المرشد الجديد للإخوان المسلمين.. والمادة الثانية في الدستور
بعد موقف الدكتور فتحي سرور في أزمة تصريحات وزير الثقافة وبعد تصريحاته الأخيرة التي قال فيها:
الدستور يتضمن قواعد laquo;فوق الدستورraquo; ولا يجوز تعديلها، لأن هذه القواعد يمكن استخلاصها من جوهر الدستور ذاته ومن مبادئه الحاكمة. وأوضح أن أهم هذه القواعد هو الشكل الجمهوري للدولة، ومبدأ ديمقراطية نظام الحكم، ومبدأ انتماء الشعب المصري للأمة العربية، ومادة اعتبار الإسلام دين الدولة، ولغتها الرسمية هي العربية، ومبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع..
وبعد موقفه في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة التي تحالف فيها مع مرشح الإخوان عن مقعد العمال.. فإني أنصح جماعة الإخوان المسلمين لاختيار الدكتور فتحي سرور مرشدا عاما بعد أن يتقاعد من رئاسته لمجلس الشعب لمدة سبعة عشر عاما كان فيها ترزي القوانين الرئيسي للحزب الوطني وكان في نفس الوقت أهم اختراق للحزب الحاكم ولمجلس الشعب من قبل الإخوان المسلمين..
إن الدكتور فتحي سرور استطاع إقناع النظام أنه الخبير الدستوري الأول في مصر وأنه يعمل لمصلحة هذا النظام.. رغم أنه في الحقيقة وبهدوء وروية يعمل لتمكين جماعة الإخوان وفرض وصاية علي مصر شعبا ودولة وحكومة.. وهو لم يكن مع إجراء أي تعديلات دستورية حتي في المادة 76.. وذلك لأن الدستوري الحالي وقبل تعديل المادة 76 هو أفضل دستور لجماعة الإخوان المسلمين بعد فترة التمكين.. واختيار رئيس الجمهورية من قبل مجلس الشعب ثم إجراء استفتاء عليه هو أقرب لطريقة اختيار المرشد العام من قبل مكتب الإرشاد ثم أخذ البيعة له.. جماعة الإخوان لا يريدون أي تعديلات دستورية إلا بعد مرحلة التمكين والتعديلات الوحيدة التي كانوا سيجرونها في الدستور هي المواد المتبقية من عصر الناصرية المتعلقة بالإشتراكية ونسبة ال50 % للعمال والفلاحين..
لقد أقنع فتحي سرور النظام وأقطابه أن تعديل المادة الثانية للدستور هي خط أحمر دونه الدماء تماما مثلما أعلنت جماعة الإخوان وأن الاقتراب من هذه المادة سيقوض النظام وأركانه.. رغم أن الحقيقة أن هذه المادة هي التي قوضت النظام فعلا وهي التي أعطت جماعة الإخوان الفرصة للتحكم الفعلي في جميع مفاصل الدولة وساعدتهم تماما في مرحلة التمكين وإعادة فتح مصر.. وهم فقط في انتظار سقوط رأس النظام بهدوء لأسباب صحية أو بفضل عزرائيل للوصول للسلطة.. وكل أنصار الدولة المدنية من أحزاب المعارضة بل وأعضاء لجنة السياسات في الحزب الحاكم لن يستطيعوا عمل أي شيء.. أما الحرس القديم وأعضاء مجلس الشعب فسينضمون كعادتهم الي الكفة الرابحة تماما كما فعلوا في أزمة تصريحات وزير الثقافة..
إن التعديل الأول للمادة 76 والذي أشرف عليه فتحي سرور كان مقصودا به القضاء علي أي فرصة للأحزاب الشرعية والمدنية وإظهار ضعفها.. وإعطاء الفرصة لجماعة الإخوان بعد غياب الرئيس الهادي لإبراز مرشح لها سيستطيع بسهولة وبمساعدة الحرس القديم ورئيسهم في مجلس الشعب في الحصول علي 250 توقيعا من المجالس المنتخبة.. ويواجه أي مرشح للحزب الحاكم جمال مبارك أو غيره.. بعد أن تكون قد انتهت الأحزاب المدنية فعليا..
قد يكون بعض أعضاء لجنة السياسات قد انتبهوا لهذا الفخ ولهذا يريدون إجراء تعديل جديد علي المادة 76 يسحب البساط من تحت أقدام الإخوان وإظهار أنهم مع الديمقراطية ومع الأحزاب المدنية.. ولكن في وجود المادة الثانية ووجود الدكتور فتحي سرور ستؤول محاولتهم الي الفشل..
إن المادة الثانية للدستور هي التي تضفي وأضافت الشرعية علي جماعة الإخوان مهما قال النظام أنها جماعة محظورة.. وهي التي مكنتهم من جميع مفاصل الدولة وستمكنهم من مصر بعد ذهاب رأس النظام.. أو ستكون هناك دماء إن حاول الجيش التدخل..
لقد استطاعت الجماعة استغلال النظام وجماعة كفاية في نفس الوقت وكل قوي المعارضة وساعدهم علي ذلك أقطاب الحزب الحاكم من الحرس القديم بقصد أو دون قصد.. بحسن نية أو بدونها..
الدولة كما يفهمها العالم الآن كله هي كائن اعتباري تمثل وتحمي مصالح جميع مواطنيها بجميع دياناتهم لا يصح أن يكون لها دين رسمي.. لأن هذا يعني ببساطة انحيازها الي فئة من المواطنين دون أخري مهما قالت العكس ومهما كانت هناك نصوص في الدستور تقول العكس.. فهذه المادة هي الحاكمة علي بقية المواد وهي التي أدت الي إصدار أحكام قضائية مخالفة للقانون المدني.. والنص علي أن مباديء الشريعة الاسلامية (دون تحديد ماهي مباديء هذه الشريعة).. هي المصدر الرئيسي للتشريع ودون تفصيل.. جعلت الدولة أسيرة للمؤسسة الدينية وتفسيراتها للشريعة.. كان ممكن النص مثلا علي أن مباديء الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع في قوانين الأحوال الشخصية للمسلمين.. ولكن النص الحالي يعطي الفرصة لجماعة الإخوان وأنصار الاسلام السياسي أو من يقولون عن أنفسهم في تعبير غامض أنهم أنصار نظام ذو مرجعية اسلامية القول أن كثير من القوانين المعمول بها حاليا هي غير دستورية ويستطيعون فرض رأيهم وفرض وصاية علي كل شئون المجتمع وثقافته وعلي الإعلام والفن والثقافة بل وفي المستقبل منع المشاركة السياسية للأحزاب المدنية القائمة حاليا وعلي رأسها الحزب الوطني مرورا بكل الأحزاب اليسارية والليبرالية.. لن يحتاجون الي لجنة شئون الأحزاب.. فالدستور يكفيهم لمنع أي حزب لا يوافق علي أن تكون مرجعيته اسلامية.. المادة الثانية من الدستور تعطيهم هذا الحق.. ستتحول مصر وهي قد بدأت هذا التحول الفعلي الي دولة دينية تشبه إيران بنكهة سنية..
الحقيقة تقول أنه بفضل المادة الثانية من الدستور.. تمكنت جماعة الإخوان من مصر.. ولهذا نصيحة لكل الأحزاب الأخري وللجنة السياسات ورئيسها أن تبدأ في حزم أمتعتها من الآن.. فبمجرد غياب الرئيس مبارك.. ستتحول مصر الي إيران أخري يكون المرشد العام هو مثل خامنئي ( أرشح الدكتور سرور لهذا المنصب ).. ورئيس الجمهورية هو مثل أحمدي نجاد ( أرشح له الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح أو الدكتور عصام العريان..)
بفضل الرئيس السادات و المادة الثانية للدستور وبعد اغتيال رفعت المحجوب الرئيس السابق لمجلس الشعب وتولي فتحي سرور.. نجت سياسة التمكين.. وانتهي عهد الدولة المدنية والتي كافح من أجلها سعد زغلول ورفاقه في ثورة 19 تحت شعار الدين لله والوطن للجميع.. لقد تحول هذا الشعار في في ربع القرن الماضي الي الدين لله والوطن للحزب الحاكم ورئيسه ورموزه ليتحول الآن الي الدين لله والوطن للإخوان..
لابد من الاعتراف بنجاح الإخوان في خطة التمكين بفضل المادة الثانية للدستور.. وأي تعديلات دستورية لا تطال هذه المادة لن تؤثر علي نجاح خطتهم في الاستيلاء علي الحكم بعد عصر مبارك.. مهما فعل جمال مبارك أو غيره..
التعليقات