[ نكرر! الاعتراف بفوات الاوان على ارسال الانذارات المبكرة لاعصار عراقــquot;ستانquot;، مع ان هذه التحذيرات الاستباقية، كاد يطمرها الفرح الاول لسقوط النظام، الا انها قديمة جدا، ولكن ما استجد بها هو سقوط مساحة الشرف السياسي، أي انسان ما بعد الثيموس، وهو انسان يتبدل فيه حتى عالم الشر قياسا للشر الدارج والمعروف، انسان الانهيارات الاعصارية العظمى، تلك التي تطير نحو الهاوية والاسفل، حيث تمارس متعة السقوط بعد ان فقدت حواس هندسة التمييز والقياس والامكنة والازمنة، خربت كل بداهاتها الفطرية المكتسبة وانفلت الحال على استباحات ضارية، تهدد بقحل انساني مفزع، عالم اقرب للمثيولوجيا التخيالية منه للوقائع، اذ تبدو عمليات التجريف الاخلاقي قد خلقت نوعا من الغدد والغرائز الجديدة، امكنها ان تطور الطبيعة البشرية نحو الخلف الى الاسلاف الديناصورية، الامر الذي لم نعرفه ولم نعيشه نحن المحميون بالمنافي الحصينة، تلك التي تعيش حمايات الفطرة الطبيعية للحواس والمشاعر وقدرات التمييز والقياس، وهنا لابد من تفهم ذلك الاعصار على ضوء طاقة تحمل الخوف اليومي الذي عاشه العراقي، الى حد خلق توليفا ومؤاخاة معه، لانه الصديق الاكثر امانا من كل الاصدقاء، فهو الوحيد الذي يعرف المشاعر الباطنية والسرية بحاسة التمييز دون ان يفشي كراهية العدوان لاحد، ولكن تضخم حجمه اسقط من المشاعر القدرة على تمييز العدوان من السلام. هذه الحالة التي تحتاج لدراسة مميزة خلاقة، لما تتشكله، في الراهن، من اخطار جمة على النسيج الاجتماعي والحواس الانسانية او عناصر المشغّلات العقلية التي ماتت منذ امد بعيد، فتمحورت حول طقوس النذور والقربان والتطهر باتجاه الخوف، جعلها تكتسب العديد من التراكمات والمولدات، حيث ادمنت كيمياء الوسائط الموصلة المشوشة بين الافراد والعالم المحيط، لا تستطيع الافكار التعبوية التقاط الاجابة على ما يدور من حالة ما بعد الفوضى، خراب يهدم خرائبه واطلال تمحو أوابدها، فلم يبق لذكرها غير كسرة نسيان.

امام هذه الثقوب السوداء وهي تعصف بطاقتها الفراغية الاكول كل ارجاء الحياة والمجتمع، وقد تجسدت هذه الاعاصير والثقوب، بطبيعة علاقات الناس والسياسة والمجتمع والثقافة والرؤى المتنوعة كوباء سيكولوجي، يمكننا خلاله قراءة البعد الخطير الذي نقل علاقات الناس الى مرحلة تخريب نظامهم، وإن بمستوى نظام عوائل الضباع والذئاب او الكلاب السائبة! المشهد يفوق عالم ما بعد الضعة، وهذا ما يحقق معرفة مدى النقلات الهائلة التي صاغت الانسان في ضوء اسوء الانطمة الامنية ضراوة وتوحشا، اعاد الانسان الى غرائز ما قبل التكوين البيولوجي الارفع لدى الكائات الحية، حيث يواجه نظام الامان ادمان عقل التوبة والبراء والتطهير والذمْية، ,هنا اجتاحت المعارضة العراقية تلك المجموعات الذمية والتوابية، بموازاة زميلاتها الكائنة في العراق لتنتج مشهدا نراه كل يوم، مشهد يحتاج لكي يرسو على مستقر ما، يحتاج لصياغة مجتمع الكهف الاول، أي بناء حد ادنى لاسوء عقد انتجه البشر في مراحل تطورهم، كأن يكون مجتمع الطواطم او العصور الحجرية او مجتمع القبائل المحكومة بتوثيق يحتوي على ضوابط، فرضتها ضراوة التصادمات الاولى، للحد من العدوان وغرائزه المتسيبة. وهنا نعرض لمركب هو من نتاجات ارهاصات علاقات الخوف، واثارها الجانبية في عملية التبادل بين عهد واخر، لعله جزء من استمرار الادمان على تصور ومعايشة غريزة البقاء عبر فكرة التطهير والقربان والاضحية بسبب استمرار ذاتي للخوف(هذا ما لاحظناه في الجاليات داخل الوسط الاوربي الامن حيث لكل فرد جنياته وتطيره وقلقه ومصادر خوفه، والاخطر هو تمجيد اخوف دون دراية )، وهو امر يتمركز اكثر بتلك العقول المصابة بسعار الشعور الذمْيّ الآثم خصوصا ممن كان اكثر ولاءا للنظام، حيث تختار لتطهيرها تصورا كونيا إشماليا، لا يقبل العالم كمفاجآت غامضة انما هو عالم مدرك بمسبوقات عقائدية تحدد الخير كله والشر كله، وهكذا تفرض هذه الرؤية نوعا من العدوان على الشر وبطريقة اباحية، في سياق محددات مسبقة، واذ ذاك تحقق الخير كلما محقت الشر واستباحته، ومع ان امثال هذه الفرق التوّابة وجدت في التاريخ كالخوارج وباقي الحركات الفرقية الباطنية، الا انها الان تجتاح الجمع وتجعل اقلاويتها اكثريات ساحقة تسيطر ملامحها على الثقافة السياسية السائدة، وهنا فقدت الاعتراضات الاولى بريقها وبدائلها الفاضلة فخمدت واضمحلت وطمرتها عمليات تفاعل طباقية وميكانيزمات امنية انتجت بموجب ذلك اضدادها، فلم يبق للضد الاول أي مساحة ومكان، فاحتلت الساحة هذه العقلية الذمية، فيما اصيبت المعارضة الاولى بالهرم والشيخوخة وانعدام القدرة على الحضور، لان المفاعلات كونت مداراتها باتقان محكم، حقق الضد المقابل ]

نيازك مؤجلة الاحتراق
على رغم ان هذه الحفريات تنقب في المساحة الخاطئة، التي تجتزئ الحل من سياق الخطا ذاته، الا ان هناك ضرورة مباشرة تستجلي مخاطر تلافيف النفس البشرية، وهي تمضي في خليط ماساوي يقدم مجتمعا باكمله مثل نيازك مؤجلة الاحتراق، وما ينتجه من مظاهر تتمثل في البداهات السائدة التي تقرر مصائر محاور متعددة. برغم وجود ماقبليات عديدة يجدر حفرها ونسفها من الجذور، عبر تركيب مناهج مبتكرة تكيف ما هو ضروري للخلاص بعيدا عن مصادر توليد الكارثة والازمة، وهو القطوع الشرطي مع التاريخ باعتباره مكانا للعزلة والضمور بعد ان حقق الزمن والتاريخية نقلات جديدة لم يعد فيها التاريخ الا نوعا من الفولكلور الخاوي، لاسيما ما فرضته الحياة والوسائط والعلاقات من تبديل هائل في تاريخية الوجود البشري.. وهكذا كان التاريخ حقلا مأساويا لتجارب ما كانت لتحصل لو لم تكن البيئة الحاضنة مستقرا لتلك الفظائع الكبرى، وهي تهيئ، وفي كل مرة، تاريخية التاريخ دون ان تمضي فيه من دون مكاسب ومكتسبات، لقادة وسلطان ومرجعيات خصخصة التاريخ كهويات ثقافية لاجل تلك الفوائد والمكتسبات الجمة، التي بدهت الخوف كملاذ آمن لعجزها عن تحمل مهمات مواجهة الذات والتعرف عليها واقامة صلح عرفاني معها. هكذا يبدو ان المستفيدين من الغاء الذات وخمولها واتحادها الرمزي يحاولون بشتى الطرق اعادة تاهيل العبودية، مستخدمين كل المصطلحات والنعم الحديثة لاستعادت الغياب الذاتي والنيابة الدائمة عنها.
نعود الى الموضوعة التي نحن بصددها، وهي العقل [ الذمّي وثقافة التوابين ]، خصوصا وان المجتمع العراقي تتجلى فيه هذه الظاهرة باخلع صورها واكثرها عريا وحساسية وحضور، على خلاف بعض الساحات والمناطق الملتهبة الاخرى، لجهة حدة وقطبية هذه الظاهرة، بما تحمله من ثنائية ميلودرامية شديدة التوتر والفحولة.
منذ امد بعييد قلنا ان الحرية خطرة والعبودية امنة لشعوب محددة، واسسنا لذلك منابع تفكيرية تنوعت حقول تقصيها، وهذا قبل رواج التقليعات الجديدة، وهي تضيف الى عالمنا كماُ لغويا لا اكثر، وبلغة لا دليل عملي على اشاراتها، التي هي مجموعة اسقاطات مبهمة، تعوم على قيم بلاغية ومدرسية واخرى تنهل من فراغ ذهني كبير، جوّف معظم تلقيه للمعرفة والعلم، كتورط نهائي في الحقيقة. وهنا تجدر الاشارة لذلك باعتبار ان احد (نجوم الادب والاعلام) قال مؤخرا ما قلناه قبله، ولا نريد ان نخبر بان الرجل اخذ منا او اخذنا منه، فكلا الاراء تختلف في التقابل الفعلي والعملي وان تشابهت في البيان والتعبير.. وما دمنا في حديث مجتمعات [ الذمّة وقيم التوابين ]، فان الحديث عن موضوع الحرية كطاقة اخلاقية وانسانية ومؤسسية كبيرة سيكون ضربا من حكائيات العجائز، اذ كل هذا لا وجود لملامحه الا كلغة ولفظيات بلا ادلة.

وقبيل الدخول الى شرح السيمياء [الذمْيّة ]، وامكان تحديد البيئة الادبية التي تنعشها لابد من الاشارة الى حقل من تجارب هذا المعنى، يزخر بعناصر هذا المجال في التكوين البشري، وهو العراق الاجتماعي، حيث تتصاعد حدة هذه العوامل في الافراد، عابرة للحدود المعقولة كي تصبح عملية التطهير اسوء من الذمة الاولى والاثم القديم.
الذمة والاثم والتوبة هم احد اهم ادوات السلطة المطلقة والعبودية المنقحة، التي تقوم افكارها على نظريات وانظمة شمولية او عقائد تتطلب نوعا من التزكية الملحمية او الصراع الدرامي بين الخير والشر / الرحمن والشيطان، حيث يصار الى منحهما هوية محددة، تشكل ملكية السلطان لقرار تحديديهما وتوجيهيهما، فكل سلطان معصوم يحتاج لشعب ذمي وكل عقيدة تحتاج لمجتمع ضائع محتار،وكل فضيلة تحتاج لخطيئة، وهكذا يتبادل تواطؤ الخطأ مع الفضل تشكل علاقات الناس، فيبدو المعصوم المطلق امام توبة وذمة دائمتين، تمنحه قاعدة نقدية تسلب الاخر quot;الاثم quot; دائما أي فسحة تحقق ذاته الفاضلة الا في عملية تطهير دائمة يقررها الحاكم الرمز، حيث يحدث سباق على نيل رضاه وثوابه من قبل الذميين والتوابين، وهذا يخلق ما يشبه الواقعية السحرية في السياسة، وهي تقوم على اضداد مثيولوجية ملحمية مؤسطرة، تنعدم فيها ممارسات العقل والذهن، وتحتلها الطاقة الانفعالية والاتحاد العاطفي، بقواه العمياء وغلوه المتزلف للرمز. هذا عالم يشمل التكوين المسالم لمنهج العقيدة فكيف اذا جرى تجنيده وتوظيفه لاغراض سياسية وتسلطية او عدوانية؟

حتى ان كلمة quot;دينquot;، تعني انك ملزم بتسديد ديّن او قرض او ذمة، بمعنى انك محكوم بقرض دائم، وهذا يفرض اعراضا جانبية من اهمها الشعور الذمْيّ ونهج التوبة، ولعله هنا يؤدي خدمات، في سياقه الاجتماعي والتربوي الخطر وليس الروحي الشخصي، الى البيئة السياسية التي أمنت عبودية متماهية بين الشخصي والجمعي، بهذه الجاهزية يفقد الانسان التقاط بشريته ويعيش مذنبا توابا يسدد قرض طهارته، عبر اعمال التشنيع وتدمير الفطرة الانسانية، وهي تمارس التوتر اللازم لشل قدرتها على العقلنة والتفكير والتامل.المحددات العملية للعقائد، تقتضي خلق انسان يستمد موقفه من خيال يتحد بالمعتقد في رموزه وممثلياته، وتاليا عدم قدرته التحرر من قبضة ذلك الرمز كي لا يفقد طهارته وتكرس فيه الذمة، ولان هذا التطهير يقوم على عدوان وخصومة ضد جبهة جرى تحديدها بطريقة مثيولوجية، ذات طاقة تخييل غير واقعي، يخضع اسيرا لصراع الملائكة والشياطين، صراع المعروف والمنكر بحدوده الكونية واللاهوتية العليا، فان التخييل لا يجد تكيفه الواقعي الا بوجود ثنائية حادة بين آثم وبارئ، بين خاطئ وفاضل... وهكذا تتدرج الحال من تحديد موضع الشيطان والشر الى جعل كل مخالفة عقائدية هي الموضع لمتنقل لشيطان فيحل رجمه... كما يحدث في العراق حيث الحلاق وعملاء النظام السابق كلاهما مهدور دمه، شارب الخمر والبعث واحد!.

في رصدنا لهذه الظاهرة على مستوى العراق، نجد ان الجبهة الفكرية تمضي باتجاهات الانعدام العقلي والذهني فالفكري، بعد ان احتل خيال الفضيلة والتطهير محل المعالجات الواقعية، لاسيما في عالم تركته اسوء جمهورية قتل وبطش، جعلت من افراده كائنات ذمية، ثم جاء العهد الجديد بذمة الامس، ليتصرف بنفس الطريقة في عملية التطهير الذاتي، ومحاولة ابراء ناصيته من الاثم عبر ولاءات حادة، وهذا ما جعل مجموعات من جماعات النظام القديم نفسه ان تقود القيم التطهيرية وتتبوء حالة العدوان والمخاصمة ضد النظام فتكون في المقدمة والصفوف الامامية، بما فيها من نماذج اعلامية تمارس نفس البعيق القديم واسطرة العدوان والولاء، لانها اكثر العناصر تخزينا للشعور الذمي والتوابي، وبطريقة غلو مشابهة للغلو البعثي القديم مع الخصوم والاعداء، فيما العقلاء يمارسون نوعا من الرشوة الفكرية ونوعا من الاصطفافية القهرية، وقد تحددت سلفا عبر الية مشابهة لغلواء وحدة النظام القديم، وهذا ما نقل مجموعة قيم انسانية مشوهة خائفة مصابة بالضمير الاثم، تمنح كل ما له علاقة بالسلام والتسامح والمحبة كل انواع التهم والتكفير والتخوين.. هؤلاء انفسهم او يكاد يكون منهج البعث القديم هو السائد لجهة استخدام مجاميعه المصابة بتلوث السعار الذمي، حيث يقودون فكرة التطهير عن طريق القيام باعمال شنيعة، كي يثبت ولائه ويتخلص من ارث التاثم، وهي في طور تمثل سلوكها القديم في رمزية جديدة تمنحها كل المعالم الطرفية والقطبية لتكون، كما اعتادت، في القطب المقابل، في صراع مع قوى متخيلة تلبس الواقع قطبية الاطلاق بين خير وشر ملحمي، هذا يشمل رموزا طرفية في اول فجر الاسلام، حيث اصبحت في الصفوف الاولى لان الاسلام السياسي كان بعث تلك العهود العتيقة.

نتخيل مذيعين في بعض التلفزة العراقية الجديدة، وهم يتلصصون بعقل عدواني ضد معارضي الامس فيما وبنفس القواعد يتوارون خلف ذات الطابع العدواني ضد اعداء الولائية الجديدة، هؤلاء في القديم وفي الحديث يقفون فوق هياكل الحاسة الذمْية، تلك التي تؤهل عبودية الانسان وخنوعه واخصائه الادبي، فهو يخلق المستبد وليس المستبد يخلق الضحية لان هذه المشاعر الوضيعة عند البشر تحتاج لزعامة معصومة ومستبدة ومخيفة وخارقة، تمنحها قدرا من الاجازة والنقاهة العقلية، ناهيك عن قتل روح المبادرة والخلق والابداع مع روح الحرية.

اذا تتبعنا تاريخ الثقافة التوابية والذمية، فان الاحزاب الشمولية تتشكل على اساس الاخصاء الادبي للانسان وتاليا هو موجود مدان وذمي وتائب في تكايا وصوامع الاحزاب، وهذا ينطلق من التفسير الفلسفي والديني والفكري للوجود، الذي يقوم على محورة الكون في رمزيات اختزالية سديمية غير مفصلة ذهنيا، انما هي مجموعة انفعالات وتهيجات دماغية، تخضع للمحْورة المشار لها.. ومنذ المعارضة كان التقابل الذمي، الذي انعشه اكثر، تلك الحياة البوليسية والامنية سواء في المعارضة ام النظام، ناهيك عن منافي الانظمة الشمولية التي تنعش استمرارية هذا التلقي الاول للذات. ولعل تصاعد هذه الثقافة استشاط اكثر في ازمنة رواج الاحزاب الدينية الاسلاموية، ولاسيما ظهور الخمينية، بموازاة ظهور ثقافة التوبة المعلنة، حيث سيطرت هذه الثقافة على خطاب المعارضة، فقوضت الجيل القديم ممن مارس معتقداته دون حاجة للاثم الامني والسياسي بل كان الشعور بمجد الذات سائدا باستثناء الثقافات الشمولية، أضيف لهذا التاريخ هو البركان الذي حدث خلال الانتفاضة بعيد حرب الكويت، ومن المعروف ان العراق كان يحكم ببعثنة بيولوجية تولد من الارحام حتى القبور والموتى، وهذا الانتقال من البعث الى المعارضة اشتهر بالحدة والميول المتطرفة والعقلية اليابسة ذات النزوع العدواني، القائم على نظرية التطهير والبحث عن ضحايا واعداء وخونة وكفرة ومارقين، وهذا الجزء النصفي من معادلة الولاء، حيث الاتحاد والولاء لا يكتمل الا بقربان!.
هذه القواعد التربوية المتيبسة وجدت بالولاءات المذهبية زخما ادبيا يلبي حاجتها للتطهير، ما لم تفكر به الاحزاب الدينية ذاتها والتي كانت معزولة اصلا وهي داخل ايران، حيث كان لفيف من العرقيين قد عزلوا هذه الفئة بعد ان ترتبت اوضاعا اجتماعية وثقافية في المنفى جعلت الموالين لايران مجموعة معزولة ومذمومة، لكنها فوجئت داخل العراق بهذا الحشد والرواج والجماهيرية دون ان تعلم بانها تحولت لملاذات التوابين والذميين الجدد بعد ان كان التوابون الاوائل نواة اولى لتشكيلها، فيما هناك ندرة ضئيلة من غير التوابين بين صفوفها. والتواب كما نعلم هو شخصية هزيلة حادة طيعة مخصية تقوم بابشع الاعمال طلبا لثواب ورضا وحماية، انهم اكبر ضحايا الرقيق السياسي. اما الجدد من قوافل هائلة داخل العراق، وقد نخرها الاحساس بالماضي الآثم، فان هؤلاء وجدوا ما يمنحهم سعرة الاحساس القديم بالملاذ التطهيري، كما استوعب المستبدون الجدد هذا الجيش الطيع من التوابين، وهكذا احتل هؤلاء الصفوف الاولى للخطاب والعالم الجديد، عبر توتر مفرط، يقوم على الاطلاق بين الخير المطلق والشر المطلق، وهذا يؤمن استعادت الذات القديمة، التي رسخت فيها قيم بناء العلاقة بالعالم والمحيط، وقد اكتسبت خبرة طويلة بالولاء والزلفى والتطهر بالخونة والكفار والاعداء.
عقل الذمة والتوبة يقوم على يوتوبيا مثنوية، حادة التقاطب، وهي في المحصلة تتبادل لعبة التواطؤ والعدوان الالزامي، وتحقق ذاتها بعدوان بين الضدين، اكسبا العقل البشري فخاخا غير محسود عليها، وهما يوتوبيا الشر والخير، واسطرتهما، لتحل قطبية حادة التطرف وهي الاستباحة هنا والعصمة هناك، ومن خلالهما يستعيد الاستبداد والبطش ربيعه وبيئته الصالحة وقد ولدت من رحم الاكثريات الذمية، التي تفكر خارج الذهن وخارج الذات الاثمة. اذن نحن في نسخ منقحة لاليات البعث، وهذه المرة ثمة ملازم وادوات جمعية وتاريخية جاهزة ومجهزة باكبر تقنيات الثواب العبودي، وهذا ما يجعل الاكثر تشددا في محاربة النظام يتحركون بحاسة تطهير الاثم القديم الذي مارسه خلال ولائه للنظام نفسه، ولكن ايضا تجتمع مع هذا النفر عوامل اخرى، تقوم على عدوان غير وطني براني، يحاول اسباغ خصومته بعوامل وطنية، تمهد لابتلاع اجزاء كبيرة من المجتمع، تلك الباحثة عن ملاذات للتطهير الذاتي، لاسيما وان الاشباع الابليسي والذمي للشيطان القديم جعل عداوته في التضمير الرحماني، وهذا خلق خلطا مريبا، منه ان ضعف العناصر التوابة ازاء المزج بين النظام وبين رفض الولاء البراني لقوى اقليمية ومذهبية، وكل ذلك يترافق مع الشعور المشار له.

كل هذا يجعلنا الاعتماد على قاعدة الاحتواء الدهائي لمحترفي عقلية التطهر والاخصاء والذمة وهم يسيطرون على واجهات خطاب العهد الجديد بتوتراته الطائفية لان الاستباحة الشيطانية تتطلب، كالزام للعصمة القيام بقطوع واباحة اشنع الاعمال، وبهذا المعنى فان الطائفية اكبر ملاذا لاستباحة الاخر وتاليا حماية عصمة الذات ومتحدها العقائدي والعاطفي، ولعل الاصوات الطائفية الحادة تقع بين العرفان لولاءاتها الجديدة عبر عدوان على الاخر، كما تتطلبه ميكانيزمات العقل الذمي. انها قطعة زمنية جديدة تضاف الى تاريخ التشوه الانساني، وهو يسجل انعدام تاريخ العقل وحلول الرمزيات بغموضها واعمائها العاطفي، خصوصا بعد ان ازيح البريق الاول لمعارضة النظام حتى حلول عقلية التوبة والانكفاء والتقوّس على الماضي.

في الجانب الانساني والاخلاقي، quot;لا ننهي عن شيء ونفعل مثله quot;، أي ممارسة الرجم المجدلي، ولكن فرضت التربية والعقل البطولي الى محاولات قل الالية البطولية ال هذا العهد، وهذا اصبح لا يطاق، لان هؤلاء المتمرسون بالشر كانوا تحت سيطرت الخوف والبطش والان يستخدمون كل خبراهم الشرية دون سيطرة وخوف، والحلول هنا ذات ترف افلاطوني اكثر خيالا، لاسيما بالنسبة لنا، ممن جاء لوطنه الاصلي فشعر بانه مثل عالم استشراق او سائح غريب، والحقيقة ليس الزائر غريبا انما البلاد كلها غرية عما كانت عليه.. الحل الوحيد هو باسقاط ثقافة العقل البطولي الشهدائي الابراري.. الخ واخلاقية الذمة والتطهير، الذي تمارسها الاحزاب الجديدة المستفيدة من ذلك، احزاب تتعذى على عذابات البشر وشعورهم بالخزي الذاتي، من التاريخ الابليسي للنظام دون ان تعودهم ثقافة العرفان والوداد السياسي، وهذا ما حدا بالناس امام ثقافة الانتقام ان تتماهى بفكرة التوبة والتطهر بالولاء للاباطرة الجدد جوعى العروض التلفزيونية وعطاشى التصفيق، وهم وجدوا من الرق السياسي ما يتخم غرورهم الاجوف، فالويل لو جاؤوا محررين منتصرين ؟ هناك انعدام للنبالة والثيموس، غياب للاخاء واتحادات الالم وقراءة الماساة في عيون شعب نسجه الخوف.هذا العالم المتكسر بالعدوان والاذى يستحق نقطة من الشرف الغائب.