اطلق السياسي الروسي وخبير الشئون العربية، او quot; لوبي القضاياquot; العربية في اروقة السياسية الروسية المعقدة يفغيني مكسيموفيتش بريماكوف، اطلق وهو يقوم بجولته الحالية في المنطقة العديد من التصريحات اللافتة، التي يتوجب على صناع القرار العربي اخذها بالاعتبار، لاسيما ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والعلاقات السورية ـ اللبنانية ومستقبل العراق والتمعن بها والافادة منها.
ولد بريماكوف في مدينة كييف بأوكرانيا سنة 1929، وتخرج من معهد موسكو للدراسات الشرقية سنة 1956، ليعمل في السنة نفسها بقسم البلدان الأجنبية براديو روسيا، وحصل على الدكتوراه في الاقتصاد سنة 1959. كما درس العربية وأجادها. وأمضى ثلاثين عاما في صفوف الحزب الشيوعي بالاتحاد السوفيتي.وقضى فترة الستينيات في المنطقة العربية مراسلا لصحيفة برافدا،
وبريماكوف وعلى خلاف ما يتردد عنه فانه السياسي صاحب الرؤية المحددة والمنهج السياسي الملموس، وهذا ما برهن في العديد من المواقف سواء حينما كان يتعاون مع اجهزة الاستخبارات لبلده لاعتبارات وطنية، او خلال اداراته المؤسسات العلمية بما في ذلك معهد الاستشراق الذي ساهم برسم سياسة الكرملين عن المنطقة حينها، وعضويته في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي المنحل حيث كان يرفع التقارير دعوة للاصلاح والتجديد دون اشهار الانشقاق الذي قد يضر المصلحة الوطنية.وكان مخلصا لقناعاته حينما امر وهو رئيس وزراء روسيا الاتحادية، بعودة طائرته لموسكو وهي في منتصف الطريق لواشنطن لاجراء مباحثات هناك تخص الوضع في البلقاء، بعد تلقيه نبأ بداية حلف الناتو وبقرار امريكي قصف يوغسلافيا( حيث المصالح الروسية) ومن ثم سجل نفسه شاهد دفاع في قضية الرئيس اليوغسلافي الراحل سلوبدان ميلوشيفتش، حين تخلى عنه علنا ابناء وطنه ورفاقه في الحزب.وحتى خلال تنفيذه تكليف الرئيس السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف في التسعينات والروسي فلاديمير بوتين في 2003 للقيام بمهمة صد الدكتاتور المخلوغ صدام حسين عن جرائمة البشعة كان بريماكوف وفيا لقناعته بتجنيب شعب العراق الكوارث. ولكن!. وبريماكوف رغم ما يشاع عن اصوله اليهوديه، انتصر لعدالة قضية الشعب الفلسطيني بحقه بتقرير المصير واقامة دولته المستقلة، حتى ان السلطات الاسرائيلية رفضت التعامل معه وشن سفير اسرائيل في موسكو اركادي ميل، عليه حملة لانتقاده تل ابيب لشنها الحرب في لبنان. وثمة قناعات بان بريماكوف يلعب دورا مهما في رسم سياسة الكرملين ازاء العالم العربي. وكان بريماكوف المبادر على هذا الصعيد بتاسيس مجلس رجال الاعمال ـ الروس والعرب المشترك، والرؤية الاستراتيجية للحوار الروسي ـ الاسلامي الذي يتوقع لها مستقبل واعد لمصلحة العرب والروس.
وكان بريماكوف منذ عمله مراسلا لصحفة quot; برافداquot; ( جريدة الحزب الشيوعي السوفياتي المركزية) قد اصدر العديد من المؤلفات التي تعلقت بقضايا العالم العربي كان اخرها quot; الشرق الاوسط على المسرح ووراء الكواليس quot; الذي لم تجد بعض وسائل الاعلام العربية فيه من كافة القضايا الهامة والملحة التي يطرحها السياسي الروسي المخضرم ما تشير اليه الا فصل واحد فيه يخص الطاغية المخلوغ صدام حسين المعنون بظاهرة صدام!، محاولة تلك الوسائل التي لم تقرأ الكتاب اصلا، الايحاء بان بريماكوف يشيد بالطاغية المخلوع.
ان ضيق فهم بعض العرب لطروحات بريماكوف وشخصيته ذات البعد الاستراتيجي، يبعث على الاسى. والاولى ان نعير اهمية جدية لمواقف الرجل، فهو الذي رد بقوة من على صفحات الجرائد الروسية على الاصوات التي سعت اثارة العداء والحقد على الاسلام، ودفاعه ليس من دوافع دينية بل حضارية بحتة ولادراكه العميق الوشائج بين الحضارة العربية والاسلام.
ان انصاف الرجل، وهو الصوت الاقوى الذي يقف لجانب القضايا العربية على الساحة الروسية، وشد ازره يدعو الاستنئاس لصوته والاصغاء له بتمعن والاسترشاد باراءه او على الاقل اخذها بنظر الاعتبار وعدم خذله. ان هناك قوى دولية ترفض التعامل مع بريماكوف لمواقفه الموضوعية من القضايا العربية. ان كتاب بريماكوف الجديد quot; الشرق الاوسط على المسرح ووراء الكواليس والذي حرص على ان تصدر ترجمته بالعربية،او حتى انه لم يشرع بكتابته قبل الحصول على ضمانات نشره بالعربية، سيلقي الكثير من البرهاين التي تؤكد هذا.
ان جولة بريماكوف الحالية في المنطقة، والتصريحات التي يطلقها ليست محض صدفه، انها تعكس بقدر كبير سياسة الكرملين الرامية لتعميق العلاقات مع العالم العربي وجس النبض هناك. ان روسيا معنية بشكل حقيقي بالمسار العربي في سياستها الخارجية، وهذا مؤشر حسن لو اجمعت الاطراف العربية على الاندماج في تكتل ليكن اقليمي، والظهور كطرف واحد للدفاع عن مصالح شعوبها وتؤسس لها مكانة في عالم الغد. فالفرصة مازالت متاحة لو توفرت الارادة السياسية وبريماكوف احد مؤشراتها.