الصورة المأساوية السائدة في العراق الذي تحول لمستنقع طائفي رهيب تمارس فيه مختلف أشكال و ألوان الجرائم و المصائب من القتل و الخطف و التعذيب و التهجير للعوائل العراقية المسكينة من مختلف الطوائف شيعية كانت أم سنية أم مسيحية أم كردية أم تركمانية، قد أضحت للأسف صورة نمطية لأوضاع وطن يتشظى بصراعات طائفية عقيمة وسقيمة و خرافية في تداعياتها وإشكاليتها و متبنياتها الفكرية و السلوكية، و حالة الصراع الطائفي التي لم يشهدها تاريخ العراق المعاصر قط بالصورة التي تحدث حاليا تقف خلفها دون شك مراكز قوى و تجمعات و حتى مخابرات دول المنطقة و الدول الكبرى عن طريق الدعم الواضح للجماعات الإرهابية التي تمارس ميدانيا لعبة و هواية القتل الشامل وليس في ذلك سر مكين فالجميع يعرف بكل أبعاد تلك البديهية التي تحولت لحالة عراقية مقيمة و مفجعة، و لعل أبرز القوى التي تمارس الإرهاب العلني في داخل العراق و تعمل لتسخين التوتر الطائفي و تحاول أن تضع العراق بأسره تحت مظلتها و كرهينة حية في ميدان التعامل مع القوى المنافسة هو النظام الإيراني الذي يعتبر اليوم اللاعب الأكبر في الشرق الأوسط لإمتداد تأثيراته لما وراء العراق حيث الشام القلقة و حيث لبنان الذي يترقب سلسلة من المتغيرات و المفاجآت القادمة التي قد تقلب الصورة الستراتيجية في المنطقة؟، و النظام الإيراني الذي تتخذ سياساته أشكال منافقة معروفة رغم محاولات التخفي يقف اليوم وبشكل واضح لا لبس فيه خلف العديد من سيناريوهات الرعب الطائفية ذات الإطار التقسيمي عن طريق دعم القوى التي تمارس الإرهاب و القتل و تشيع الفوضى في الشارع العراقي، فالعصابات الصدرية التابعة لمقتدى الصدر و التي تشكل إحدى أهم القنابل و الألغام في مسيرة الوحدة الوطنية العراقية تحظى بدعم إيراني مطلق سواءا من خلال مرشد تلك العصابة المدعو (الحائري) المقيم في قم؟ أو عن طريق العلاقات الخاصة و التسليحية و الخطط الميدانية مع مخابرات الحرس الثوري التي تزود تلك العصابة بآخر تقنيات أسلحة وصواريخ التخريب و تدفعها للإصطدام بقوات الشرطة و الجيش العراقي و حتى بجماعة (فيلق بدر) الإيراني التكوين و الهوى و الولاء!! فاللعبة المخابراتية لا تعرف الرحمة ولا تلقي بالا لقضية الولاء! بل أن مصلحة نظام الولي الإيراني الفقيه فوق الجميع و لا يغرنكم طبيعة الخطاب الإيراني الموجه شيعيا و الهادف لنصرة المستضعفين في الأرض!! فتلك مجرد دعايات فارغة مجردة من أي معنى حقيقي ! و لعل ما حصل من مجزرة فظيعة للشعب اللبناني في الحرب الأخيرة على يد القوات الإسرائيلية تعطي الدليل الأنصع على غوغائية الخطاب السياسي و الإعلامي الإيراني الذي يكتفي عبر الراديو و التلفزيون بالدعوة لإلقاء إسرائيل في البحر!! كما يدعو السيد أحمدي نجاد في موجات غضبه العصبية!! بينما يمارس التقية الواضحة في التعامل معها؟ وهي لعبة إيرانية سخيفة عرفنا كل أسرارها و تداعياتها منذ أيام الحرب العراقية/ الإيرانية وحيث رفعت وقتها شعار (طريق القدس يمر من كربلاء)!! وحيث دعا الإيرانيون وقتها (الإمام المهدي المنتظر) لنصرتهم في (فتح كربلا) كي يكملوا مهمتهم المقدسة؟ ومع ذلك لم يستجب أحد لدعائهم لا من الأرض و لا من السماء؟ وظلت كربلاء كما ظلت البصرة عصية عليهم يمنون النفس بدخولها عن طريق الإمعان في ضرب البصرة تحديدا بالمدفعية الثقيلة التي جعلت منها أطلالا و بخسائر بشرية رهيبة!! ثم يتحدثون بعد ذلك عن نصرة المستضعفين؟ هذا دون الحديث عن ما كان الإيرانيون يمارسون من جرائم في مخيمات اللجوء الكريهة بحق العراقيين الفارين من جحيم الحرب و قتها، دون أن ننسى القوانين العنصرية الكريهة التي طبقها وزير الداخلية الإيراني الأسبق (عبد الواحد موسوي لاري) بحق العراقيين و التي منعت أبنائهم من التعليم و الزواج و التنقل... وغيرها !! إنها ممارسات عنصرية إيرانية عايشناها و حفظنا مفرداتها عن ظهر قلب وكان عملاء النظام الإيراني من العراقيين يتفننون في تعذيب العراقيين و هؤلاء هم ذاتهم الذين دخلوا العراق بعد قيام الأمريكان بإسقاط نظام صدام و تحولوا في نكتة تاريخية كبرى كحكام للعراق الجديد يأخذون أوامرهم المباشرة من نظام وليهم الفقيه!! وهي واحدة من أكبر الخوازيق التاريخية التي ذاقها العراقيون للأسف..
النظام الإيراني اليوم و أمام الإستحقاقات الإقليمية و الدولية الواجبة الدفع محشور في الزاوية وهو من أجل الإفلات من براثن المصير المعروف لكل الطغاة لا يملك كحلفائه من الطغاة إلا لعبة وورقة الطائفية البغيضة التي يلوح بها هذه المرة ليس في العراق الغارق في أوحال الفتنة فقط، بل على مستوى الخليج العربي و الذي له في مخططات النظام الإيراني تاريخ و ملفات مهمة للغاية في التخطيط الستراتيجي، و التصريحات العدوانية الأخيرة لقائد الحرس الثوري الصفوي ضد دولتي الكويت و البحرين ليست مجرد حالة غضب عابرة بقدر ماهي تعبير حقيقي عن مكونات و عناصر لعبة الفتنة الطائفية التي يخطط لها النظام و يعمل جاهدا لإحداثها بين شعوب المنطقة التي يراد لها أن تكون نسخة مشابهة لما يحدث في العراق المبتلي بالفتنة الهوجاء خصوصا وأن هنالك عناصر عمل ميدانية ذات جاهزية عالية تخطط للتخريب وفق أجندات سبق و أن جربت في حقبتي الثمانينيات و التسعينيات في الكويت و البحرين تحديدا، وهجمة النظام الإيراني الدفاعية ستكون أساسا ضد شعوب المنطقة المسالمة، فعناصر وأدوات اللعبة جاهزة و مستنفرة... الشيء المؤكد سيكون فشل النظام الإيراني في تحقيق أحلامه التخريبية، فكما فشل في (فتح كربلاء) سابقا سيفشل في تفعيل الفتنة الطائفية التي سترتد على صدور مطلقيها.
[email protected]