طالما وصفنا الآخر، وطلبنا الحوار معه، وجب علينا أن نحدد الـ(نحن)، وما دوائر عرضنا، وأين خطوط طولنا الفكرية والنفسية والشكلية!؟
نحن بوصفنا عرباً ومسلمين، نختال مفتخرين بأننا (نمتلك الدنيا ومن أضحى عليها..).
نحن من نتراقص فرحاً بخرافة أننا خير أمة، الأمر الذي وسّع الجراح، وعمّق المعضلة، ووطّن المأساة.. إنها جراح ومعضلة ومأساة التوفيق بين هذه (الخيرية) و(الإفلاس الحضاري) الذي نعيش فيه؟!
إنه الجنون الذي جلبناه لأنفسنا، حين أدّعينا بأفضليتنا على سُكان المعمورة، ولابد لهذا الجنون من علاج وإلا أصبنا بالانفصام الفكري، والإعوجاج الذهني.
لم يكن أمامنا لعلاج هذا المرض إلا الإستقطاب بقطرات من السقم الأصلي مرددين: (وداوني بالتي كانت هي الداءُ)!
نعم إزاء التفوق الغربي- غير المسلم وغير العربي- من جانب، والإدعاء بالأفضلية المطلقة للعنصر العربي والإسلاموي، لم يكن هناك بد من إنشاء وتأليف صيغ وأقاويل توائم بين النقيضين، وتساعد في حل المتضادين المحيرين!
من هنا إنقسم المُشرّع في توفيقه وإصلاحه، ونشر توازنه إلى أربعة أقسام:
قسم يقول بأن الحضارة الغربية قصدت إشغال المسلمين، وتعطيل شبابهم، وإضاعة أوقاتهم quot;المهمةquot; لذا يجتهد الغربي في صناعته وإنتاجه ليقتل بقايا quot;الطموحquot; العربي، وquot;يستهدفه بإختراعاته وإبداعاتهquot;، مرداُ هذا المُشرع قول القائل: مؤامرة تدور على الشباب ليُعرض عن مقابلة الحراب!
وقسم ثانٍ، يرى أن هؤلاء الغربيين، ليسوا أكثر من مجموعة بشرية، خلقت لتخترع لنا، وتخدمنا فهم quot;قوى مسخرةquot; لخدمة أهل الخير والصلاح، الذين يفرحون ويضحكون وعلى الآرائك يجلسون!
والقسم الثالث، يأخذ الموضوع على أنه إستدراج وجذب ومتاع ولعب ولهو، مختزلاً كل الحضارة الغربية، قائلاً بعد أن يأخذ نفساً عميقاً: (آه لهم الدنيا ولنا الآخرة) مؤكداً أن الله جل وعز يستدرجهم من حيث لا يعلمون!
ورابع الأقسام، وهو أكبرهم علماً، وأكثرهم وعياً، يؤكد أن كل الحضارة الغربية ليست أكثر من تطبيقات للعلوم التي إبتكرها آباؤنا الأوائل، ولأنها بضاعتنا رُدّت إلينا، وحتى يمرر هذا الرابع فكرته يستل مقولة غربية من هنا، أو قصة شمالية من هناك، مردداً العبارة إياها: (من فمك أدينك)!
نعم نريد الآخر، ولكن أين هو؟ لأن الغربي ليس أكثر من هذه النماذج الأربعة، وفي كلها لن يكون آخراً يرتقي لمستوى الحوار، لأننا قررنا مصيره، وحددنا مكانه!
[email protected]
التعليقات