بسم الله الرحمن الرحيم
1 ـ فى أواخر التسعينيات كنت أعمل مع مركز ابن خلدون مستشارا اسلاميا ومشرفا على اصداراته، ومنها التقريران السنويان عن المجتمع المدنى والتحول الديمقراطى، وتقرير الأقليات والملل والنحل فى العالم العربى.
جاء لى رئيس تحرير تقرير الأقليات بتقرير كتبه باحث عن أقلية البهائيين فى مصر. كان طعنا كاملا فيهم وتكفيرا لهم استمده من أقوال شيوخ الأزهر. قلت لرئيس التحرير هذه شكوى كيدية وليس تقريرا علميا، من الممكن أن يذهب به صاحبك الى مباحث أمن الدولة وليس الىّ هنا.. وقلت له : ان تقرير الأقليات والملل والنحل يستمد المعلومات من مصادرها الأصلية عن معتقدات الطائفة وطقوسهم وتعاملهم مع المجتمع ومدى ما يلاقونه من ترحيب أو اضطهاد من النظام الحاكم والأكثرية المسيطرة. أى كان لا بد أن يتصل كاتب تقرير البهائيين بالبهائيين ليتكلموا عن أنفسهم ثم يستطلع وجهة نظر محايدة للتعليق، لا أن يذهب الى العدو الأكبر للبهائيين ليتحدث بالنيابة عن البهائيين. قال رئيس التحرير انّه حاول الاتصال بهم فرفضوا الحديث معه. قلت : ربما لأنهم أحسوا بتحيزه ضدهم فلم يثقوا فى أمانته فى النقل عنهم. وقلت لرئيس التحرير: حاول أنت أن تتصل بهم ليكتب واحد منهم عن طائفته وننشره مع تعليق محايد. لم يحدث هذا فصممت على أن يصدر التقرير فى ذلك العام بدون الحديث عن البهائية.
2 ـ تذكرت هذه الحادثة بعد حوالى عشر سنوات عندما وردت الأنباء بتحالف الحكومة المصرية والمعارضة الاخوانية ضد البهائيين لأنهم ـ أى البهائيين ـ قد حصلوا من قضاء مصر النزيه على أحقيتهم بوضع اسم دينهم البهائى فى أوراقهم الرسمية.
من النادر ان يتفق الغريمان المتصارعان : الحزب الوطنى رمز الاستبداد والفساد، والاخوان المسلمون رمز التطرف والارهاب. انهما يتفقان ويتحدان معا فى الظلم وفى اضطهاد المخالف لهم فى الدين وفى المذهب. لذلك فان الأقباط والشيعة والبهائيين والقرآنيين هم ضحايا النظام والاخوان معا وفى نفس الوقت. وهما معا يبذلان كل ما فى طاقتهما فى وأد وتشويه أى حركة احتجاج لأولئك الضحايا، واذا حدثت انفراجة ما ايجابية بادر النظام المستبد الفاسد والاخوان المتطرفون بمطاردة تلك الايجابية وملاحقتها. لذلك سيسارعون بوضع قانون يجرّم البهائية بنفس الوسيلة التى أصدروا فى محكمة أمن الدولة حكما بسجن بعض القرآنيين بتهمة ازدراء الدين، ليجعلوها سابقة تنطبق على كل اجتهاد يقوم به القرآنيون فى دعوتهم لاصلاح المسلمين من داخل الاسلام بالاحتكام للقرآن الكريم وفقا لما أمر به رب العزة جل وعلا.
3 ـ وقد أعلنت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية فى الاسبوع الأخير من أبريل 2006 : quot; أن وزارة الداخلية قد قامت بإخلاء سبيل السيد متولي إبراهيم متولي بعد أن قضى قرابة ثلاثة أعوام رهن الاعتقال بموجب قانون الطوارئ بسبب معتقداته الدينية التي سجلها في أبحاثه في علوم القرآن واللغة.
وكانت مباحث أمن الدولة قد ألقت القبض على متولي إبراهيم، الحاصل على درجتي الليسانس في اللغة العربية والشريعة من جامعة الأزهر، في يوم 18 مايو، 2003 وأحالته بعد قرابة شهرين من الاحتجاز غير القانوني إلى نيابة أمن الدولة العليا التي قامت بالتحقيق معه بشأن آرائه حول حكم الردة في الإسلام وجواز زواج المسلمة من الكتابي. وفي يوم 29 أكتوبر 2003 أصدرت النيابة قراراً بإخلاء سبيله دون توجيه أي اتهام، غير أن وزارة الداخلية أصدرت قراراً باعتقاله بموجب قانون الطوارئ في نفس اليوم ليبقى متولي إبراهيم سجيناً بين معتقلي وادي النطرون والوادي الجديد حتى إخلاء سبيله في يوم 7 إبريل 2006quot; أنتهى.
الذين وشوا بالشيخ متولى ابراهيم ـ والذى أعرفه شخصيا وأعرف اسلامه واستقامته وعدالته وعلمه واجتهاده ـ هم أنفسهم الذين أفتوا لوزارة الداخلية كى تبقيه فى السجن ثلاث سنوات لأنه قال كلاما سبقه به كثيرون فى داخل الأزهر وخارجه، ليس أولهم الامام محمد عبده وليس آخرهم حسن الترابى وكاتب هذه السطور. أى أن صديقى الشيخ متولى يكرر كلاما قاله من قبل شيوخ كبار وباحثون مشهورون. وقد أطلعنى الشيخ متولى على اجتهاداته فى أواخر التسعينيات فأعجبنى منهجه البحثى وتخصصه الدقيق فى الأحاديث وعلوم المصطلح والجرح والتعديل، وبسبب شغفه بالبحث فقد حصل على شهادتين من كلية اللغة العربية وأصول الدين ليستكمل أدواته باحثا فى التراث. ومع بداية عمله العلمى انقض عليه الاخوان وعملاؤهم من مباحث امن الدولة فالقوا به فى غياهب السجن بلا جريرة الا انه يقول ربى الله تعالى وحده.
4 ـ شيوخ الأزهر الذين أفتوا بردة فرج فودة هم أنفسهم الذين يطاردون الأقباط والقرآنيين والشيعة والبهائيين وكل المخالف لهم فى المذهب والدين.
ومنذ ايام وصلتنى دعوة من بعض النبلاء المصريين للتوقيع على بيان يؤكد على حقوق المواطنة وحقوق التدين والاعتقاد ويشجب اضطهاد الأقباط. حمل البيان عنوانا جميلا محببا لنفسى هو ( مسلمون ضد التمييز ) سارعت مع أولادى بالتوقيع عليه. وفوجئت بهجوم حاد يأتى لىعبر الايميل يتهم الموقعين على البيان بأنهم تنظيم لعبادة الصليب يماثل تنظيم عبادة الشيطان، ويحرض علينا مباحث امن الدولة. هذا يذكّرنى بالتعاون الوثيق بين أمن الدولة والمتطرفين ضدنا منذ الثمانينيات وحتى الآن، وكيف كانت البلاغات الكيدية تنهال ضدى من الشيوخ والاخوان المسلمين تحرض المباحث على اعتقالى، مع أننى كنت وقتها ملازما بيتى معتكفا عن الناس.
المهم أن كاتب التعليق الاخوانى يعلن أنه ( طظ ) فى المواطنة و(طظ) فى حقوقها متابعا لشيخة مهدى عاكف القائل (طظ) فى مصر.!!
ردى على هذا الهجوم السافل هو دعوتى للأخوة فى ( مسلمون ضد التمييز ) لاعلان حركتهم وتوسيع المشاركة فيها لتضم نشطاء من كافة الوان الطيف السياسى فى مصر، كما أطالبهم بأن يشمل اهتمامهم أيضا ضحايا الاضطهاد الآخرين من الشيعة والقرآنيين والبهائيين.
5 ـ نعود الى البهائيين لنقول أن أغلب المكتوب عنهم كتبه أعداؤهم من المتشددين، تلك الكتابات تبالغ فى تكفير البهائيين وتحرض على قتلهم. ويكفى أن تكتب كلمة ( البهائية ) فى محرك البحث على الانترنت لتجد نفسك بين غابة من المعلومات معظمها فى تكفير وتحقير البهائيين المسالمين الذين لم يعتدوا على أحد كما يفعل المتطرفون الارهابيون. البهائيون لهم أيضا موقعهم على الانترنت، ومنها (http://reference.bahai.org/ar )
وللحديث بقية
التعليقات