((أتحدث إليكم حديث القلب للقلب، لقد جمعتنا القلوب قبل أن تجمعنا الدروب، فأصبحنا كتلة واحدة متراصة متماسكة، نحن نبدأ عصراً جديداً نتطلع فيه بلهفة وشوق في تحقيق كل طموحاتنا وآمالنا، في خلق دولة عصرية حديثة وصادقة))..
من هذه الكلمات المباشرة نستطيع أن نتعرف على فكر سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، وعلى إنسانيته وعلى تلقائيته، وعلى طبيعته السهلة، كلنا يعرف بأنه صديق الجميع، ويحب الجميع، وساهر على مصالح الجميع، ونعرف كلنا أيضاً بأن سمو الشيخ صباح تولى المسؤولية تكليفاً، فرضتها مفاصل التاريخ التي شهدتها الكويت مؤخراً، وهو مع هذه المشاعر المملوءة بالمودة لأهل الكويت، كبيرهم وصغيرهم، غنيهم وفقيرهم، المرتاح منهم والمنزعج، يتحدث حاملاً وصفة لتطييب خاطر كل منهم..
وهو صادق في التآخي مع الجميع، وصادق أيضاً في حديثه عن العصر الجديد الذي يريد أن يرسم فيه طموحاته ويساهم مع أهل الكويت في خلق الدولة العصرية والحديثة..
ونحن نستجيب لتطلعاته في بناء الدولة الحديثة، ونشاركه الآمال، نريد أن نحدد ما نتمناه وهو جوهري في بناء الدولة الحديثة، التي ليس من الصعب بنائها في دولة الرخاء والازدهار والوفرة المالية التي تعيشها الكويت..
أولاً: تقوم الدولة التي يريدها سمو الأمير على سيادة القانون وفرضه وجعله المتحكم في ضبط الحياة في العصر الجديد، فلا يمكن لنا أن نزعل من أحكام القانون, وعلينا احترامه والخضوع لاملاءاته، لأننا نساهم في بناء جوهر الحكم وهو هيبته، والقانون هو الهيبة التي ترافق سلوك الدولة نظاماً وشعباً.
ونتمنى أن تقوم الدولة التي نريدها باجتثاث الوساطة التي دمرت الكويت وأدخلت اليأس في النفوس وأطاحت بالهيبة وبالوقار..
وأول من ساهم في إدخال آليات الواسطة هي الكوكبة البرلمانية التي خلقت من ثغرات في الممارسة السياسية ndash; ما نسميه الامتيازية البرلمانية- التي يحملها عضو البرلمان ويدخلها معه في ممرات أصحاب القرار في الوزارات والهيئات..
ونحن ندرك الإفرازات السياسية التي ضخمت دور الوساطة وقللت من فعالية القانون وأضرت بالسيادة القانونية، وعلاجها يتوفر في المساواة..
ثانياً: والمساواة هي الاحترام الفارض لحقوق المواطنة، فالكل سواسية والجميع متساوون، وحق التقدم تكفله الكفاءة والمقدرة، ومقاييس الترقيات هي الأداء، والتميز رفيق الأهلية الفكرية والمهنية.
ونحن نعلم بأن الوساطة تستفحل عندما يتلاشى الالتزام بحق المواطنة، فعند الاختلاف في الاجتهاد والرأي والموقع نعرف تماماً بأن حقنا كمواطنين لا يتأثر بهذا الاختلاف، وأننا لا نتضرر لأننا غير قادرين على الوصول إلى أصحاب القرار وغير مقبولين من محتكري السلطة.
وعندما نستذكر تاريخ الدول العربية في العصر الحديث سنقف على مسببات التوترات والانقلابات والمؤامرات والتنظيمات السرية مردها جميعاً إلى فقدان الالتزام بحقوق المواطنة، ونرى التفوق الأوروبي وحتى في دول آسيا الناهضة يعود إلى التقديس المؤسسي لحقوق المواطنة..
ثالثا: لا تنهض الكويت دون جهاز إداري وفني مؤهل للتناغم مع متطلبات الأمة العصرية، والإدارة الكويتية مستسهلة ومسترخية وغير فعالة، وكسولة وتفزع من المسؤولية وتتهرب من اتخاذ القرار، ويعود ذلك إلى الوضع العام الذي لا يعاقب فيه من يتهاون، ولا يكافأ فيه من يبادر ويقتحم، عملاً بمبدأ الثواب ومبدأ العقاب، وإذا ما اختلطت الأمور بالشكل الذي نراه الآن، لا يمكن لنا أن نبني الدولة العصرية التي نريدها. من الصعب إنجاز معاملة إدارية في البيروقراطية الكويتية، في وقت معقول.. فالتسيب والغياب وانعدام الانضباط الإداري كلها عناصر سببت تأخر الكويت.
وسمو الشيخ صباح على اطلاع تام على النواقص، ويعرف التحديات ويملك الهمة التي سيوظفها لمعالجة هذه النواقص.
ومعرفتي بسمو الأمير تزيدني ثقة وقناعة بأننا نسير في الطريق الذي سيأخذنا إلى الدولة العصرية، هناك ثلاث صفات تدخلني في اليقين من النجاح في عمل سمو الأمير..
أولاً: صراحة سمو الأمير التي ترافقه دائماً، شاهدته يصارح رئيس الولايات المتحدة، ويصارح المرحوم عبدالناصر وآخرين من رؤساء وملوك وشيوخ، وأصحاب قرارات، شاهدته في جلسات تاريخية استمعت إليه يتحدث بوضوح وبصراحة..
في إحدى المرات أخبرني الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة عن إعجابه بصراحة سمو الشيخ صباح عندما ذهب وفد وزراء الخارجية العرب إلى البيت الأبيض في أعقاب حرب 1973 ووضوح الشيخ صباح في نقده للسياسة الأمريكية مع الرئيس نيكسون.
وهو معروف بهذا الوضوح ويقول المآخذ بأسلوب محبب ولا يتردد في الاعتذار عندما يشعر بمبررات ذلك الاعتذار لأنه كبير.
ذهبت للسلام على سموه في دار سلوى ولم يتمكن من النزول إلى الصالون لارتباطاته، وعندما ذهبت إلى قصر بيان مع مجموعة من المستشارين لتهنئته، يقول لي وبهدوء - اعتذر عن عدم تمكني من النزول مساءً بالأمس.
هكذا الرجال الذي يملكون الثقة في الذهاب إلى أبعد مدى من أجل إزالة امكانية سوء الفهم، لأن القيادة هي صراحة ووضوح..
ثانياً: تعجبني في سمو الشيخ صباح غريزة الحقانية، نقول أنه إنسان حقاني، وهذه صفة رافقته طوال عمله الواسع، يحكم على الناس وفق ما يستحقون، ويحكم على السلوكيات حسب ظروفها، ويتفهم ظروف الدول ويثمن المواقف، ولم أجد في أحكامه قسوة على أحد، أو على قيادة أو دولة، فلا يسرف في القسوة حتى الذين أضروا الكويت من عرب وغيرهم لا أجد في أحكامه عليهم ما يسئ. والحقانية هي عنصر مؤثر في علاقات الإنسان، تجلب له الاحترام وتعزز ثقة الناس به، وتقبل أحكامه، خاصة إذا كان هذا الإنسان صاحب القرار المؤثر.
ثالثاً: سمعت سمو الشيخ صباح وفي مناسبات كثيرة يرفض الأسلوب البوليسي في التأثر بالتقارير السرية ويكره جداً اللجوء إلى المخابرات ويتحصن دائماً بالوضوح ويستصغر الذين يتباهون بالاهتمام بالمخابرات ndash; سمعته مرة يقول للرئيس المرحوم عبدالناصر بأن المواقف التي تعتمد على تقارير المخابرات لا يعتد بها, وسمعته في مناسبات كثيرة ينصح بالابتعاد عنها.
ومن صالح الكويت أن يكون أميرها بهذا الوضوح ولايدخل في حصيلة أحكامه دوراً للأسلوب المخابراتي.
نحن في الكويت كما يقول سموه نتعايش متحابين ونتحدث من القلوب, وتجمعنا دروب التآخي, ويحتضنا تراث راق في فنون التحاور, ولا حاجة لنا بآليات لم تدخل تقاليدنا وليس لنا فيها مصلحة.
وإذا كانت هذه الأرصدة العالية تجتمع في شخص الأمير, فالاطمئنان والثقة والاعتزاز سترافق الفصل الحديث الذي يقدمه لنا سمو الأمير, والذي يشكل جوهر التحدي المستقبلي.
نحن ندعم مشروع الأمير في التحديث والعصرنة, واستذكر شيئاً من كتب التاريخ:
يقول ميكافيلي في كتاب الأمير:
(على الأمير أن يظهر نفسه دائماً ميالاً إلى ذوي الكفاءة والجدارة وأن يفضل المقتدرين ويكرم النابغين في كل فن وعليه أن يشجع مواطنيه في المضي في أعمالهم سواء في حقول التجارة أو الزراعة أو أي مهنة أخرى يمتهنها الناس.. وأن يقدم له مثلاً على إنسانية وجوده محتفظاً دائماً بجلال منصبه ووقار مكانته, وهما ما يجب أن لا يسمح قط بتأثرهما أو زوالهما مهما كانت الأسباب)..
جاء ذلك في صفحة 178 من كتاب الأمير ndash; منشورات دار الآفاق الجديدة في بيروت.
والكويت تستاهل أن يكون مستقبلها أفضل من حاضرها ويستاهل سمو الأمير أن نسهم بجدية في تحقيق ما يريد من عصرنة وتحديث.













التعليقات