يبدو أنّ الالتحاق التركي بالاتحاد الأوروبي، بالنسبة لحزب quot; العدالة والتنمية quot;، ليس هدفا اقتصاديا فحسب، بل هو أيضا نوع من السعي إلي حسم السؤال الثقافي - الحضاري الذي أرّق تركيا منذ عهد التنظيمات العثمانية في منتصف القرن التاسع عشر. الهدف هو تحقيق المعادلة: تركيا أوروبية بدون التنكر لتاريخها وهوية شعبها الدينية، وهو أيضا وسيلة للإصلاح الداخلي، فعبر الطريق الأوروبي ومعاييره يأمل قادة الحزب أن يصلوا إلى تحجيم المؤسسة العسكرية وإخراجها من الساحة السياسية، إضافة إلى توظيف المعايير الأوروبية في مجالي حقوق الإنسان وحقوق الأقليات لوضع نهاية لحرب الدولة التركية الحديثة على القومية الكردية. وبهذه الأهداف، فإنّ الوصول التركي إلى أوروبا هو أداة إصلاح وسلام داخلي، وليس فقط طريقا لتحقيق الرفاه الاقتصادي.

إنّ إجراءات التأهل للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي سينتج عنها مجتمع تركي أكثر ديموقراطية وحرية وعدالة وأقوى اقتصادا وأقل فسادا وأكثر أمنا، وستنتج عن التجربة خبرة ثرية، ليس للمجتمع التركي والحركة الإسلامية التركية فحسب، وإنما لحركة التجديد الإسلامي في العالم كله، وكذا السلام العالمي وجهود الحوار والتعايش بين الثقافتين الإسلامية والغربية.

ومن هنا، ينبغي على أوروبا أن تلعب دورا إيجابيا، فلا ترمي تركيا في هامشية الاختلاف المطلق بحجة أنها إسلامية. لا ينبغي حشرها في الزاوية والقول بأنها لا يمكن أن تصبح حضارية لأنها إسلامية! فهذا الشرط تعجيزي ويعني في نهاية المطاف ما يلي: إننا لن نقبلكم حتى لو خرجتم من جلودكم!
لا ريب في أنّ الزمن العربي - الإسلامي غير الزمن الأوروبي، ولا ريب في أنّ هناك فجوة تاريخية تفصل بيننا وبينهم من حيث التقدم والتطور، ولكن لا يحق للغرب أن يطالبنا باللحاق بركب الحضارة، بتبني فلسفة حقوق الإنسان والمواطن، أو دولة الحق والقانون، أو تطبيق التسامح الديني، إذا كان لا يفعل شيئا من أجل مساعدتنا على الخروج من المأزق الذي نتخبط فيه.

فإذا ما تيسر انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي فإنها ستؤثر على كل العالم الإسلامي وبخاصة العربي، وسوف تدفعه باتجاه التحديث الفكري والسياسي، فما تفعله تركيا قد يقلده الآخرون عاجلا أو آجلا، وبخاصة إذا ما نجح في إخراجها من الفقر، وتعثر التنمية، والتطرف الديني.
إنّ الاتحاد الأوروبي سيستفيد من دخول تركيا ليس بأقل مما ستستفيده تركيا من انخراطها فيه، كما سيستفيد أيضا من انخراط أقطار آسيوية وأفريقية وعربية ومغاربية في شراكات معه، ففي عهد العولمة الاقتصادية ستنشأ سوق أوروبية كبرى للتبادل تستفيد منها جميع الأطراف وسيتنافس في التعامل معها العاملون الاقتصاديون من سائر القارات.
وبالنسبة لأوروبا، فإن تركيا تعتبر دولة مركزية فيما يتعلق بالاستراتيجية الأمنية الأوروبية، ظهرت أهميتها خلال الحرب الباردة. وبعد انتهاء الحرب الباردة تعززت مكانتها في أعقاب بعض القضايا الأمنية في آسيا الوسطى والبلقان، لذلك تشكل المصالح الأمنية العنصر الحاكم لخيار تركيا الأوروبي. بالإضافة إلى ذلك تمثل تركيا البوابة الشرقية لأوروبا التي تتحكم في تدفق المهاجرين غير الشرعيين من أقطار عديدة تقع إلى جهة الشرق من القارة الأوروبية، وبالتالي فإن إبقاء العلاقات الحسنة بين أنقرة وأوروبا يعتبر أمرا لا مفر منه بالنسبة للأخيرة.

كاتب وباحث سوري مقيم في تونس