يعتبر نجاح حماس في الإنتخابات التشريعيه والتي نفذت بنزاهه وشفافيه وإنضباط في الشارع الفلسطيني سابقه أولى في ديمقراطيه وليده في العالم العربي.. ولكن وبرغم إعتراف ومباركة المجتمع الدولي بها إلا أن التخوفات الدوليه من نتائجها كانت أكبر من القبول بها كنتيجه حتميه لإنتخابات حره ونزيهه..
أحد الإجابات على لماذا يتخوف المجتمع الدولي من وصول حماس إلى سدة الحكم يكمن في مقابله صحفيه للمفكر العالمي المعروف الدكتور إدوارد سعيد مع صحيفة هاآرتس العبريه في أغسطس عام 2000.. حين سأله المحرر ما ذا سيحدث لليهود اذا أصبحوا أقليه في الدولة الواحده التي تدعو اليها.. وأجاب الدكتور ادوارد سعيد هذا الأمر يقلقني كثيرا.. الاجابة على هذا السؤال صعبه جدا.. ولا أخفي أن هذا الأمر يقلقني جدا.. و أنا لا أعرف الاجابه... وكلنا يعرف أن حلمه في حل القضيه الفلسطينيه كان يكمن في أن يعيش الفلسطينيون واليهود في دولة ديمقراطيه علمانيه واحده، يتعايش فيها الطرفان في ظل نظام انتخابي حر يضمن لكلا الطرفين الحرية والعدالة واحترام الكرامه الانسانية في وطن واحد يعتمد مبدأ المواطنه ويضمن الأمن والاستقرار لهما معا.. أي كما عاش هو في الولايات المتحدة حين وصل اليها كلاجيء مشرد واحتضنته أميركا بدون أن تنظر الى لونه وعرقه ودينه.. وأعطته الجنسيه ليعامل بمساواة تامه أمام القانون أسوة بكل مواطنيها. وكما نعيش نحن المغتربون في الدول الغربيه ( إلى أن وقعت أحداث 11 سبتمبر )
وعليه فإن تفسير عجز الدكتور إدوارد سعيد على الإجابه يعود إلى الأسباب التاليه..
1- أن الدول العربية جميعها تعتمد مبدأ دول اسلاميه تختلف القوانين فيما بينها جميعا تبعا لفقهائها وفتاويهم وأيضا اختلاف قوانيها الداخليه ما بين مسلم سني ومسلم شيعي وبين مسلم ومسيحي..مما رسخ لمبدأ عدم المساواة في الحقوق في الدوله الواحده.. إلى جانب عدم القبول بمبدأ حرية العقيده.. وحرمان البعض من ممارسة شعائره الدينيه.. فكيف ستتقبل المساواه بين مسلم ويهودي.
2 - عدم اعتماد الدول العربيه مبدأ المواطنه المعمول به في الغرب.. حيث لا زال العديد من العاملين العرب في الأقطار العربيه بدون أية حقوق حتى بعد أن عاشوا فيها ما يزيد عن الخمسون عاما لا زالوا يحرمون من شراء بيت أو شقه للسكن ناهيك عن الحصول على جنسية البلد الذي أقاموا فيه لعشرات السنين وعملوا على بناؤه.. وهو القانون المعمول به في الدول الغربيه بناء على مبادىء الحقوق الإنسانيه.. وحتى لا تحرمه من حقه في النمو والاستقرار الطبيعي..
3- نجاح دعاة التشدد والتطرف الاسلامي في زرع الحقد والكراهيه ضد اليهود ورفض مبدأ الاعتراف بحق الآخر في الوجود حين أصروا على أن الصراع عقائدي وليس سياسي.. متناسين أن الدين اليهودي معترف به في الإسلام وأن الصراع سياسي.. وأن الله سبحانه وتعالى أمرهم بالذهاب إلى الأرض التي تفيض لبنا وعسلا...
.أما على المستوى الفلسطيني الداخلي فاسباب تخوف وقلق الدكتور إدوارد سعيد كثيره ومعروفه للجميع.. على قمتها معارضته لأداء القياده السابقه وأسلوبها في التعاطي مع قضايا الفساد والمحسوبيه...
كلها أسباب حملت الدكتور ادوارد سعيد على الاجابه بأنه لا يستطيع التكهن بمصير الأقليه اليهوديه في الدوله العلمانيه الواحدة.. والتي كانت قمة أحلامه لحل الصراع..
والآن يواجه الفلسطينيون مأزقا دوليا.. تنتابهم الحيره من الإزدواجيه الدوليه في التعامل مع قضيتهم.. ففي الوقت الذي امتدحت فيه الدول الغربيه سير الإنتخابات بنزاهه وشفافيه.. لا يريد الغرب التصديق أو دعم خيارهم الديمقراطي كما هو معمول به عالميا.. وهنا تكمن الإجابه بأن على الفلسطينيين وحدهم الإجابة على التساؤلات الدوليه.. لإحراز مصداقيه وغطاء شرعي دولي يدعم نتائج هذه الإنتخابات ويقوم بالضغط على الحكومه الإسرائيليه للتعامل مع الحكومه الفلسطينيه المنتخبه ديمقراطيا..
السؤال الأول الذي يجب على الفلسطينيون الإجابة عليه.. هو..
- هل انتخاب حماس هو تاكيدا لموقف فلسطيني يرفض الإعتراف بإسرائيل.. أم أملا بأسلوب تفاوضي جديد يلزم أو يقنع إسرائيل بأهمية التفاوض وأنه الطريق الوحيده للتعامل وإنهاء هذا الصراع..
- هل انتخاب حماس هو لإستمرار عسكرة المقاومه أم لإيجاد أسلوب مقاومه جديده تستند إلى الحق الشرعي.. ولكنها أيضا تبتكر أساليب خلاقه لمقاومه من نهج جديد يستند إلى إبراز الإنتهاكات الإسرائيليه للمبادىء الإنسانيه والقوانين الدوليه.. لإحراز تأييد ودعم دولي للحقوق
- هل ستستعمل حماس أسلوب المراوغه والغموض في تصريحات قادتها لمد الأجل لعرقلة أي اتجاهات سلميه تحت بند الأمل بأن إسرائيل ستزول يوما ما.. وأن الغلبة لنا في النهايه..
- هل اتجاه حماس في التحالف العلني والضمني مع النهج الايراني المتشدد في رفض المحرقه ورفض إسرائيل جملة وتفصيلا سيفيد الفلسطينيين في اتجاههم نحو حل القضيه الفلسطينيه..
- هل التحالف مع النهج الإيراني سيعزز من التأييد الدولي للحقوق الفلسطينيه وللتعامل مع القضيه أم أنه سيعود بآثار سلبيه عليها..
- هل التحالف مع النهج الإيراني سيبقي على الدعم العربي للقضيه الفلسطينيه مع ما هو معروف من التخوف الخليجي لطموحات ايران الإقليميه.. والتخوف من امتلاكها للقوه النوويه ومن استعمالها كأداة ضغط على المنطقه الخليجيه. لتحقيق طموح ايران لأن تصبح قوة عالميه.. تمثل العالمين العربي والإسلامي..
- أثر فوز حماس والتخوفات الإقليميه بدا واضحا ومربكا للحكومه الأردينه التي استجابت للضغوط الأميركيه عام 1999 وأخرجت قادة حماس من الدوله برغم حملهم للجنسية الأردنيه..تخوفا من قطع المعونات الأميركيه التي تحتاجها الأردن للحياه.. والتردد والخوف حاليا من أثر هذا الفوز على تقوية حركة الأخوان المسلمون ودعوتهم الفوريه لإلغاء اتفاقية وادي عربه.. وتأكيدهم على الإستعداد الفوري لتسلم السلطه في الأردن كما جاء على لسان المهندس عزام الهنيدي..والمخاوف الأردينه من سيطرتهم على الإنتخابات البلديه في الصيف المقبل..
- هل سيساهم هذا الإتجاه الذي يستند إلى مبادىء مشتركه بين جميع الحركات الإسلاميه بما فيها حماس إلى تحقيق التنميه المستدامه التي يحتاجها العالم العربي والإسلامي بقوه.. أم أن هذه الحركات ستعتمد مبدأ التنميه بالإيمان كما جاء بها الداعيه الموضه عمرو خالد..
حماس وجميع الحركات الإسلاميه بحاجه إلى وقفه مع الذات وإعادة تقييم وضعها وعلاقتها ومدى إرتباطها بالمجتمع الدولي من حولها.. وإلا فإنها ستجد نفسها نجحت في أسلمة المجتمع ولكنها أيضا أغلقت عليه المنافذ والأبواب وعزلته عن المحيط العالمي.. هناك دعوة ملحه للمقارنه مابين نتائج رفض قرار التقسيم عامل 1948 ثم لاءات الخرطوم الثلاثه.. ولاءات حماس الثلاثه..تقييم لما كانت عليه الأرض الفلسطينيه.. ولما أصبحت عليه الآن..
ومن المتضرر الأكبر في هذه اللاءات.. ومن الذي سيدفع ثمن التعنت والرفض.. ومدى إستعداد العالم العربي والإسلامي لتحمل عبء طول أمد التلاعب بالقرار الفلسطيني..
5/7/2005 صرح الزهار في حماس لن تكتفي بغزه التي ستنسحب منها اسرائيل مشددا... ان قضيتنا الوطنيه ليست مرتبطه لا بالضفه ولا بغزه ولا بالقدس.. قضيتنا في حماس مرتبطه بفلسطين كل فلسطين.... أم نصدق تصريح مشعل.. حين قال... سنتصرف بواقعيه جديدههل نأمل في تصريحات واقعيه وواضحه وتفصيليه وبدون تلاعب في الكلمات.. تخدم مصلحة الإنسان الفلسطيني والعربي في إنهاء الصراع..أم أن الهدف الحقيقي لحماس وغيرها هو فعلا صدام للحضارات وصدام بين الأديان...
باحثه وناشطه في حقوق الإنسان في لندن
التعليقات