (ولاننسى هنا أن طهران تحتل أراضي عربية إماراتية وتقمع العرب الأحوازيين منذ زمن طويل). والخطر الإيراني مضاعف ولايقارن بالخطر الكوري الشمالي، فحتى لو كانت كوريا الشمالية quot;دولة مارقةquot; ولكنها لن تتعدى حدودها، وبرنامجها النووي سوف يتقصر فقط على حماية نظامها وضمان إستمراريته. كما ان موقعها لايخولها السيطرة على منابع النفط، أو حتى التبشير بالنظام الشيوعي المتهالك فيها.

الولايات المتحدة واسرائيل تعرفان حقيقة نية طهران واهدافها في الحصول على السلاح النووي. ولن تسمح واشنطن وتل ابيب بأن تفرض طهران إرادتها على الغرب والمجتمع الدولي، والتدخل في امور المنطقة وافساد خطط quot;الشرق الأوسط الكبيرquot; وأجندة quot;دمقرطة المنطقةquot; وذلك بالتدخل في العراق( القوى الشيعية المتطرفة) ولبنان(منظمة حزب الله الأصولية) أو حتى في دعم ومساعدة النظام السوري المعزول والواقع تحت الحصار الدولي، وذلك من خلال تشجيعه على المضي قدماً في طريق بث الفوضى في لبنان والعراق.

لانعتقد أن إيران سوف تعمد لضرب المنطقة بquot;آلاف الإنتحاريينquot; كما قالت ذات مرة في حال تعرضها لهجوم جزئي يستهدف خططها النووية، وذلك أن الرد المقابل سوف يكون صاعقاً وسيؤدي لإنهيار النظام والدولة الإيرانية الحالية. وليس ثمة غرابة في أن تعمد الدول الكبرى لضرب إيران بأسلحة نووية محدودة ومركزة تطال النقاط النووية الإيرانية، ولعل من المفيد أن نستذكر هنا تصريح الرئيس الفرنسي جاك شيراك في عدم تردد باريس في ضرب أي دولة في المستقبل تحاول اللعب بالتوازنات الدولية وإحداث خلل فيها، أو التعرض لمصالح فرنسا وحلفائها في المنطقة.

خلاصة الكلام، إن الضربة الغربية لقنبلة طهران المستقبلية قادمة في حال إستمرار سياسة بناء الذرة وتطويرها، والتمادي في الإطالة والتهرب من المطالب الدولية. ويظل توجيه ضربة إستباقية للبرنامج النووي الإيراني أفضل بكثير من القبول بالأمر الواقع المفروض فرضاً: نهوض إيران نووية في المنطقة، يقودها رجل مثل أحمدي نجاد وخاضع لإمرة زعيم (روحي) مثل علي خامنئي!.

[email protected]