-1-
أصبح من الواضح وجود جناحين في حماس. جناح الحمائم في غزة ويقوده اسماعيل هنية رئيس الحكومة، وجناح الصقور ويقوده خالد المشعل في دمشق وطهران. وواضح أن هناك انقساماً غير مُعلن حول الكثير من المواقف والآراء السياسية. فمن يده في النار كحماس الداخل، غير من يده في الماء كحماس دمشق وطهران. كذلك، فإن حماس الداخل، تحاول بشتى الطرق تجنب الاقتتال الفلسطيني - الفلسطيني، بينما حماس دمشق وطهران، بتأثير ودعم وإغواء من النظام السوري الذي ينادي بالمقاومة المسلحة ولا يمارسها، بل يطلب من الآخرين أن يقوموا بها نيابة عنه في العراق وفلسطين وجنوب لبنان، وبتأثير ودعم وإغواء أيضاً من النظام الإيراني الذي استهتوته لعبة العظمة والقوة النووية والأمة الأقوى والأغنى والأكثر عدداً في المنطقة، في حين يعيش أكثر من نصف الشعب الإيراني تحت خط الفقر العربي - الإسلامي، وتفتك البطالة بأكثر من عشرين بالمائة من الشعب الإيراني، ويتعاطى ثمانين بالمائة من الشعب الإيراني المخدرات، حسب آخر تقرير دولي نشر.
-2-
الأزمة الفلسطينية تزداد تعقيداً. ومحمود عباس مُصرٌ على اظهار الحقيقة السياسية الشعبية نحو (وثيقة الوفاق الوطني ) التي أعلنها مجموعة من السجناء السياسيين من مختلف الأطياف السياسية الفلسطينية الدينية والقومية. وذلك عن طريق اجراء استفتاء شعبي مباشر ليقول الشعب الفلسطيني كلمته في هذه الوثيقة. وحماس من جانبها تتهدد وتتوعد. والحكماء من الفلسطينيين يحذرون من حرب أهلية وفتنة كبرى، تـنزل بالفلسطينيين. ويعتبرون (الفتنة الكبرى) هي أبغض الحلال وأقبح الاقتتال، عند الله وعند الناس. في حين يرى طرف آخر، بأن الحرب الأهلية هي المطهر الوحيد الآن، خاصة حين تختلف الأطراف على مستقبل الوطن والقضايا الكبرى. وقد خاض العرب حرباً أهلية في صدر الإسلام بين بني العمومة الواحدة. فخاض النبي عليه السلام حروباً ضارية ضد بني قومه وأبناء عمومته من قريش، من أجل نشر دعوته وبناء دولته السياسية. وخاض العرب بعد الإسلام حرباً أهليه بين حزب عائشة زوج الرسول المطالب بدم الخليفة عثمان، وحزب علي بين أبي طالب في معركة الجمل عام 646م. وخاض العرب حرباً أهلية بعد ذلك، بين حزب ديني بزعامة علي بن أبي طالب وحزب عَلماني بزعامة معاوية بن أبي سفيان، فيما عُرف بمعركة صفّين (الفتنة الكبرى) عام 657م، وراح ضحيتها آلاف القتلى. وانتصر فيها الجناح العَلماني الأموي على الجناح الديني العلوي في النهاية. وانتهى الأمر الى تكريس الخلافة والُملك في بني أمية الذين بنوا الإمبراطورية العربية - الإسلامية آنذاك.
واليوم في فلسطين التاريخ يُعيد نفسه. فهناك الجناح الديني بقيادة حماس والجناح العَلماني بقيادة فتح، وهما مختلفان على شكل المستقبل الفلسطيني، وأية طرق يسلكونها لتحقيق قيام الدولة الفلسطينية، كما سبق وتنازع حزب علي بن أبي طالب الديني مع حزب معاوية بن أبي سفيان العَلماني على شكل الدولة القادمة وهويتها. ويرى فريق في داخل فلسطين، بأن الحروب الأهلية (الفتن الكبرى) ليست خطيئة كبرى بحد ذاتها رغم مرارتها وقسوتها وتكلفتها العالية، خاصة عندما تُسد كل طرق التفاهم والتوافق في وجه الفرقاء المتخاصمن. والحروب الأهلية كانت هي المَطْهر للشعوب، كالحروب التي خاضتها الشعوب في الشرق والغرب، وفي امريكا الشمالية بين الجنوب الأمريكي والشرق الأمريكي، وفي اسبانيا في عهد فرانكو (1936-1939)، وفي طاجكستان، و في لبنان، وفي نواحٍ متفرقة من افريقيا (انغولا، بوروندي، سيراليون، الصومال، والسودان). فقد انضجت الحروب الأهلية (الفتن الكبرى) هذه الشعوب، وأفرزت فرقاء أشداء، وشديدي التمسك بوطنيتهم ووضوح رؤيتهم تجاه المستقبل، وانتهوا الى بناء نظام ديمق راطي عريق. وقد قامت هذه الحروب الأهلية بعد أن استنفذ الفرقاء المتخاصمون كافة وسائل الحوار والاقناع والجدل والتفكير السياسي ، وحلِّ العقد المستحكمة بالتي هي أحسن. ولكنها في النهاية كانت كالطلاق، أبغض الحلال وأقبح الاقتتال.
-3-
من الذي يدفع الى الحرب الأهلية أو الفتنة الكبرى الفلسطينية الآن؟
لا شك بأن حماس هي التي تدفع بذلك بمواقفها السياسية المتشنجة العنترية، وبقوة صادرة ليس من حماس الداخل فقط، ولكن بقوة مالية وسياسية صادرة من حماس الخارج في دمشق وطهران، مدعمة باعلام قوي متمثلاً بفضائيات وصحف تدافع عن حماس، وتستقطب الكتّاب والمحللين الدينيين، لادانة فتح وفريقها العلماني بطريقة مباشرة وغير مباشرة وذكية ومؤثرة جداً.
وحماس لو كانت تملك القوة الكافية لاشعلت حرباً أهلية للقضاء على فتح العلمانية منذ التوقيع على معاهدة أوسلو عام 1993 ، التي عارضتها معارضة شديدة منذ الدقيقة الأولى لتوقيعها حتى اليوم. ولكن حماس منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم تلقى معارضة سياسية شديدة من مصر والسعودية والكويت وعُمان والبحرين واليمن والأردن ولبنان ومعظم الدول في المغرب العربي، اضافة الى معارضة المجتمع الدولي وعلى رأسه أمريكا. ولذا فهي منذ ذلك الوقت تسعى الى القضاء على الجناح العلماني الفتحاوي، بحجة فساده وتسيبه وعدم نجاحه بالمفاوضات مع اسرائيل، رغم أن حماس هي السبب الرئيسي وراء فشل سلسلة من المفاوضات بين فتح واسرائيل منذ أوسلو 1993 عندما كانت تطلق صورايخها وتقتل المدنيين الإسرائيليين قبل 24 ساعة من كل جولة مفاوضات قادمة بين فتح واسرائيل كما كانت عملياتها العسكرية الدافع الرئيسي وراء بناء الجدار العنصري الفاصل ووراء تشدد وتردد الرأي العام الإسرائيلي في
مسألة السلام مع الفلسطينيين. وحماس كانت هي الشوطة الرئيسية في حلق ياسر عرفات في مفاوضات كامب ديفيد الثانية بين براك - عرفات - كلينتون 1999 وعام 2000، والتي دفعت عرفات الى رفض العرض المغري آنذاك والذي عاد وقبله عام 2002 بعد أن طارت الطيور بأرزاقها وتغير المسرح الدولي كلية.
-4-
ما هو المخرج من هذه الأزمة الفلسطينية قبل أن يصل الفلسطينيون الى أبغض الحلال وأقبح الاقتتال؟
سأل فلسطيني صديقه:
- مالذي أجبرك على المُر؟
فردّ عليه صاحبه:
- ما أجبرني على المُرِّ ، هو ما هو أمرُّ منه!.
فالحل الوحيد لتجنب كل هذه المرارة، هو أن يسارع محمود عباس الى الاحتكام للشعب الفلسطيني قبل الطلاق البائن بينه وبين حماس، وذلك بطرح (وثيقة الوفاق الوطني) التي كتبها السجناء الفلسطينيون في سجن (هاداريم) للاستفتاء العام. وهذه الوثيقة التي أسقطت لأول مرة في تاريخ القضية الفلسطينية المقاومة المسلحة واكتفت بذكر مقاومة فقط دون ذكر أنها مسلحة، هي الحجر الأساسي العقلاني على ما نظن في بناء الدولة الدولة الفلسطينية القادمة، وهذا ما دفع العقلاء في مصر والسعودية على وجه الخصوص للوقوف الى جانبها باعتبارها صدىً واضحاً للمبادرة العربية في قمة بيروت عام 2002. والتي دعت الدولتان بالأمس حماس صراحة الى ضرورة قبولها.
التعليقات