نقلت الأخبار عن محافظ الموصل تصريحه؛ quot;إن طفلة عراقية من محافظة ذي قار باعها تاجر رقيق بمبلغ 700 دولار لشخص من أهالي الموصل استخدمها لملذاته الجنسية حيث كان يخدرها ويعتدي عليهاquot;..
سيقول الشيعة: لعن الله أمة سمعت بهذا فرضيت به..
وسيكرّر السنة: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً..
ويقول كل صاحب دين ما اتخذه عقيدة..
وسيـُذكـِّر الجمع نائب في مجلس النواب العراقي بنص دستوري عن الحريات في العراق الجديد: quot;كرامة الإنسان مصونةquot; وquot;يحرم العمل القسري(السخرة)والعبودية وتجارة العبيد(الرقيق)، ويحرم الاتجار بالنساء والأطفال، والاتجار بالجنسquot;..
حبر على ورق..
وكلام عابر، تلوكه ألسنٌ معتادة وفوضى ليست عابرة، فلكلّ صاحب حاجة مصلحة يرى أولويته فيها وينسى ما لا ينفعه منها، وهو فيها نخاس، أو نخاس بقناع سياسي، وأدهى من ذلك حين يكون النخاس متديناً، وأفظع من هذا وذاك إن كان دين النخاس بقناع سياسي، أو تاجر مخدرات، أو تاجر مخدرات بقناع شيعي يعبر به حدود الدولة الجارة في الإسلام والمذهب، أو قاطع طريق من الطراز الإسلامي العروبي، أو ملثم يختطف فلا يميّز بين بائعة هوى و متطوعة في منظمة إنسانية..أو بعثي (وإن لم ينتمي) له من الموبقات عداد الرماد الثوري وسراب الشعارات..
كلّ نخاس من هؤلاء لا يـُنتظر منه خلاص المنقذين، ونكون في رجائنا له مثالاً لقول إيليا أبو ماضي :
نرجو الخلاص بغاشمٍ من غاشمٍ هل ينقذُ النخاس من نخاس؟
* * *
بالأمس كتبت عن استنجاد شاعر بصري بحكومة بغداد لاتخاذ إجراء حاسم في قضية شقير؛ الإرهابي الذي قتل أكثر من خمسين عراقياً من أهالي الموصل وأغتصب ثمان فتيات ولا زال دونما محاكمة..
في أطراف الموصل والبصرة تترامى خارطة العراق على أقصى الحدود، وحين يراد القول بسعة هذا البلد ستـُذكر لازمة القول؛من زاخو وحتى حدود الفاو..اليوم صار لهذه الاتساع الجغرافي ما يوازيه ألماً يجري فيه الدم مجرى الرافدين..ويضجّ العنف بجوانبه ضجيج مجدٍ سالف؛سنبقى نطارده في الكتب الصفراء..
مجدٌ نائمٌ في حجرِ حضاراتٍ مسروق، لم يجدنا المحتل في كل زمان، أهلاً له رغم أهلية ذلك التأريخ..
مجد نستذكره خلل رائحة القهوة في مجالس عشائرية للتغالب، على رأي علي الوردي؛الراحل وفي نفسه شيء من حتى..
مجد، أتخطّر مشهد المتحدثين حسرةً عنه وعن تلك الصبية السبية، في ليلة عراقية يلتئم فيها الأهل، كلّ أم سترى ملامح أبنتها مهدورة في هذا الخبر..وكلّ أب سيلجأ سريعاً إلى عقائده..وكلّ حرّ سيرى إلى نفسه مصفداً كحال هذه الصبية، مسلوب الإرادة في تجمعات سكانية لن تحمل أسم الأمة مادام نصفها يرضى باستعباد نصفها الآخر تمتعاً، أو إمعاناً بالإذلال(كما يقول أبراهام لنكولن).. وسيستنكر البعض إيراد اسم هذا الرئيس الأمريكي بالقول: ما سمعنا هذا في أهلنا من قبل؛ تجارة رقيق؟!..من جاء به إلينا، هل غير أمريكا؟.
وستقول ببعض هذا الصديقة الناشطة في مجال حقوق الإنسان ينار محمد.. يوم التقيتها في صيف أمستردام من السنة الماضي، قادمة من بغداد..وستكرّر مخاوفها، كإنسانة شريكة الحزن في واقع عراقي شائك، وكرئيسة منظمة حرية المرأة العراقية، ستقول دامعة العين في مؤتمر صحفي بمناسبة عيد المرأة العالمي: إن عدد النساء المختطفات في العراق خلال الأعوام الثلاثة الماضية لا يقل عن ألفي امرأة، و إن بعضهن بيع كسلع داخل العراق وخارجه..
فمن المسؤول؟..
المسؤولية لا يتحملها الجانب الأمريكي وحده، ولا ينتظر منه الكثير في هذا الشأن، المسؤولية نصفها على عاتق الساسة العراقيين ممن حلّوا على بغداد كقادة دونما أدنى تصور إستراتيجي عن قادم المحنة والحلول، فالفوضى ظلام، وفي الظلام ستنمو التجارات القذرة؛ تجارة الرقيق الأبيض، المخدرات، والاختطاف، والسطو..
* * *
كانت كلّ الكرامة العراقية مشاعاً لسلطة قمعية تسوم أهل العراق سوء العذاب؛ بقتل الأبناء في نخاسات الحرب واستحياء النساء في ابتزاز سياسي كان من شيمة هذه القطيع الهائج. مشهد رعب امتدت وقائعه لسنوات، وكان جمع عربي يشارك الطاغية إجراماً برضاه عنه، ومنهم من تلطخت ضمائرهم بدم رقيق عراقي، وليست من خيالٍ مضطهدٍ تلك الحكاية عن الفتيات العراقيات ممن باعهن نظام الطاغية إلى تجار رقيق مصريين متنفذين، فمثل هذا الأسلوب الممعن بالإذلال معروف لدى سلطة البعث الفاشية التي كانت تعدم الأبرياء وتستحصل من ذويهم عنوة سعر الإطلاقات النارية..
خبر اغتصاب هذه الصبية ليس حالة جديدة على الأرض، فكلّ بضع ثوان تسجّل حالة اغتصاب على المعمورة!، ولكن الغريب والمستهجن أكثر في تلك العملية الوحشية هو بيع وشراء الإنسان في عراق تحرّر منذ ثلاث سنوات من براثن النخاسة الكبرى.. فالعراق تحرّر من نخاسة الحزب الواحد، ونخاسة القطيع المباع والمشترى، ومن نخاسة سلطة عَرَضَت البلد كلّه في سوق نخاسة سياسية عام 1991 وقبض الطاغية ثمنها في خيمة صفوان..
باعه الطاغية لسنوات من الجوع والإذلال والمستهلك والمعاد..باعه ليبقى.. وبقي كي يعيد بيع العراق إلى سماسرة رعب وقتل جدد صارت أرض الرافدين ساحات لجهادهم الزائف في اغتصاب القاصرين وتعذيب المعذبين أصلاً..
إنه عدو واحد للعراق يطارده كلعنة وعلى العراقيين اليوم التنبه له ملياً، فلا جدوى أن يكون لكلّ عراقي شأن يلهيه عن هذه الأولوية.. وعلى العرب أن يتيقّنوا يقين ضمائر حيّة(إن بقيت!) أن ما ظهر على السطح من فزع ورعب كان يحدث في خفاء الديكتاتورية بأشد صورة وأسفل مثال، وما الإمعان بالجرم الآن إلا ما يحيكه زبانية البعث من إشاعة لفوضى يريدون منها حسرة للناس على سابق أيام البعث، ولكن عزائنا أن التاريخ لا يعود، وإنك لا تعبر النهرين مرتين.
لطفولة هذه الصبية وردة بحجم قلبها..ت فوح بعطر يعبق من الناصرية مدينة مولدها حدّ الموصل التي ستخلّد ذكراها.. ولعلّ في إعلان قضيتها على الملأ ما يفتضح عصابات الجريمة لتضع الحكومات حداً لهذا الفعل الشنيع في كلّ زمان ومكان.. وليكن درساً يكفي لتستيقظ الإنسانية به.. فتفنى اللذاذة ممن نال صفوتها من الجريمة ليبقى الإثم والعار..
عار لا يقلّ مكانةً في مزبلة التاريخ الشهيرة، عن مكان الطاغية.
التعليقات