ليس هذا العنوان تعديلا لعنوان كتاب ديل كارنيجى الشهير quot;دع القلق وابدأ الحياةquot; كما يتبادر الى الذهن لأول وهلة انما شعار ترفعه وهدف تسعى الى تحقيقه منظمة quot;وايت دوتquot; الدولية وهي منظمة غير حكومية، تتخذ من العاصمة الأميركية مقرا لها وتوجد لها فروع في دول عديدة و منها المملكة المتحدة. وتحاول المنظمة اقناع الناس في كل مكان بعدم اقتناء اجهزة التلفزيون والامتناع عن مشاهدة برامجه، لما تتركه من آثار سلبية على حياة الانسان وصحته البدنية والعقلية وعلى حياته الاجتماعية وتقول جين لوتوس ndash; التي يعود اليها الفضل الأكبر في تأسيس المنظمة ndash; اننا نحاول ان نعيد الى الناس حياتهم الخاصة التي فقدوها بسبب التلفزيون، هذا الجهاز الذي اصبح بديلاquot; عن الأقارب والأصدقاء والجيران.

نحن نعرف أسماء ابطال المسلسلات التلفزيونية ولا نعرف أسماء جيراننا، التلفزيون ينتزع منا جزءاquot; مهماquot; من حياتنا ولا يقدم لنا بالمقابل شيئاquot; ثميناquot;، والناس في الولايات المتحدة الأميركية يشكون دائماquot; من ضيق الوقت ولكنهم يجلسون امام شاشة التلفزيون لساعات طويلة. و تقول الاستبيانات : ان المواطن الاميركي يقضي في المتوسط اربع ساعات امام التلفزيون كل يوم او خمسة ايام في الشهر او شهرين متواصلين في السنة، ونحن نسعى الى تحريرهم من شباك هذا الصندوق البلاستيكي، لأن التلفزيون يحرم الناس القدرة على التفكير المستقل ويجعلهم أسرى للتسلية ونهبا للأنفعال المستمر والقلق والتوتر.

والاطفال هم الاشد تأثراquot; بالافرازات السلبية للأدمان التلفزيوني وتعرضا لمخاطره، ذلك لأن الجلوس أمام الشاشة لعدة ساعات كل يوم، يحرم الصغار من الحياة الطبيعية النشطة الضرورية لنموهم وصحتهم البدنية والنفسية ويشوه عملية تكوين الشخصية التي تتشكل في السنوات المبكرة من حياة الانسان. التلفزيون يجعل الاطفال انعزاليين، لا يرغبون في الالعاب ويجدون صعوبة في تركيز الانتباه وينفرون من القراءة.
ويرى علماء النفس: أن التلفزيون ليس جزءاquot; ضروريا للوجود الأنسانى ولا يقدم ما يثري الثقافة الحقة، بل يعمل على تشويهها وتسطيحها ويحول افراد المجتمع من بناة مبدعين الى مراقبين سلبين. اما رئيس فرع بريطانيا لمنظمة (وايت دوت) ديفيد بارك ndash; وهو صحفي ndash; فقد بدأ حملته المناهضة للتلفزيون بالوقوف وسط لندن فوق جهاز تلفزيون عاطل مندداquot; بالتلفزيون، لافتاquot; الانظار الى آثاره السلبية وطالب بتخصيص اسبوع من كل عام يتخلى فيه الناس عن مشاهدة التلفزيون واطلق عليه اسم (اسبوع التلفزيون المغلق) وقد تبنت الصحافة الغربية عموما هذه الفكرة وتم تطبيقها فى العام الماضى خلال الفترة ( 22 ndash; 28 ) نيسان على نطاق واسع نسبياquot;، حيث قامت آلاف المدارس الأميركية والبريطانية بحث التلاميذ وأسرهم للأستجابة لهذه الدعوة وقامت المدارس بتنظيم فعاليات رياضية واجتماعية خلال (أسبوع التلفزيون المغلق) وقدمت هدايا وجوائز تشجيعية للتلاميذ، وقد لاحظ المعلمون ان الاطفال يبدون خلال هذه الاسبوع انضر واوفر صحة ونشاطاquot; واكثر حيوية ومرحاquot;.

وفي مجتمعاتنا الأسلامية المتخلفة يستحوذ التلفزيون ليس على وقت الفراغ فحسب بل يستأثر ايضا بجزء لا يستهان به من الوقت المخصص للعمل والانشطة الاجتماعية والثقافية والرياضية، بسبب شحة وسائل التسلية الاخرى وخاصة فى ظروف فقدان الأمن والأمان، حيث يفضل سكان المناطق المضطربة فى العراق ملازمة بيوتهم لمعظم الوقت، وليس ثمة اى احصائية عن عدد الساعات التى يقضيها الفرد العراقى امام التلفزيون ولكن يمكن القول انه لا يقل عن (6 ) ساعات فى اليوم فى الأقل، حيث احتلت هذه الوسيلة الأعلامية والترفيهية مكان الصدارة فى المجتمع العراقى وبخاصة بعد سقوط النظام الفاشى والأقبال الشديد الواسع النطاق على اقتناء اجهزة الستلايت التى كانت محرمة طوال العهد الصدامى البغيض، وقد ادى ذلك الى عزوف العراقيين عن قراءة الكتب والصحف الى حد كبير.

ولا جدال فى ان الفرد العراقى يتعرض الى مخاطر كبيرة من جراء الأدمان التلفزيونى، اكثر من اى فرد اخر فى اى بلد من بلدان العالم، نظرا لما تقدمه القنوات التلفزيونية العراقية والعربية من برامج تتناول الأزمات اليومية والمعاناة المريرة للمواطن العراقى والتناحر بين امراء الساسة الجدد فى العراق على المغانم والمكاسب، وهى برامج تثير مشاعر الأحباط والخيبة والقنوط فى النفوس. ومما يزيد الطين بلة.العرض اليومى المتكرر لمشاهد العمليات الأرهابية البشعة من تفجير وقتل واختطاف وذبح.حيث يتعاطف المشاهد مع الضحايا فى بداية الأمر ويعتصر قلبه حزنا وألما وكمدا على ازهاق ارواح اناس أبرياء و لكن الأنسان يعتاد بمرور الوقت مثل هذه المشاهد. مهما كانت بشعة او سيئة و يتضاءل اهتمامه بصور الحوادث اليومية المفجعة والمرعبة فى ان معا ويعتبرها امرا عاديا وهنا مكمن الخطورة.لأن مثل هذه المشاهد والصور تترك اثارا سلبية بالغة الخطورة فى نفوس الجيل العراقى الصاعد وسلوكهم وتعرضهم الى شتى انواع العقد والأنحرافات النفسية. وتشجعهم على العنف والقسوة، والأستهانة بالأرواح والقيم الأنسانية.
أنها مسألة تستحق وقفة تأمل ودراسة من أجل حماية المواطن العراقى من الآثار السلبية لهذا الصندوق الساحر.