اذا كانت الاوضاع السائدة في العالم الاسلامي احد الاسباب التي دفعت بشرائح اجتماعية متلبسة بثوب الدين لتبرير اسلوب العنف لتحقيق اهدافا غامضة، ففي روسيا دفع تشوه الاوضاع ظهور جماعات حليقي الرؤوس ذات النزعة العدوانية والمبشرة تطبيقيا بكراهية الاخر والنفور منه وسحقه. ظواهر ذات مضمون واحد ولكن تتجلى باشكال مختلفة. المعسكران يكرهان الاخر والحوار والتعايش بين الثقافات والحضارات، وينبذان الاعتدال في ممارسة اليومي. كلاهما يعيش في وهم ايدلوجي لتحقيق عالم العدالة الطوباوي.ان ممارسات حليقي الرؤوس هي شكل من اشكال الارهاب، ولكنها مازالت تستخدم الاسلحة اقل فتكـا.
لقد صعدت جماعات quot;حليقي الراسquot; في روسيا في الفترة الاخيرة الاعتداء على الاجانب وذوي البشرة السمراء من افريقيا او المتحدرين من اصول قوقازية اوالعرب الدارسون والمقيمون في روسيا او من اسيا الوسطى او يهود. ويردد اعضاء هذه الجماعات عند هجومهم على فريستهم شعارات مثل روسيا للروس او موسكو للموسكووين واحيانا يحيا هلتر. وحليقو الرؤوس ظاهرة ارتسمت معالمها بوضوح بعد التحولات التي مرت بها روسيا منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. ان هذه الجماعات دون شك تمثل حضيض المجتمع الروسي،والشرائح التي لاتجد وسيلة اخرى للاحتجاج بها على وضعها المتدهور غير وسيلة العنف. الشرائح التي تشعر بانها مهمشة وغير قادرة على سد حاجاتها وتطلعاتها، وليس لديها ايمان بالمستقبل او بقوة سياسية تفتح امامها افاقا رحبة. وترصد وجود مؤامرة اجنبية على بلدها، شرائح مدعوة للخدمة في صفوف جيش تهيمن عليه اجواء مسمومة، تسودها المظاهر غير الصحية بما في ذلك الجريمة والانتحار وتعاطي المخدرات، وتتنظر الجندي فيه حروب لايؤمن بعدالتها. وحيت اصبح الالتحاق بمعهد دراسي ترف الاثرياء وابناء العوائل ذات الدخل العالي. وكما قال احد المراقبين quot;ان روسيا التي انتصرت على النازية، تحولت الى ساحة نشاط اساسية لهؤلاء بعدما دلت الاحصاءات الى ان اعداد (النازيين) في روسيا وحدها يصل الى نحو 50 الف ناشط يتبعون لعشرة تنظيمات متطرفة تمارس نشاطها على الاراضي الروسيةquot;. وبات لحليقي الرؤوس الروس نفوذ ملموس في عدد من المدن الكبرى مثل يكاتيرينبورغ وسان بطرسبورغ وكراسندار وموسكو نفسها.
وتدور في روسيا سجالات عن طبيعة هذه الجماعات هل هي شوفينية ام فاشية، وهل انها جماعات شبيبية عفوية تضم quot; زعرانquot; ام ان هناك قوى معينة سياسية او امنية تديرها وتستخدمها لاغراضها الخاصة. هل ان هناك بيئة مناسبة لتطورها اكثر وتحولها الى قوة سياسية قادرة على اخذ السلطة؟ وحينها سيقوم نظام فاشي. وتجري مقارنة ما يدور مع التطورات التي شهدتها المانيا في ثلاثينيات القرن الماضي. فهل حقا ان الفاشية الجديدة قادمة في روسيا؟. ويحض دعاة حقوق الانسان والليبراليون السلطات السياسية والامنية والقضائية الى التشديد من الاجراءات لوقف quot; الثعبان الزاحفquot;.
حينما جرى الحديث مؤخرا في ملتقى الرؤية الاستراتيجية quot; روسيا ـالعالم الاسلاميquot; عن اسباب انتشار النزعات المتطرفة في العالم الاسلامي بما في ذلك الجماعات الارهابية اشير ايضا الى عوامل موضوعية تسود الدول الاسلامية بما في ذلك الفقر والبطالة وانعدام العدالة الاجتماعية وحرية الكلمة، تدفع الشباب الى انتهاج طريق عديمي كممارسة العنف للتعبير عن احتجاجة وغضبه على الاوضاع السائدة. ،واشير ايضا الى ان النظام العالمي الذي بفتقر للعدالة، ومحاولة فرض ثقافة نفسها على الاخرى، فتاتي ردود مشوهه على كل تلك المظالم. وكان احد المتحدثين العرب قد القى المسؤولة على الدول الاسلامية نفسها ومؤسساتها الثقافية لقصورها في التصدي والحيلولة دون بزوغ وتبلور مثل هذه تلك المظاهر الشاذة.
وفي كل هذه الاحوال لايمكن البحث عن سبب واحد ولا عن وسيلة ناجعة quot; لغسل quot; ادمغة هؤلاء الشباب وردهم quot; عن غيهمquot;.الموضوع معقد وشائك له ابعاد نفسية مرتبطة بالمتغيرات الكونية عموما، والاوضاع المحلية السائدة، ولذلك فان عملية معالجته بصورة جذرية ممكنة فقط في العثور على حلول متعددة الجوانب والمستويات. العنف وسيلة الضعفاء في تصورهم الخاطئ من انه سيحل كافة المشاكل ويحقق الاهداف بصورة سحرية.
ورغم تبني جماعات حليقي الروؤس في روسيا الشعار القومي/ الروسي الا ان القوى الوطنية والقومية والمنضوية في احزاب وتحالفات واللاعبة على الساحة السياسية تتنصل من تلك الجماعات وتصفهم quot; بالزعران quot; الذين لايمتون بصلة للروح الروسية الارثذوكسية الحقة. وبهذا فانها ترد على تلك الاصوات التي تتحدث quot; عن الفاشية الروسيةquot; والروح الشوفينية الروسيةquot;. وحقا فان اعضاء هذه الجماعات هم من الروس، ويقولون ان هدفهم الرئيسي تطهير روسيا من الاعراق الاخرى. ومنطقهم يقول ان وجود الاجانب في روسيا هو السبب الرئيسي وراء المصاعب التي تعيشها وسبب ضعفها وان هناك مؤامرة تحاك ضدها.واللافت ايضا ان القوى القومية واليسارية تنتقد مظاهر الروح الشوفينية والنزعة الفاشية المتلبسة بالثوب القومي، بكسل.
وفي العالم الاسلامي كذلك تتنصل المؤسسة الدينية الرسمية من تلك المظاهر. وحسنا فعلت لان قضية استشراء العنف ومظاهر كراهية الاخر قضية ليست دينية ولاتمت بصلة للفكر الوطني والقومي السليم المعتدل والعقلاني انها قضية سياسيةـ اجتماعية ـ اقتصادية.وفي هذه المجالات تتأصل الجذور التي تخرج نباتا مشروطا بالبيئة التي ينمو فيها.وتعود معالجتها لاكثر من مؤسسة.
التعليقات