مرة أخرى، يضع اَرييل شارون نفسه فى موضع صاحب البيت وصاحب القرار فى كلّ من أسرائيل وفلسطين. فهو أعلن أن خارطة الطريق ليست موضع نقاش الان، وان أسرائيل لن تفاوض بشانها مادام هناك فلسطينيون يقاتلون أسرائيل.
ولكى يبدو أنه صاحب البيت والقرار، قال: ان أسرائيل لن تنسحب الاّ من بعض المستوطنات المبنّية على أراضى الضفة الغربية المحتلة. ومن دون شك أن شارون يتجاهل الحديث عن القدس الشرقية لانه يعتبر أنها جزء لا يتجزأ من أسرائيل .1948 وبالتالى: لا لزوم لتكرار القول بانها العاصمة الموحدة والابدية للدولة الاسرائيلية.
ومن المسلّم به أن شارون يريد الاحتفاظ بجزء كبير من الضفة الغربية لانه لم يجد بعد من يمنعه من ذلك. ولانه الاقوى، فهو يقول ما يريد ويقر ما يريد دون أعتبار للطرف الآخر الذى هو: السلطة الفلسطينية الشرعية فى فلسطين والمعترف بشرعيتها فى المجتمع الدولى.
وهو يتجاهل الحديث عن القدس، عامدا متعمدا، لانه يعرف سلفا أن ليس هناك من يستطيع أن يخرجه منها لا بالقوة ولا بالتفاوض. والامر نفسه ينسحب على مسألتى: السجناء وحق العودة. وهو بذلك يلغى دور ومهمة السلطة الفلسطينية التى جعلت التحرير الكامل للارض الفلسطينية التى تمّ احتلالها فى حرب 1967 من بين أول أهدافها التى لا يمكن أن تتنازل أو أن تتراجع عنها.
واما قوله أنه لن يضع خارطة الطريق على طاولة المفاوضات مادام هناك فصائل فلسطينية مقاتلة.. فهو البرهان الاشدّ وضوحا على ان اسرائيل لا تعترف بالسلطة الفلسطينية الشرعية الا بصفتها فصيلا من الفصائل جرى تجريدها من السلاح الموجه الى الاحتلال.
وهذا الواقع الشارونى، الذى هو واقع اسرائيلى بصفة كبيرة، يجعل السلطة الفلسطينية أمام أسئلة فى غاية الاهمية.
فهل فهمت السلطة من كلام شارون ما فهمناه نحن؟.. أى: الغاء دورها ومهماتها الاّ كمفاوض يجيب بـ: نعم على كل طرح وموقف؟
وهل صحيح أن السلطة الفلسطينية لا تملك أى حول أو طول أو منطق أمام شارون؟
وهل السلطة الفلسطينية تشعر بانها معزولة عربيا ومطوقة أسرائيليا ودوليا، وعاجزة تماما عن الامساك بأى خيط من خيوط الازمة؟
وهل السلطة الفلسطينية موافقة على ما يصدر عن شارون؟ سواء لجهة الانسحابات أو لجهة حق العودة.. والقدس وخارطة الطريق؟
اذا كانت موافقه، فمعنى ذلك أنها تشعر بالافلاس التام، سياسيا وعسكريا وعربيا ودوليا.. وخصوصا فلسطينيا.
واذا كانت غير موافقة، فمعنى ذلك أنها تلحق ضررا بالغا بالقضية، وبالذين يريدون الاحتفاظ بسياسة التحرير عن طريق الكفاح المسلح. وهى عندما تستنكر الاعمال العسكرية التحريرية. [ وعندما تصف عمليات المقاومة بالارهاب.
[ وعندما تعلن جهارا نهارا أنها لن تسمح لاحد بان يكون حاملا السلاح من خارج السلطة الفلسطينية.
فهى بذلك، تكون قد أرتكبت خطأ جسيما حتى على طاولة المفاوضات فالطرف المفاوض ndash; شارون يقول علنا أنه سيغلق الطاولة أمام كل الطلبات والشروط والحقوق الفلسطينية مادام هناك فصائل مسلحة.
أى: أن شارون لا يريد أن يفاوضها الا اذا:
-وافقت على ضم القدس
-ووافقت على ألغاء حق العوده
-ووافقت على تكبير مساحة الاحتلال الاسرائيلى داخل الضفة الغربية.

فاذا وافقت تكون طرفا على رأس الطاولة الاخر. واذا رفضت يكون شارون فى حل من التزاماته التى لم يوضحها على كل حال.
ولذلك كله، لابدّ من تذكير السلطة بحقيقتين يجب ألا يغفلا عن بالها.
. الحقيقة الاولى: أن المقاومة الفلسطينية المسلحة بالحجارة ثم بالسلاح هى التى قربّت ساعة الحرية فى غزه. ولم تكن المفاوضات السياسية سوى محاولة لادخال السلطة فى عملية الضغط على الفصائل المسلحة.
. والحقيقة الثانية: أن مقاومة الاحتلال فى كل زمان ومكان هى عمل شرعى وضرورى، لا يجوز التشكيك به أبدا أبدا.
واذا كان شارون وجورج بوش أو المجتمع الدولى الخاضع للافكار الاسرائيلية يظنون أن المقاومة أرهاب، فهذا تزوير للتاريخ لا يمكن أن يكونوا مقتنعين به الا بسبب هشاشة الموقف الفلسطينى والعربى الذى ضاع فى التمييز بين: [ هل المقاومة عمل تحريرى عظيم، أم هى أرهاب؟
والواضح حتى الان.. أننا جميعا بدانا نساهم فى تعميم الزعم بان المقاومة ارهاب.. وهذا عيب ما فوقه عيب.