قال أبو البراء نقلاً عن شيخنا أبو طحيطح غفر الله له: ( يقول عامة أهل نجد عن الحمقى والمغفلين: quot; فلان يولـّـم العصابه قبل الفلقهquot; وهي حكمة ما بعدها حكمة، تدلُ على فطنة وذكاء أهل هذه البلاد المباركة . ومن ذلك، أي من quot;توليم العصابة قبل الفلقةquot; ما تعوّد العلمانيون، أعداء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على ترديده، حينما يُطالبون حكومة بلادهم أن quot;تستعدquot; لوباء أنفلونزا الدجاج لا الديكة . وفي ذلك ndash; حفظكم الله ndash; تسفيهٌ لقوله صلى الله عليه وسلم: quot;لا عدوى ولا طيرةquot; . انتهى .
قالَ أبو البراء: وما من شك أن quot;توليمquot; العصابة قبل أن تصاب بالفلقة، تدل على ضعف العقل والغفلة والحُمق . فعاقل القوم يصبر حتى يأتيه اليقين، ويكون متفائلاً لا متشائماً كما كان المؤمنون دائماً وفي كل العصور. وأخشى أن يكون في ذلك ndash; أيضاً - اعتراض على قدر الله. قال أبو البراء: ( سألنا شيخنا أبوطحيطح : وما اليقين أجزلَ الله لكم الأجر و المثوبة من عنده ؟) قال: ( أن ترى الوباء مرأى العين . أي ترى الدجاج quot;يتسدّحquot; ويَخرُ ميتاً، عندها لك وعلى سبيل الاضطرارَ أن تتلمس من لدن quot;الكفارquot; - عليهم من الله ما يستحقون- لقاحاً أو علاجاً، شريطة أن تخلطه بالرقية الشرعية، كأن تطلبَ من عالم من علماء المسلمين، أن quot;ينفثquot; فيه من ريقه - مثلاً - قبل أن تضعه موضع الإستعمال، ونحو ذلك من الرقى الشرعية التي أوصى بها أهل العلم، وحبذا لو عُدتَ إلى كتاب العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى quot;الطب النبويquot; ففيه الخير الكثير) .
وأضاف شيخنا أبو طحيطح لدرره هذه دُرراً، فقال: ( وعلى ذكر كتاب quot;الطب النبويquot; لابن القيم رحمه الله تعالى فقد أوصى بالعسل و الحبة السوداء التي سماها quot;حبة البركةquot; . وفيهما شفاء من كل داء بإذن الله . غير أن أطباء quot;بني علمانquot; حذروا من العسل للمصابين بمرض السكري، وقالوا إنه لهم كالسم والزعاف. وهذا تسفيه بعلم هذا البحر الزاخر، وجرأة على قول عَـلم من أعلام المسلمين، وكذلك قالوا عن quot;الحبة السوداءquot; المباركة التي أثنى عليها وعلى بركتها أيضاً في كتابه، وزعموا أنها ترفع الضغط، وتقتل المصاب بضغط الدم. وقد كان والدي رحمه الله تعالى في مزرعته في قريتنا quot;يلعطquot; العسلَ لعطاً، ويُـلحقه بحبيبات معدودات من حبوب quot;البركةquot;.. صحيحٌ أنه مات، وكل نفس ذائقة الموت، بعد أن كفّ بصره وأصيب بالهذيان، وعمره لم يتجاوز الخمسين، غير أنه فاز بما هو أهم، باتباع ابن القيم، والسير على خطى السلف المبارك رحمهم الله تعالى، وذلك ndash; لعمري - هو الفوز الكبير، حتى لو افترضنا ndash; جدلاً - أن العسلً والحبة السوداء قد قتلته كما يقول أطباء بني علمان، فما عند الله خيرٌ وأبقى لو كانوا يعقلون.
ثم عدلَ شيخنا أبو طحيطح من جلسته، ومتكئه، وقال: ( يقول الشاعر:
ولم أرَ في عيوب الناس عيباً
كعيب القادرين على الكمــــال ِ

فالمتعلم المسلم كالأطباء المسلمين - مثلاً - الذين يَحيدون عن طريق السلف الصالح، وأقوالهم، بعد أن بلغتهم حُـجتهم، ويذهبون إلى ما يسميه الصليبيون قبحهم الله quot; المذهب التجريبيquot; ينطبق عليهم قول شاعرنا المذكور آنفاً . فإذا قـُـبـِلَ مثل هذا التقليد المذموم من الجهلة، فماذا نقول في من رباه والده على الفطرة السليمة، ودرسَ وتعلم، فشذ عن نهج أبيه وجده، وترك علوم أسلافه، واتبع ملة هؤلاء الكفار. مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ محذراً: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب ٍلدخلتموه ). ومع ذلك هانحن نرى العلمانيين يدخلون جحور الضببة و الجرابيع خلفهم، مصداقاً لقول النبي الأمين، والله المستعان) . انتهى.
ثم سأله من طلابه غلام نجيب قائلاً: ( هل عرفَ السلفُ ndash; رحمهم الله تعالى - مرض أنفلونزا الطيور؟) . فضحك، وهز رأس بثقة، وأردف قائلاً: ( يا بُني، لم يبقِ لنا سلفنا ndash; رحمهم الله تعالى ndash; أمراً لم يبحثوه . هذا الذي يسميه الكفرة الفجرة quot;أنفلونزا الطيورquot; كان معروفاً عند أسلافنا رحمهم الله . ولو سألت واحداً من كبار السن لأخبرك أن مثل هذا المرض كان يسميه عامة أهل نجد quot;أبو طبيلةquot;، كان يصيب الدجاج خاصة فتهلك . ولم يُعرف أنه ينتقل إلى البشر، غير أن العلمانيين كما هو دأبهم لا يعترفون إلا بما جاء من بلاد الكفرة، لذلك ترجموه إلى quot;أنفلونزا الطيورquot; وتعَـمّدوا ndash; قبحهم الله ndash; ألا يسموا هذا الوباء quot;أبوطبيلةquot; كرهاً منهم للغة الضاد، وترويجاً للغات الكفار ومصطلحاتهم مواكبة لمخططهم التغريبي) . انتهى.
وسأله رحمه الله تعالى آخر عن علاج السلف له . فقال ( بالإكثار من الدعاء، وتتبع الأمور المنكرة ومحاولة إزالتها، والأمر بالمعروف، ونصرة المجاهدين في سبيل الله) . وأضاف رحمه الله تعالى قائلاً: (أخبرني والدي رحمه الله تعالى أنه في عام من الأعوام، أدركه وهو صغير، عَـمّ في نجد مرض quot;أبوطبيلهquot;، فهلك دجاج الناس، حتى بيعت البيضة الواحدة بخمس ريالات فرانسه . وخشي المسلمون من انقراض جنس الدجاج، فقام عالم من علمائهم، واعتلى المنبر، وحمدَ الله وأثنى عليه، ثم قال: quot;يا عباد الله، إن ترك سنام الإسلام هو سبب هذا البلاء . فعودوا إلى جهادكم تسلمُ دجاجكمquot; . ونزل من المنبر. فتداعى الناسُ إلى الجهاد، ولم يبق من يقدر عليه حتى انضم إلى كتائب المجاهدين، فلما جاء من الغد سلمَ دجاجهم، ورخص البيض، وتنفس الناس الصعداء ) انتهى.
نسأل الله أن يلطف بنا وبدجاجنا .