قرأت في القدس العربي 5/7/2006 مقالاً للدكتور محرز الحسيني بعنوان quot;لماذا تصاعد الخلاف بين الإدارة الأمريكية والمعارضة القبطية المصرية؟quot;، شرح فيه موقف الإدارة الأمريكية من قضية أقباط ومسيحي الشرق الأوسط. حيث كان من المفروض أن ينعقد هذا المؤتمر في قاعة quot;همرشليدquot; بمقر الأمم المتحدة، ولم توافق الإدارة الأمريكية على هذا الطلب، فانعقد في فندق quot;هوليداي إنquot; في مدينة نيويورك بولاية نيوجرسي تحت اسم (الحريات الدينية للأقليات المسيحية في الشرق الأوسط)، والذي خرج بمجموعة توصيات وقرارات عكست عدم رضي القيادة القبطية المصرية عن موقف الإدارة الأمريكية بصفة عامة، والحكومة المصرية بصفة خاصة. وقد شارك في تنظيم هذا المؤتمر كل من quot;الاتحاد المسيحي العالميquot; الذي يرأسه د. منير داود، ومنظمة quot;الأقباط متحدونquot; التي يرأسها المهندس عدلي أبادير يوسف بالتعاون مع السيد كميل حليم وهو ناشط مصري قبطي يعيش في الولايات المتحدة. وقد أثار عدم انعقاد المؤتمر في مقر الأمم المتحدة حفيظة منظمي المؤتمر، حيث أعلنوا أن موقف أمريكا هذا قد جاء نتيجة ضغط مكثف للدبلوماسية المصرية، يقول د. محرز: quot;وقد ينطوي هذا القول على بعض من الصحةquot;. لقد غضب الأقباط من موقف أمريكا هذا، ولكن عليهم أن يعرفوا أن مصالح أمريكا العليا هي التي تحدد الأولويات، بمعني أنه ليس معني تضامن أمريكا مع الأقباط أو أقليات الشرق الأوسط أنه ستضحي بمصالحها العليا من أجل هذه الأقليات، فإذا كانت قضية الأقليات تهم الإدارة الأمريكية، إلا أن أمن وسلام الشرق الأوسط أكثر أهمية من هذه القضية. فلا أحد منصف ينكر أن للأقباط حقوقاً دينية ومدنية مهضومة يجب أخذها بعين الاعتبار، حتى يتساووا في الحقوق والوجبات مع إخوانهم في الله والوطن المسلمون، لكن عدم قبول الإدارة الأمريكية بانعقاد المؤتمر في مقر الأمم المتحدة، ليس معناه تخلي أمريكا عن قضية الأقباط أو الأقليات في الشرق الأوسط،، ولكن معناه أن الإدارة الأمريكية لديها الآن ndash; على الأقل ndash; ما يشغلها عن قضية الأقباط،، فهي ليست بحاجة لخلق أعداء جدد لها في الشرق الأوسط،، في وقت هي مكروهة فيه كما لم يحدث لها من قبل،فأمريكا ليس لها أعداء دائمون ولا أصدقاء دائمون، ولكن لها مصالح عليا تسهر عليها، فأعداء الأمس قد يكونوا أصدقاء اليوم والعكس صحيح،كما يجب ألا ننسي الظروف الدولية والإقليمية الحرجة التي يمر بها الشرق الأوسط ، فالموقف في العراق متأزم ومفتوح على مجاهيل كثيرة، و العنف متزايد على الساحة الفلسطينية، و الأهم من هذا وذاك هو أن الإدارة الأمريكية شغلها الشاغل الآن هو الملف النووي الإيراني، لأنها لن تسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي مهما كلفها ذلك من ثمن، كما أنها مشغولة أيضاً بقص أجنحة ملالي طهران في سوريا وجنوب لبنان. اعتقد أن هذا أهم ndash; على الأقل الآن ndash; للإدارة الأمريكية من تأليب الشرق الأوسط ضدها في قضية أقباط مصر وأقليات الشرق الأوسط.
يأخذ د. محرز على الأقباط ملاحظتين، الأولي هي قوله للأقباط أن عليهم أن يعرفوا في حل مشكلتهم quot;فن الممكن عند التفاوضquot;، لكن يا سي محرز متى طالب الأقباط بالمستحيل؟ هل تعتبر تعديل المادة الثانية في الدستور التي تجعل من الشريعة الإسلامية مصدراً أساسياً لسن القوانين quot;فن المستحيلquot;؟ . وهي مادة عجيبة وغريبة حولت الأمة المصرية، التي يفرقها الدين ويوحدها الوطن المصري والوطنية المصرية، إلى quot;طائفيةquot; متعصبة تريد أن تفرض دينها على مواطنيها غير المسلمين؟! وكم بمصر من المضحكات المبكيات، لأنه كما يقولون quot;شر البلية ما يضحكquot;، لكن علينا الاعتراف بأن الشعب المصري كله يعاني،مسلميه ومسيحيه، لكن الأقباط يعانون مرتين، مرة كإخوانهم المسلمين من الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الصعبة، ومرة أخرى بحرمانهم من بعض حقوقهم الدينية والمدنية التي يتميز بها عليهم إخوانهم المسلمين. فالمناخ العام في مصر الآن ملوث بجرثومة التعصب،من خلال الأعلام الذي سيطر عليه الإخوان المتأسلمون و بثوا من خلاله سموم تعصبهم الأعمى ، لأنهم يعتبرون الأقباط quot;الحيطه المايلهquot; بالتعبير المصري، أو يعتبرونهم رعايا لا مواطنون في بلدهم،و يستخدمونهم كورقة ضغط على الحكومة المصرية، لنيل مزيداً من الامتيازات. ألم يتوعد الغنوشي الأقباط بالإبادة إذا حكم إخوانه في التعصب مصر؟! ، وكذلك من خلال تنقية تعليمنا وخطب جمعنا من هذه الجرثومة التي أفسدت علينا حياتنا، لتعود مصر لكل المصريين. فعندما طالبت بذلك في مؤتمر زيورخ الثاني قال لي البعض:quot;معنى ذلك أن ننتظر حتى تتغير المناهج والإعلام والتعليمquot;، فقلت: نعم، لقد ظلمتم وتحملتم كثيراً عير العصور والقرون، وبدأت لكم الآن بشائر أخذ حقوقكم ، الأقباط اليوم مازالوا لم يأخذوا كل حقوقهم الدينية والمدنية، لكن حالهم أقل سوء من الماضي رغم مذابح الكشح الفظيعة، وغيرها من الاعتداءات الغاشمة التي يمارسها المتأسلمون المتدينون في الأمن المصري .المطلوب الآن الاقتراب من إخوانكم المسلمين المعتدلين، وتقريب وجهات النظر، والانطلاق من نقاط التلاقي بين الديانتين، والبعد كل البعد عن نقاط الاختلاف، لأن التطرق إلى نقاط الاختلاف يصب في خانة التطرف، ويجعل المعتدلين يميلون إلى التطرف، أو في أحسن الأحوال إلى الصمت.
الملحوظة الثانية التي أخذها د. محرز على الأقباط تتعلق بإقحام مشكلة مسيحي لبنان في قضية أقباط مصر،وهو مأخذ مردود ومدسوس من د. محرز الذي حاول دس السم في الدسم، فالمطلوب اليوم هو توحيد جميع أقليات الشرق القومية كالأكراد، والدينية كالمسيحيين صفوفهم للمطالبة بحقوقهم الدينية والمدنية المهضومة. عدو الأقليات واحد: الأنظمة الباغية الطاغية مثل نظام صدام حسين البائد في العراق الحبيب، والذي ساهم فيه الأكراد بنصيب الأسد في إبادته. وعدوها الثاني هو المتأسلمون الذين يحاولون اللعب بورقة الطائفية، والتفريق بين المصريين بقولهم:هذا مسلم، وهذا قبطي، وأنا أقول لهؤلاء الغربان الذين يسعون لخراب مصر خسئتم،بل قولوا هذا مصري قبطي، وهذا مصري مسلم ولا فرق بينهما إلا بالتقوى والعمل الصالح. ليبقي quot;الدين لله والوطن للجميعquot; كما قال ابن مصر البار والأزهري المستنير سعد زغلول.
فعلى الأقباط أن يعوا حقيقة قضيتهم، وكيفية الانطلاق للمطالبة بحقوقهم التي كفلتها لها الشرائع والقوانين الدولية،حتى يحصلوا على حقوقهم ويكسبون مزيداً من التعاطف مع إخوانهم المسلمين المعتدلين، عليهم أن يأخذوا الدرس من الأكراد، فقد صبروا و صابروا وكان لهم النصر في النهاية. والنصر دائماً للمستضعفين في الأرض .
Ashraf
[email protected]