تاريخيا وجِدَت مهنة المومس او البغي للسبب عينه الذي وجِدَت من أجله المهن الأخرى، الكدح من اجل البقاء. في جميع الثقافات المحافظة وغير المحافظة كانت مخادع المومسات وما زالت مأوى للنزلاء الذكور المحمومين. يأتي الذكر وهو محمل بمحنته التي لا يعرف أسبابها، لكنه يُدرك ان العاهرة لديها ما يخفف من وطء اوجاعه. يـُقبل الذكر على المومس وكل عضو فيه مستسلم ذابل، وذهنه مسلوب من كل السبل التي قد تحفظ له بقايا كرامة فيه. يخلع ملابسه قطعة وراء الأخرى بلهفة، وحين يكشف اسلحته التي يشهرها دائما ليثبت انه المخلوق الأكثر حقوقا واهمية، يسلمها بخنوع وانكسار لأضعف وأذل اناث الأرض. يلقي بجسده المصاب بحمى الابتذال على جسد تلك الانثى التي لا ترى فيه سوى قروشه التي يسكبها عليها كل مرة، بعدما يدلق على فراشها حياءه الملطخ بمائه، ويرمي في عرض البحر جميع ما يميزه عن دواب الأرض البائسة ويصنفه على انه بشر.

في راوية quot;إحدى عشر دقيقةquot; للكاتب البرازيلي quot;باولو كويلوquot;، تكشف المومس الشابة quot;مارياquot; مشاعرها تجاه من يعربدون على جسدها من الرجال، وتفضح خفايا صنف ذكوري وضيع، مستَعمَر بما بين فخذيه. quot;مارياquot; مومس جميلة عاملة جنس متمرسة للطبقة الغنية، تعنى بتخفيف العُقد الجنسية المعتلة بها نفوس الذكور المترفين. معظم زبائنها من رجال الاعمال، ومن اصحاب المراكز الحساسة الذين بإمكانهم ان يحركوا العالم من حولهم بأطراف أناملهم، لكنهم يعجزون عن رفع انفسهم قيد انملة امام جسدها الغض الملتهب. هؤلاء رجال يعدّهم عالمنا الذكوري عظماء وناجحين ، لكنهم حالما يدخلون محراب المومس الشبقة يتحولون الى حيوانات مستأنسة ذليلة، تتضرع وتتوسل من اجل اطفاء ذاك اللهيب الذي يحرق أجسادهم، ويهيّج كل عضو فيها ويشعله.

المرأة المومس تكاد تكون أسطورة قديمة كُتبت برموز عجيبة محيرة، لأن الكل عجز عن تفكيك طلاسمها، ربما لأنها ُصبت بماء شهوة يتلظى، لا يكف عن اثارة مكامن من يدنو منها وتأجيج مشاعره.

مهنة الدعارة تُعد قصيرة الأمد، مثل أي مهنة يُستهلك فيها البدن بطريقة مكثفة. لذلك المومس تتقاعد مبكرا، فيما عدا بغايا العرب. بغايا العرب لسن نساء لكن أمرهن يستدعي الالتفات والتوقف عنده بجدية. فهن بغايا لسنوات وعقود بل بعضهن لقرون مديدة. شِخنَ وَعَبَثَ الزمن بتقاسيمهن وترهلن بكل ما تحمله تلك الكلمة من قرف. بغايا العرب بعضهن مسنات وذابلات، لكن الذكور ما زلوا يصرون على اعتلاء صهوتهن واستغلال كل جزء فيهن. هن لسن بإناث لكن سحرهن على كل من حظي بعضو ذكر يفوق بشكل كبير على سحر جميع حسناوات العالم وبغاياه. هن بالتحديد ثلاث بغايا يظهرن بأقنعة مختلفة:العروبة، والعصبية الدينية، والديمقراطية. الديمقراطية أضيفت حديثا بسبب تداعيات 11 سبتمبر، لكنها ابهرهن واينعهن واكثرهن جاذبية. ثلاث عاهرات للعرب يفرغن فيهن كل الهزائم والشعور بالدونية والخذلان.
المومس الأولى هي العروبة صارت اقل جاذبية في الزمن الراهن، لأن الردح معها او عليها أو ربما فيها لم يعد ذا جدوى، بسبب المشاحنات والنزاعات المبطنة والمعلنة المغروسة بين البلدان العربية حكومات وشعوبا. فالحروب الأخيرة والاعتداءات العسكرية واللفظية التي جرت بين العرب وبالتحديد في العقدين الأخيرين، دفعت بالأقطار العربية التي تفتقر لجيش مدجج، أن ترمي بنفسها بين احضان الدول العظمى لتشرف على حمايتها. صارت العروبة مثل عاهرة رخيصة تخترقها خوازيق حثالة الحارة وداعري الحارات المجاورة، فلم يعد زيت العرب في دقيقهم خاصة من بعد سقوط الكويت ونهوضها.

العصبية الدينية هي المومس الثانية، فهي ذات جاذبية خلابة وجسد متوهج بالرغم ان عمرها يُحسب بقرون عدة. العصبية الدينية منذ أن أفرزتها الأمة العربية وحتى اليوم لم تزل فاتحة جميع منافذها المحللة والمحرمة، لمن أراد ان يثبت للمسلمين كافة انه حامي الحمى وناصرها حتى آخر نَفَس فيه. العجيب فيما يجري على ارض العرب أن ذكورهم لا يكلون ولا يملون من ركوب تلك المومس والوصول الى ذروة الخلل العقلي والنفسي وقبلهما العقائدي. تدب شهوة الجنون في اجسادهم فتتمدد ألسنتهم وتشتد زنودهم وتقوى عزيمتهم، فيهبّون كالمعتوهين لخوض معارك فاقدة الصلاحية وعديمة الفائدة. يتحولون كالوعول المفترسة المصابة بسعار الكلاب وجنون البقر والثيران حين تمسهم عصبيتهم الدينية. بين تارة واخرى يجولون في الشوارع بهتافات تنم عن جهل قبيح وعصبية متأصلة حتى العظام والادمغة المعطوبة. مومس العروبة ومومس العصبية الدينية يعتليهما كل من هب ودب من ذكور العرب، من اجل ان يواروا ذكوريتهم المخصيّة، ويخفوا رجولتهم المأزومة.

المومس الثالثة هي الديمقراطية من ألذ المومسات وأكثرهن شبابا وانتعاشا وحيوية. مومس طبقة انصاف المثقفين وانصاف الآلهة الذين انزلوا على هذه الأرض في صور مسئوولين وحكام عرب. الديموقراطية باغية نضرة ترتدي كل يوم لباسا مثيرا ومهيجا لكثير ممن quot;لحسوا حبراquot; كما يقول الاتراك، الذين يعدون انفسهم مثقفين ويودون تجميل قبح هذا الشرق الخَرِب. مرة تلبس الديمقراطية ثوب نشر ثقافة حقوق الإنسان واحترام الحرية الشخصية، ومرات إعطاء حقوق للأقليات وبث مفاهيم التسامح وقبول الآخر، وتارات تمكين المرأة ومساواتها في الحقوق والواجبات، لكن اذا اشتد شبق الذكور وهاجت رغباتهم ألبسوا تلك العاهرة رداء مزركشا ومشعا ليستروا به عوراتهم، وتصايحوا بالحريات الدينية بأصوات تفوح منها اقذر اصناف النفاق والتملق.

بغايا العرب تلك ستبقى مخادعهن جاهزة ومهيئة لمن أراد أن يسجل أسمه في قائمة مرتادي المواخير الأقحاح. فالعروبة والعصبية الدينية والديمقراطية عاهرات باقيات لعقود طويلة بين أبناء الأمة من اجل أن يعتلوا صهواتهن، ويظهروا بأردية الوطنية، والولاء الديني، والتحضر في آن واحد. ما عليهم سوى ان يمسوا ما هو جنوني ومثير وسيَرَوا الكثير من غوغاء امة محمد يهللوا ويكبروا لهم quot;بالروح بالدم ..quot; ويعدوهم قناديل يهتدون بهم في عتمتهم الداكنة. مرتادو بغايا العرب يتشابهون في تقاسيمهم المحمومة سواء كانوا أثرياء مترفين أو فقراء معدمين، فهم مثل مرضى العلل المزمنة، يكابدون آلاما لا رجاء من شفائها، لكنهم يصرّون بحماقة المدمن على تعاطي نفس العقاقير التي تزيدهم تقهقرا ووهنا وانتكاسا.
[email protected]

*كاتبة سعودية