لا شك في أن الوضع العراقي أخطر من الخطير، وهش للغاية. أعتقد أن قلة تشكك في هذه الحقيقة.
إن الاحتقان الطائفي، والخطر الإرهابي، وصلا حد تدمير العراق، وأزمة الحكم الراهنة تقوي الخطرين وتهدد شعبنا وبلادنا تهديدا لا حد له.
عندما كانت المداولات لا تزال جارية في عهد بريمر للبحث عن صيغة ما للحكم العراقي، كتبنا أكثر من مقال بأن الصيغة الانتقالية الأكثر واقعية، وكحل مؤقت،هي تشكيل حكومة تكنوقراط قوية حازمة وكفئ، يجري تشكيلها واختيار عناصرها باتفاق القيادات الحزبية وتحت رقابتها، ولكن تظل الصلاحيات التنفيذية محصورة في أيدي رئيس الوزراء ووزرائه. كان مطلوبا من حكومة كهذه في رأيي التركيز على:
1ـ معالجة الخطر الأمني؛ 2 ـ عودة مؤسسات الدولة للعمل بعد تطهيرها من كبار البعثيين ومن كل العناصر المتهمة بالتجاوزات والانتهاكات؛ 3 ـ معالجة مسألة الخدمات؛ 4 ـ التهيئة لتولي القيادات السياسية الأساسية مقاليد السلطة لفترة انتقالية جديدة وتقوم هي بالإعداد لانتخابات عامة في أفضل الظروف الممكنة نسبيا.
بالطبع كان الاقتراح مجرد أمنية quot;طوبائيةquot;، كنا نعرف مسبقا عدم واقعيته نظرا لاستعجال الأمريكان لنقل السلطة من جهة، ومن جهة أخرى، لصراع القيادات على تولي السلطة مباشرة وتقسيم المناصب طائفيا وعرقيا حسب معايير مؤتمر لندن لما قبل التحرير. وجاء الجدول الزمني المتعسف ليأخذ بخناق العملية السياسية وفقا لمواعيد زمنية متعسفة، مبنية على فرضية إمكان بناء النظام الديمقراطي المدني الاتحادي في ظرف ثلاث سنوات.

مهما يكن اليوم عدم واقعية الاقتراح التالي، فأرى من واجبي طرحه:أعتقد أن العراق اليوم بحاجة حيوية وملحة للغاية لتشكيل حكومة طوارئ من أفضل العناصر الوطنية غير الحزبية أو المتحزبة أو المتعصبة مذهبيا وعرقيا، عناصر ذات كفاءات عليا، وتجارب سياسية واختصاصية، ونزاهة مشهود لها، لتعمل لفترة ستة شهور أو عام، [وهو الأفضل]. إن حكومة مستقلين مؤقتة وقوية ومجربة كهذه، مطلوبة لمواجهة ومعالجة حالة الاحتقان والصراع على الكراسي، ولمواجهة الإرهاب، واستهتار المليشيات التي لا يمكن دون حلها ضمان الاستقرار. طبعا هناك عوائق دستورية معقدة أمام قيام حكومة كهذه، ولكن لو اتفقت القوائم الانتخابية الفائزة على الحل المذكور، فسوف تجد من خلال البرلمان مخرجا سريعا للمشكلة قبل أن يأخذنا طوفان محتمل الوقوع.

إننا في شبه حالة حرب من نواح كثيرة، ولكل ظرف ووضع صيغة غير الصيغ التقليدية. الإرهابيون في حرب متصاعدة تتخذ منحى طائفيا أكثر فأكثر، والاحتقان الطائفي تؤججه ممارسات المليشيات الشيعية المطلق لها العنان، وخطب أئمة الجوامع والحسينيات الذين صار كل منهم قائدا سياسيا مدويا، بينما مشاريع التعمير وخطط معالجة البطالة شبه مشلولة، والفساد المالي والإداري يتسع نطاقا. وعلى أساس هذا كله،تأتي فكرة حكومة الطوارئ المستقلة حقا. قلنا مسبقا هذه فكرة غير عملية. فكيف يكون ثمة مخرج آخر لو وجد؟

إن أزمة ترشيح الدكتور الجعفري قد وترت الجو المتوتر أصلا وزادت في مخاطره، ولذا أرى حل هذا الإشكال دون صراع واحتقان. فإذا كان ثمة اتفاق مسبق على أن يكون رئيس الوزراء من الائتلافيين، وإذا كان المجلس الأعلى مصرا حقا وبشكل قطعي على ترشيح السيد الجعفري، فأرى أن هذا الترشيح يجب أن يأخذ طريقه فورا للبرلمان وترك القرار النهائي له. نحن نعرف شكاوى سابقة للجبهة الكردستانية من قرارات انفرادية للدكتور الجعفري، وهو أسلوب عليه وعلى كل رئيس وزراء، التخلي عنه واعتماد العمل الجماعي وفقا لقواعد الدستور.

إن الوضع العراقي المتوتر جدا والخطر جدا لا ينبغي أن يزداد توترا وخطرا بسبب هذه القضية رغم خطورتها.
إن الزعماء العراقيين لم يبرهنوا مع الأسف الشديد على استيعاب خطورة الوضع، وما يستدعيه ذلك من وجوب الانطلاق أولا من المصالح الوطنية العليا. إن دماء العراقيين تواصل النزف، ونذر الحرب الطائفية تكثر، وأعداء العراق يواصلون العبث بأمننا، ومنهم من يشعلون التوتر والفوضى لحساباتهم الخاصة، كما تفعل خاصة إيران وسوريا.
إن الكوارث القادمة ستكون أكبر، وأطول أمدا، وأكثر هولا من سابقاتها، فيما لو ظلت القيادات مستمرة في ممارساتها ومسلكها الراهن، ولو استمر أئمة الجوامع في استغلال الوضع لمزيد من التدخل في صميم السياسة وخلافاتها، ولو استمرت هيئة علماء المسلمين ومقتدى الصدر في تهديد الأمن والتحريض ضد القوات المتعددة الجنسية، التي بدونها لا يمكن الحفاظ على الأمن. إن مقتدى الصدر يلعب الورقة الإيرانية، وهيئة العلماء البعثية لا ترضى بأقل من عودة نظام صدام.

ترى هل ثمة من حكماء بين ساستنا وقيادات الأحزاب؟؟!