حين قرأت مقالة القاصة نعيمة مجيد تحت عنوانquot;المرأة الأديبة والمثقفة بالمواجهةquot; وكانت دفاعا عن المرأة المثقفة العراقية عموما، شعرت بواجبي الوقوف مع هذه المرأة التي تريد أن تقول شيئا في عالم عراقي يريد خنق إبداعها اليوم، أحزنتني كلماتها هذه quot; إن عمر منتدانا لم يتجاوز الساعة وقام بعضهم بالإعلان عن قمعه، بل حتى وأده بإشهار ألسنتهم الحادة وقذفه بكلماتهم اللاذعة، محاولين التقليل من قيمته في التأثير على النواحي الإبداعية لدى المرأة، وأخبار الحاضرين بوجوب الوأد، وهو لم يزل بعد ينشر بذوره الأولى quot;.
أريد أن اقف بروحي وقلبي وقلمي مع كل النساء في المنتدى الذي حمل اسم الشاعرة نازك الملائكة والتي أحدثت ثورة في تاريخ الأدب العربي.. أريد أن أخاطب المثقفين العراقيين جميعا:
لسنا في حرب أيها الاخوة لتنقضوا غزلكم معنا بعد جهد وبعد تضحيات، نحن وإياكم في خندق واحد، لا تنسوا أننا لازلنا نزيح - وفي كل يوم- عن كاهلنا بقايا آلام وانفجارات تلتصق بنا وتدخل كل مساماتنا وتهد ّ طموحاتنا..
لازلنا نتجاوز حدود المعقول بنسيان سؤال يلحّ على كل عراقي بالوطن :
هل إلى داره آمنا سيعود؟ أم سيرحل؟ بلا عودة ٍ في الطريق؟ مثل الطيورِ الجريحةِ، حالنا اليوم، تعود لأعشاشها أو لا تعود..
لا زال الرديء والذي لا يفقه باللغة ولا بأحلام البشر إلا مصلحة له هنا أو هناك، يطغى في عالم الإعلام والصحافة العربية، البراغماتية هي اليوم السائدة في كل مناحي الحياة وعبارة quot;اعطني ما أريد، وسأعطيك وان لا تستحقquot;، هي المنتشرة في أغلب هياكل مجتمعنا مع الأسف، أما الكفاءة والتمكن والإبداع فكلها مصطلحات تسطر على الأوراق ولا علاقة لها بأماكن العمل، لازلنا أيها الاخوة في مرحلة ما قبل البناء، بل في مرحلة الفرز، ولازالت فلول البعث والإرهاب تعصف بنا وتريد الانتقام من رغبة الجماهير وأصواتهم الرافضة لها، هانحن نرى المذيعين والمراسلين يدمرون اللغة العربية ويهزونها هزا بأخطائهم ولو أن سيبويه جاء وسمع ما يقال على الفضائيات لأغلق أذنيه ثم انتحر، لازالت ميليشيات التخلف تهجم على الإذاعات المحلية وتنتهك حرم الجامعات لتفرض أمراضها النفسية وهمجيتها، لازالت مدن العراق تعج بالأزبال وكأننا لم نر الحضارة يوما ولم نكن نحن أول بانيها، لم تزل أسواق العراق ومؤسساته مليئة بالزيف والغش والرشوة والفهلوة حدا جعل الناس مضطرة للتعامل مع ما هو موجود لأنها تريد أن تعيش، ولازال بعض المعلمين يضربون الطلاب ويعذبونهم بشكل قاس يعكس عدم سويتهم فكيف سينشأ من يتربى على يد من هو ليس سويا؟ فقبل أيام استضافتني إذاعة دجلة وكان الحديث حول العنف ضد المرأة والطفل، اتصلت امرأة عراقية لتشتكي على معلم ابنها الذي يقص من شعر الطفل ليجبره على أكل ما قصه من شعره كعقوبة عندما لا يعرف الطفل الإجابة على سؤال، ومعلم آخر يكوي الطلاب بالسكائر، ماذا نتوقع بعد سنين حكم البعث الفاشي المرعب؟
لازالت أمور شتى وعجائب لا تصدق تحصل في ارض العراق ..
من هنا لا نستغرب أن تكون الأديبة والمثقفة في مواجهة النار، وان تكون وحيدة بواقع مرير لا يرحم.. لكن الذي يؤلمنا ويدعونا للصراخ هو أن لا يساندها الرجل المثقف الذي نعتمد عليه كقدوة والذي لابد أن يكون له الدور الرائد ببناء الإنسان العراقي..
هل من واجبي وبطريق دفاعي عن منتدى نازك الملائكة أن أدلى بثورتي على الأعلام اليوم ؟ أم انهم سيقولون ثورة المحتاجين والمقهورين وثورة الفقراء الذين يهجمون على الباستيل غاضبين مليئين بالعنف بعد أن ضاقوا بالظلم ذرعا؟
ماذا نقول ونحن نبحث عن منبر نقول فيه كلمتنا مجانا، وسوانا يقولها بالمال وبالشروط وهو غير المقتدر ولا المبدع أو المتمكن، لكنه خراب القيم والواسطات والمحاصصات والتحزب، انه الزمن الرديء الآخر الذي جاءنا بعد صدام حسين والذي أراده اتباعه، وها نحن نحقق حلمهم ليضعوا أمام الناس مقارنة بين الوضع في عهد الطاغية وما هو عليه اليوم،آسفين ومتألمين نقولها :
ما كنا نظن أن زماننا سيأتينا بأسوأ مما رأينا..
لا تتألمي عزيزتي نعيمة، رايتك في ملتقى الشعر العراقي الذي دعت له مؤسسة البابطين في الكويت الشقيقة، كنتِ هادئة مبتسمة بطيبة ذكرتني بكل أمهاتنا العراقيات، لا أدري لماذا تذكرتهن بك، ربما لأنك كنت أهدأ وأرقى من أن تغتصبي وقتا من الآخرين، رغم أنني شعرت انك تغلين بما عندك من ثورة دعتك لأن تهدينني مجموعتك القصصية quot;زهور ثلجية quot;التي التهمتها باكية لسرّ المرأة المختنق والممنوع عن البوح دوما وان كان من حقها الصراخ به..
أعترف أنني لم أسمع أو اقرأ كل ما دار في المنتدى، ولم أر كل المناقشات التي دارت بينكم، لأنني لم احضر المنتدى فنحن قد هُمشنا من قبل ومن بعد، حتى أن مهرجانات الشعر بالوطن لم تكلف نفسها عناء دعوتنا ولو لرفع العتب، ولا المنتديات الأدبية، وكأن نضالنا ودموعنا كانت ماء، وغربتنا كانت نزهة. وكتاباتنا وعقولنا هباء ً منثورا.....
التعليقات