عقب كل صلاة..
نختم بالدعاء والابتهال الى الله كي يكشف همومنا المتراكمة بعضها فوق بعض.
المتأمل لهذا الدعاء سيكتشف انه أصبح ملجأنا الوحيد.
سيكتشف انه اصبح ماؤنا وخبزنا.
بل ودائنا ودوائنا!
ما نجهله حقيقة ان معظم دعائنا اليوم هو دعاء ميت!
واقصد بالدعاء الميت ذاك الذي نبتهل فيه الى الله تعالى فنطلب ما يخالف الممكن.
اي الدعاء طلبا لأمور نعلم يقينا انها لن تتحقق.
هل هناك دعاء يمكن ان لا يتحقق؟
اقول نعم، عندما يخالف العقل، وعندما يأتي بلا فعل او ارادة.
عندما يرفع أئمة المساجد ايديهم بالدعاء لله أن لا يبقي فقيرا في العالم الاسلامي الا وأغناه، فهذا دعاء ميت نعلم انه لن يتحقق!
لماذا؟
لأن ثلاثة ارباع المسلمون في حالة انهزام وخمول، ولن يأمر الله السماء كي تمطر مالا على رؤوس الكسالى..
بالمثل عندما ندعو الله أن يشفي مرضى المؤمنين..
فالشفاء لا يأتي بالدعاء، بل بالسعي لطلب العلاج اولا ثم الدعاء بالشفاء. هكذا تتفاعل مشيئة الله مع عملنا فيحصل الشفاء.
رب قائل ان ذلك بديهي ومعروف ايضا، أي ان الدعاء لا بد ان يتلازم مع العمل.
وأنا اقول ان المصيبة انه امر بديهي ومعروف، لكنه مجهول حتى اللحظة في اكثر المجتمعات ثراء.
في المجتمع الخليجي على سبيل المثال، ومع الحمى الرقمية والأسهم والبورصة، ترتفع الايدي للسماء تبتهل الى الله ان يرفع سعر سهم او يهوي بآخر، ونحن منتصبون كالأصنام أمام شاشات صماء!
كيف ستتفاعل مشيئة الله مع دعائنا ونحن مكتفون بدعاء يقوم به في نفس اللحظة اكثر من نصف سكان الكرة الارضية، وكلهم دون خط الفقر، دون ان يحركوا ساكنا؟
نحن ندعو الله ان يطلق سراح المسجونين..
كيف وهم مذنبون؟
نحن ندعو الله ان يكشف هم المهمومين..
كيف وهم قدريون انهزاميون..؟
نحن ندعو الله ان يدمر اعدائنا من يهود ونصاري..
كيف وهم يومنون بالله تعالى؟
اعتقد ان المسلمين اليوم هم اكثر شعوب العالم دعاء وابتهالا الى الله. ليس لأنهم الاكثر ايمانا.. بل لأنهم الاكثر بلاءً واتكالا واستسلاما للقدر.
الشعوب الاسلامية اصبحت آلة قدرية، تؤمن ان كل شيء مكتوب منذ الأزل ولا قبل للأنسان بتغييره. بما في ذلك الغنى والفقر.
ويزيد من الامر تعقيدا ان رجال الدين فينا لا يدفعوننا الى العمل قدر ما يدفعوننا الى الدعاء.
هم جاهزون لألف حديث يصبونه في آذاننا عن شروط الدعاء والقبول والاجابة. لكن احدا منهم لا يقول لنا كيف ان الدعاء لا يتحقق الا بالعمل والاجتهاد، دون التعلق بأستار الكعبة وحدها.
استسلامنا، انهزامنا، والدعاء الميت الذي نردده كل يوم، لن يقودنا الى نتيجة، ولن يرسل لنا الله بمعجزة من السماء تنقذنا، ان لم تنهض ارادتنا وعقولنا من سباتها.
نعم، هو أمر بديهي..
والمصيبة انه كذلك.. ولا نريد ان نعلم انه كذلك.
[email protected]