أصدرت الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون السوري مؤخرا قرارات جديدة فرضت على المذيعات الراغبات الاستمرار بالعمل التلفزيوني والظهور على الشاشة ألا يزيد وزن المذيعة عن 60 كيلو غراما. يقول القرار حرفيا: عدم ظهور المذيعة على الشاشة في حال كان وزنها يتجاوز الرقمين الأولين من الطول. مثلا (الطول 160 سم، الوزن 60 كيلوغراما). فيما يبدو أن التلفزيون السوري أخذ يبحث عن مذيعات من quot;وزن الريشةquot;، ولكن هل أخذ بعين الاعتبار أن يبحث عن مذيعات quot;صحفياتquot; أتين للتلفزيون بالجهد والدراسة وليس بالواسطة والاستثناء أو لأنها قريبة للمسؤول الفلاني أو رجل الأعمال الفلاني ؟

خلال عقود في سوريا لعبت ما تسمى quot;الواسطةquot; أو quot;الاستثناءquot; دورا كبيرا في القضاء على الكفاءات التي لم يكن أمامها إلا التوجه لقيادة سيارات الأجرة أو الهجرة.
في عام 1989 تفوق أحد أشقائي في الشهادة الثانوية وحاز على مجموع علامات عالية تؤهله لدراسة أي اختصاص جامعي، ولكنه كان من الحالمين بدراسة الموسيقا والدخول إلى معهد الموسيقا. دون جدوى. لأن هذا المعهد كان يتطلب آنذاك ليس العلامات العالية وإنما quot;دفشةquot; من أي مسؤول. وكوننا لم نكن من العائلات التي توفرت لها quot;دفشاتquot; تحطمت أحلام شقيقي وأثّر هذا الأمر على مستقبله كثيرا. شقيقي هذا كان يؤدي أغاني أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش بشكل مذهل، وخسر كل موهبته. في نفس الوقت سنجد أن الفاشلين كانوا يدخلون المعهد لأن قريبهم فلان!. حتى في الموسيقا تدخل المسؤولون من خلال توزيع quot;الاستثناءquot; و quot;الواسطةquot; على الأصدقاء والأقارب، ولا أعرف ما علاقة المسؤول بالغناء والطرب والألحان الموسيقية ؟!!
حالة شقيقي هذه هي مثال قريب كنت شاهد عيان عليه، ولكن هناك آلاف الحالات مثله، وكل حالة لها قصة تجرح وتبكي.

وهذا هو حال التلفزيون السوري. دخل المئات إلى هذه المؤسسة من وراء quot;الواسطةquot; وحصلوا على مراكز فيه، في الوقت الذي تم فيه إهمال طاقات صحفية وإذاعية كبيرة فيه.
عندما علمت بقرار تعيين الدكتور فائز الصائغ مديرا عاما للهيئة العامة والتلفزيون توقعت أن يحدث تغييرات جوهرية في التلفزيون السوري. قد نختلف في بعض الآراء مع الدكتور الصائغ، لكن من ناحية العمل الإداري والمهني في المؤسسة التي يديرها يثبت وجوده بمهارة وكفاءة عاليتين. عرفت الدكتور الصائغ عن قرب في دمشق وعرفت أن الكثير من القصص الإنسانية تؤثر فيه، ويحاول أن يطوّر الإعلام وفقا للهوامش التي تتاح له رسميا، ولديه رحابة صدر للحوار مع الرأي الآخر.

واليوم نشرت صحيفة الحياة تقريرا للزميل ابراهيم حميدي حول تغييرات في التلفزيون السوري. ومما جاء في التقرير :quot; بدأ التلفزيون الرسمي يقترب بحذر من laquo;المحرماتraquo; السياسية والاجرائية في سورية، ذلك باجرائه مقابلات مع laquo;شخصيات وسطية غير مواليةraquo; وبقبوله اتصالات هاتفية مفتوحة وصولا الى عدم استنطاق المذيعين لضيوفهمquot;.
كما يذكر التقرير إخضاع المذيعات لدورات صحفية مهنية حتى يبقى المذيع مهنيا وحياديا. نأمل أن يتحقق هذا الأمر، لأنني وأنا أشاهد بعض المذيعات أحيانا في برنامج سياسي أخال بعضهم مدرّسات يلقنّ الضيف درسا في القومية أو الاشتراكية كما لو كان الضيف طالبا في المرحلة الابتدائية ومن quot;طلائع البعثquot;!

قلت هذا الكلام لبعض المسؤولين الإعلاميين في سوريا، وأكرره الآن. ليس المهم أبدا أن تكون المذيعة من quot;وزن الريشةquot;، بل المهم أن تكون صحفية محترفة مستقلة تحاور بحرية وتسأل من خلفية ثقافية واطلاع على الوضع السوري، وأن تتمكن من التأثير على الناس.

نتمنى أن نرى التلفزيون السوري متطورا، وفيه عرض للرأي الآخر، ونأمل ألا نرى على التلفزيون السوري معارضا يشتم معارضا آخر لا يمكنه أن يظهر على التلفزيون!.