الإختلاف بوجهات النظر حول أي مسألة تعترض الحياة العامّة على الصعد كافّة السياسيّة والعسكريّة والإقتصاديّة والفكريّة والإجتماعيّة هو حقّ مقدَّس للجميع، بشرط أن يبقى في إطار المصلحة العامّة، أمّا إذا تجاوز ذلك إلى التلاعب بمصائر الناس والأوطان والتخندق في صفّ معسكر الأعداء فلا يعود من الجائز السماح به والسكوت عليه.
ولا أظنّي بسيّد شهداء الحركة الوطنيّة اللبنانيّة القائد الراحل كمال جنبلاط، وتحت أي ظرف من الظروف لو إستمرّ حيّاً أن يسعى وراء خرائط ليثبت أنّ أرضاً لبنانيّة محتلّة من قبل إسرائيل أنّها ليست لبنانيّة كما فعل الأستاذ وليد جنبلاط، ولا أظنّه ينزلق (حاشاه) ليقول فيما إسرائيل تذلّ شعبنا الفلسطيني الأبي يوماً، وتدكّ بأكثر من عشرة آلاف شاب وشيخ وإمرأة وطفل في معتقلاتها، وتنهب المزيد من أرض فلسطين أن إسرائيل quot;لم تعد عدوّة الآنquot;!! كما لا أظنّ أنّه كان سيرتكب تلك الجريمة النكراء (وحاشاه أيضاً) فيقدِّم درع الأرز للأميركي البشع جون بولتن الذي ذاته قلّدته إسرائيل درعها بإعتباره من أهمّ حماتها الدوليين وquot;دبلوماسيّها السادسquot; في أروقة الأمم المتّحدة مثلما فعل السيِّد وليد جنبلاط بالإشتراك مع النائب سعد الحريري ورئيس القوّات اللبنانيّة سمير جعجع.
والصديق الكاتب صائب أبو شقرا عندما يردّ في صحيفة المستقبل على مقالتي المنشورة في quot;إيلافquot; حول quot;إغتيال الحريري وجنبلاط سياسيّاًquot; واقعاً يتميّز بحساسيّة أرقى بما لا يُقاس من تلك التي ندرتْ في ردّ الحزب التقدّمي الإشتراكي ـ فرع سيدني في جريدة النهار على مقال آخر لي نُشِر في إيلاف أيضاً، فالأستاذ صائب وهو من عائلة quot;أبو شقراquot; الكريمة في محتدها العربي والوطني إنّما في ردّه يدلي بدلوه، ويحاول وبكلّ إخلاص أن يقول بثبات الأستاذ وليد جنبلاط على عهد أبيه!، وواضح لديه أنّ البصيرة هي الحكم لا الغرائز وعقليّة القطيع.
فيقول الصديق الكاتب أبو شقرا أنّ الشهيد كمال جنبلاط هو quot;شهيد العروبة والإنسانيّةquot; وهو فعلاً كان يكافح من أجل لبنان quot;حرّ سيِّد مستقلّquot; وعربي ديمقراطي علماني، إنّما أين هي كلّ هذه المبادئ عندما يجلس الأستاذ وليد جنبلاط إلى مائدة هو وقوى 14 شباط على شرف كونداليزا رايس وزيرة الخارجيّة الأميركيّة فيما إسرائيل تعيث دماراً في لبنان بإدارة الدكتورة رايس ذاتها، ويراقبها وهي تنهش بلحم أبناء مروحين الأبرياء؟.
ونعم نحن جميعاً مع التحقيق بالإغتيالات التي شهدها لبنان، وإذا الفاعل هو سوري فلا أقلّ من إعدامه على ما ذهب الرئيس السوري بشّار الأسد (لا أعرف كيف يمكن النيل من الفاعل إذا كان ذراعاً أميركيّة ـ إسرائيليّة مشتركة) لكن ما علاقة التحقيق بجريمة إغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري بالتشكيك بلبنانيّة مزارع شبعا اللبنانيّة والقول الغريب المريب أنّ إسرائيل لم تعد عدوّة وتكريم رأس حربة إسرائيل جون بولتن؟!.
وفي حوار مع الدكتور خالد حدادة الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني وردّاً على سؤال حول الأستاذ وليد جنبلاط قال الدكتور حدادة أنّ حزبه كان دائماً في ورطة، فيغضّ الطرف عن المسالك التي يسلكها الأستاذ وليد quot;مراعاةً لذكرى والده الشهيد الكبير كمال جنبلاطquot; الذي إغتيل عند مفترق سياسي أميركيّ بإمتياز حتى طفح الكيل، وآن الأوان quot;للتعاطي مع وليد جنبلاط على أساس أنّه وليد جنبلاط وليس على أساس أنّه إبن الشهيد الراحل كمال جنبلاطquot;.
المبدأ هو الأصل العاصم من عقليّة الرعيّة، وبهُدي المبدأ يكون الموقف.
[email protected]