هناك مثل شعبي مصري معروف يقول إن من رأى بلوة ( ابتلاء) غيره هانت عليه بلوته وربما هذا ما يجعل الحكومة المصرية والنظام السياسي القائم حاليا يشعر بارتياح عميق تجاه التطورات التي تحدث في واحد من اكبر أحزاب المعارضة سابقا على الأقل وهو حزب الوفد اليميني المعارض الذي كان يوما ما البعبع السياسي الحقيقي للحزب الوطني الحاكم في مصر حينما كان يضمن سلفا الحصول على نسبة محترمة من مقاعد البرلمان في الانتخابات البرلمانية في الثمانينات قبل أن يتحول حاليا إلى ساحة للمعارك ليست السياسية والفكرية كما يفترض بأي حزب أن يكون وإنما للبلطجية والعصابات الإجرامية حتى تحول إلى مثار تندر المصريين الذين أطلقوا أحدث نكاتهم عليه مؤخرا وهي أن من مستلزمات العضوية فيه امتلاك السنج والمطاوي وغيرها من الأسلحة البيضاء التي تستخدم في معارك الشوارع.
بعيدا عن التنكيت الذي هو هنا نوع من التبكيت مع الاعتذار لجريدة عبد الله النديم فأن ما حدث ويحدث في حزب الوفد لا يصب في مصلحة أي واحد من أعضائه بداية من الهيئة العليا التي تخلت عن مصالح قواعد الحزب لتتفرغ لمعارك السيطرة على الحزب لأسباب يعلمها السادة أعضاء الهيئة جيدا ونهاية بأصغر عضو في الحزب في أقصى قرية في مصر كما انه لا يصب حتى في مصلحة النظام السياسي المصري بالكامل حتى وان بدت الصورة عند النظرة الأولى فيها عكس ذلك.
فأما بالنسبة للحزب فلا أظن أن أحدا من السادة المتصارعين عليه سيكون سعيدا بالمدى الذي ستصل اليه الامور سواء بتجميد نشاطه وهو السيناريو الذي بات مستبعدا مؤقتا بعد قرار لجنة الاحزاب بتسمية مصطفى الطويل رئيسا للحزب وذلك قياسا بما حدث من قبل في أحزاب أخرى مثل العمل والأحرار حتى مع التسليم باختلاف دوافع النظام في الحالات الثلاثة ، فلا الدكتور نعمان جمعة وهو المحامي الخبير بالقانون المصري الذي يقترب من إعلان نهاية حياته السياسية بعدما سعى بقوة في اتجاه التأزيم انطلاقا من قناعة شمشون الشهيرة quot;علي وعلى أعدائيquot; سيستفيد من ان يكون الختام اسودا، ولن يستفيد منه بالطبع أعضاء الجهة المناوئة له، ذلك انه حتى مع استبعاد قرار الحل واستمر الحزب على حالته تلك فسوف يكون مجرد شبح لحزب محترم كان موجودا من قبل لأنه سيخسر قاعدته الجماهيرية التي كونها سواء عبر ارثه التاريخي الوطني أو من خلال وجوده الفاعل في فترة الثمانينات وبعض التسعينات في الحياة السياسية المصرية ليدخل صندوق الأحزاب الورقية التي تحفل بها الحياة الحزبية في مصر.
نأتي إلى النظام السياسي الذي يتهمه البعض بالمسؤولية عن تسخين الأحداث داخل الحزب للتعجيل بقرار تجميده ليستريح الحزب الحاكم من صداع معارض آخر لنجد انه وان كان الصداع الخفيف الذي يسببه له الوفد سيزول فورا بالتأكيد ليربح الحزب الوطني والنظام السياسي الحالي أرضا جديدة ولو شكليا باعتباره الكيان السياسي الوحيد المتماسك في الحياة السياسية المصرية في الوقت الحالي إلا أن الجزء المتبقي من السيناريو أو لنقل الجزء الثاني من الفيلم حسب الموضة الهوليوودية يحمل نذرا اخطر لان انهيار الحياة الحزبية مع التسليم بهامشية الأحزاب الموجودة حاليا خصوصا في ناحية قدرتها على التأثير على الشارع لابد وان يؤدي في اعتقادي إلي احد نهايتين أولاهما انهيار الحياة السياسية في مصر ككل ومن ثم يأتي دور البدائل التي يعرفها الجميع ولا أظن أن أحدا سواء كان حكوميا أو معارضا يسعد بها اقلها خطرا حدوث فوضى عارمة في الشارع المصري قد تفوق في عنفوانها قدرة النظام على ردعها أو استيعابها، والثاني ظهور قوة سياسية جديدة منظمة وقادرة على التأثير في الشارع وهذه القوة حسبما تشير الدلائل في مصر هي التيار الإسلامي وهو خصم أقوى بكثير للنظام المصري من الأحزاب الحالية التي تؤدي حاليا دور حائط الصد ضد هذا التيار والجهة التي تؤلب الرأي العام عليه وتبصره بمساوئه المفترضة، وهو دور أظن انه ليس خافيا على عقول النظام القائم في مصر أهميته.
كذلك لا يخفى على احد أن انهيار الأحزاب القائمة الواحد تلو الآخر يخرب صورة الديمقراطية التي يرى النظام الحالي إنها واحدة من أهم إنجازاته طوال أعوامه التي تقل بعدة اشهر عن الربع قرن وتحفظ توازنه أمام الضغوط الخارجية المنادية بالإصلاح.

[email protected]