يبدو أن الإدارة الأميركية تتعمد تعليق الرد بالإيجاب أو بالسلب على رسالة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى الرئيس الأميركي جورج بوش، وليس كما يشاع بأنها لا تتمكن من الرد على الرسالة. ومن المتوقع أن يأخذ الرد أحد منحيين: إما الرد سلبا، وإما عدم الرد.
فرغم تأكيد بعض المراقبين أن الرسالة تعبّر عن مسعى من قبل طهران للتأثير سلبا على المباحثات الجارية بين الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا للاتفاق على قرار في الأمم المتحدة حول البرنامج النووي الإيراني، وهو ما حدث فعلا حيث أخفقت هذه الدول في الاتفاق، وقال وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير أن خمس إلى ست مسائل لا تزال عالقة قبل التوصل إلى اتفاق، إلا انه يبدو أن واشنطن وطهران تلعبان لعبة القط والفأر، وأن اجتماعات الدول الخمس باتت من ضمن الوسائل الضرورية لزوم اللعبة.
فالأميركيون باتوا يدركون اللعبة الإيرانية. فمن جهة يعلمون أن أي ضربة عسكرية ضد المواقع النووية الإيرانية من شأنها أن ترفع سعر النفط إلى أرقام قياسية، ومن شأنها أيضا أن تصب الزيت على الأوضاع الأمنية المتوترة أساسا في المنطقة وتفعّل التهديدات الإيرانية باستهداف طرق تأمين الطاقة في المنطقة لاسيما مضيق هرمز، كما ستزيد من الرصيد الرسمي والشعبي للنظام في طهران داخليا وإقليميا وستؤثر على المعادلة السياسية والأمنية في المنطقة برمتها حينما تستهدف إسرائيل. وبعبارة أخرى، تعتبر تحذيرات طهران من أي استهداف لمواقعها النووية عسكريا، أُمنية إيرانية سريّة بسبب كم السعر السياسي والاقتصادي الذي ستكتسبه.
ومن جانب آخر يبدو أن واشنطن باتت تعي لعبة مطلب المفاوضات الثنائية المباشرة الذي تدفع إليه طهران وتمثلت ذروة ذلك في رسالة نجاد. فالأميركيون لا يريدون لتجربة عدم اتفاق مجلس الأمن التي سبقت الحرب العراقية أن تتكرر، كما إنهم يعارضون أي مسعى راهن لضرب الموقف الدولي التضامني القوي الذي يقودونه، لاسيما الغربي، ضد البرنامج النووي الإيراني، وهو باعتقادي ما تسعى رسالة نجاد إلى فعله واللعب في إطاره.
لكن الأوروبيين، حسب العديد من المراقبين السياسيين، يخشون ان تعمل واشنطن على إضاعة الفرص الدبلوماسية لحل الازمة الايرانية. ويقول آندرو مورافشيك، مدير برنامج الاتحاد الاوروبي في جامعة برنستون، quot;في كل مرة تتبدى فيها واحدة من هذه الفرص تقوم ادارة بوش بوأدهاquot;. ويضيف quot;في عام 2003 ألمحت ايران إلى استعدادها لعقد محادثات شاملة حول السياسة النووية والافراج عن الممتلكات والارصدة الايرانية المجمدة وتعريفها بأنها عضو في محور الشر. والولايات المتحدة التي كانت ثملة بانتصار عسكري في العراق في ذلك الحين لم ترفض العرض الايراني فحسب بل انتقدت الدبلوماسيين السويسريين الذين نقلوا العرض الايراني إليهاquot;.
ويبدو أن شغف النظام الايراني باستمرار ارتفاع أسعار النفط أصبح عاملا رئيسيا في الأزمة التي يساعد الرئيس الايراني على إيقادها، كما يؤكد ذلك كريستوفر ديكي في نيوزويك. وبالتالي فإن هدف السياسة الايرانية بات يسعي لضرب أحد العصفورين: إما المفاوضات المباشرة، وإما الحملات العسكرية، وذلك لما للاثنين من مردود سياسي واقتصادي على طهران.

كاتب كويتي
[email protected]