نقلتْ وكالة الأنباء الفرنسية ( يوم 26 / 7 / 2006 )، عن مراسلها بدمشق، ما قال أنها إنطباعات الناس في المدينة، عما يحصل في لبنان؛ وتحت هذا العنوان، اللافت للنظر : quot; نصر الله، صلاح الدين العصر الحديث quot;. في توقفنا هنا عند الخبر الموسوم، لا نستطيع غض النظر عن ذلك التساؤل المشروع، في مدى الحرية المتاحة لمراسل بلدٍ غربيّ ـ كفرنسة ـ المُصنف من لدن نظام دمشق في quot; لائحة quot; الدول المقاوِمة للمقاوَمة ؟ ناهيك عن المدى، المفترض، المتاح لأولئك الناس في التعبير عن آرائهم بـ quot; حرية quot; ؟؛ هذه الكلمة المُغيّبة، كعزيز مفقودٍ، منذ ما ينوف الأربعين عاماً من حكم العسكريتاريا الريفية ـ الطائفية؛ حكم الرعب والإرهاب والتنكيل والإذلال، الذي أفشى في الخلق صفة َ الإستكانة والإستسلام والقدرية. فألا نغضّ الطرفَ، أيضاً، عن رجال الأمن المتعقبين، كظلّ أسودٍ، أثرَ كلّ مراسل أو صحافيّ، أجنبيّ، تبقى الحقيقة، المرّة في بوحَها؛ وهيَ أنّ كلّ مواطن سوريّ، خارجَ الحلقة المرتبطة بالسلطة، أضحى مراقِباً أميناً لنفسه، quot; الأمارة بالسوء quot;؛ وبالتالي فهوَ على معرفةٍ تامة، بما يتوجّب عليه قوله، سواءً بسواء أكانَ ذلك قدام الغريب أم القريب.
عودة إلى تقرير المراسل الفرنسيّ، لنعلمَ منه أنه إستوفى ذلك الإنطباع، عن زعيم حزب الله، خلال زيارة لمقام محرر القدس، الواقع بقلب دمشق؛ المقام الذي كثرَ الإقبال عليه من المواطنين، مؤخراً، بحسب التقرير نفسه. و صِفة التأخير تلك، عائدة ٌ بطبيعة الحال للموصوف، العتيد، الذي أشعل الحرب اللبنانية، الأخيرة، فإستحقّ والحالة تلك ألقابَ البطولة، التاريخية، المتوجة quot;بطولته quot;. وبما أننا في المسار التاريخيّ ذاته، فلربما يجوز لنا مسرىً آخر، أقدم قليلاً، من حق القاريء علينا أن نستعيده ونذكره به : وهوَ أنّ كلّ طاغيةٍ، ثوريّ، في تاريخ العروبة الحديث / الرافض للحداثة، ما كانَ سوى quot; صلاح الدين عصره quot;؛ إعتباراً من أول الإنقلابيين السوريين، الزعيم حسني الزعيم، إلى ثالثهم، العقيد أديب الشيشكلي، إلى آخرهم، الفريق حافظ الأسد؛ مروراً بفرعون مصر الجديدة، عبد الناصر، وزميله العراقيّ صدام حسين؛ وإنتهاءً، ربما، بسماحة السيّد نصر الله، قائد المقاومة اللبنانية : تشكيلة ٌ من الزعماء، المفسدين في أرض بلادهم وأراضي غيرهم، أيضاً؛ خلطة ٌ كارثية، عجيبة، من الإستبداد والفساد والجهالة والظلامية والعقد النفسية، المزمنة : أمّا القدسُ؛ quot; عروسُ عروبتهم quot; ـ على حدّ سكين الكلمة، القاطعة، للشاعر مظفر النواب ـ فما فتئتْ تلك المغتصَبَة، التي يلوّح بمنديل إنتهاكها كلّ متفرعن من هؤلاء، قادم للتوّ إلى سدة الكرسيّ، الأزليّ، وبالتالي إلى الميكروفون البهلوانيّ؛ الإذاعيّ أو التلفزيونيّ.
يستوقفنا في تقرير مراسل ( ا ف ب ) ذاكَ، إلماحته الذكية، عن مغزى quot; التأييد الشعبي الكاسح quot;، الذي يحظى به محررنا الجديد، السيّد نصر الله، الزعيم الشيعيّ اللبنانيّ، بين الجماهير السورية؛ وهيَ الجماعير المنتمي أغلبها للطائفة السنيّة، المغلوبة على أمرها في دولة quot; الطائفة المختارة ! quot;. فالمعروف، على سبيل المثال والمقارنة أيضاً، أنّ صدام حسين في زمن سطوته وإغارته على جارته الشيعية، إيران، كانَ قد حظيَ بهذا اللقب المهيب، quot; صلاح الدين الجديد quot;، من ماكينة إعلامه. فيما دعته هذه الجارة، بحق، بنعتٍ أكثرَ ملاءمة له؛ quot; يزيد العصر quot;، نسبةً لشبيهه في العسف والجبروت، يزيد بن معاوية الأمويّ. وبلغ الإستخفاف وقتئذٍ بعقول السذج من جماهيرنا العربية، أنّ يظهرَ الديكتاتور العراقيّ في لقطة تلفزيونية، إستعراضية، ملوحاً بما زعمَ أنه سيفُ صلاح الدين الأيوبيّ : بينما الوثائق التاريخية، الأصلية، تنبينا بأنّ صلاح الدين، حينما حضره الأجلُ، كان قد أوصى بضمّ سيفه لكفنه : quot; كي يشهدَ أمام الله عليّ quot;؛ كما جاء في سيرته، المدونة من لدن كاتبه إبن شداد. إلا أنه لا يمكن الغضّ عن حقيقة اخرى، وهيَ أنّ الطاغية العراقيّ، البائد، كان قد سوّق ذاته إعلامياً كقرين ـ كذا ـ لمحرر القدس، إنطلاقاً من تشابهات مفترضة في سيرتيْهما : المولد في المدينة ذاتها؛ تكريت، وبفرق ثمانمائة عام بينهما، علاوة على الإنتماء للمذهب نفسه؛ السنيّ، وتعصبهما له. بيْدَ أنّ الأصل الكرديّ، الثابت تاريخياً، لصلاح الدين، كانَ إشكالاً بيناً في تلك المسألة؛ خاصة ً ما عُرفَ عن الشبيه التكريتيّ، البعثيّ، من تعصّب آخر لديه، عروبيّ، وحقدٍ أسودٍ على ملة الكرد، quot; في الشمال الحبيب quot;؛ حدّ قذف مدنهم وقراهم وجبالهم بالأسلحة الكيماوية، التي إستنكفَ عن إيصالها للعدو الصهيونيّ عبْرَ صواريخه، المجيدة، أثناء حرب تحرير الكويت.
كانَ لا بدّ أن يطمئنَ خاطرُ صدام حسين، بشأن ذلك الإشكال، القوميّ، بما وُضِع في خدمته من وثائق تاريخية، مزورة، تعيد أصلَ صلاح الدين للعرب العاربة؛ كما عبّر عنه quot; المؤتمر الدولي quot;، الكسيح، في تكريت، بمناسبة مرور ثمانمائة عام على وفاة الرجل، والذي رعاهُ الرفيق عزة الدوري . الطريف والمؤساوي، في آن معاً، أنه وبالمناسبة نفسها ( عام 1993 )، سيُعقد في بيروت، أيضاً، مؤتمراً مشابهاً؛ وإن كان لأهداف اخرى، لا علاقة لها بتطويب quot; حامي البوابة الشرقية quot;. إذ إنبرى مزبداً مرعداً حزبُ الله، بالذات، متوعداً ومهدداً أولئك الباحثين اللبنانيين، وزملائهم من الدول العربية، القائمين على إحياء ذكرى صلاح الدين : هكذا quot; إحتفى quot; بالمناسبة الحزبُ الذي يقوده السيد نصر الله؛ صلاح الدين العصر ! وبلغ من الحقد الطائفي والعنصري على ذكرى محرر القدس، الكرديّ، أنّ يقوم حسن الأمين، أبرز منظري ذلك الحزب، بوضع كتاب تاريخيّ، بهذا العنوان quot; صلاح الدين بين الفاطميين والعباسيين والصليبيين quot; ( طبعة دار الجديد ـ بيروت 1994 )؛ هذا الكتابُ المتخم بالإفتراءات والمغالطات والخرافات، بهدف النيل من شخصية صلاح الدين. وبما أنّ الكاتب اللبنانيّ هذا، كان آنئذٍ في حِمى الوصيّ البعثيّ، السوريّ، فقد بلغت به القحة أن يُثبت في ملحق كتابه نماذج من رسائله الإرهابية، التي كان قد سبق له وبعثها للمؤتمرين، المجتمعين في العاصمة اللبنانية لإحياء ذكرى محرر القدس. إنّ هذا الأخير، بطبيعة الحال، ليسَ قديساً أو مُطهّراً؛ بل هوَ إنسانٌ قبل كل شيء، بجليل أعماله وقبيحها على السواء. غير أنه تبقى الحقيقة وحدها، ساطعة، وعلى الرغم ممن يتعامون عنها؛ وهيَ أن زعيم حزب الله، لأبعد الناس تشبهاً بصلاح الدين، أعمالاً وأخلاقاً وأفكاراً. هذا، دون أن ننسى، أيضاً، إهانته لملة محرر القدس بالذات؛ بنعته الكرد بـ quot; صهاينة شمال العراق quot;. إلى قيام نصرُ الله هذا بنصرة الطغاة، من شاكلة بعثيي العراق وسورية وملالي إيران.
التعليقات