فتحت الحرب الأخيرة بين لبنان وإسرائيل الباب على مصراعيه.. للنقاش حول جدوى المقاومة، ولأصوات مهللي الحرب لتتعالى بالمناداة بأن المقاومة الإسلامية أسوة بمقاومة حزب الله.. هي الطريق الوحيد للإنتصار على إسرائيل... بعد فشل الدبلوماسية العربية والدولية في الوصول إلى طريقة للتعامل مع إسرائيل وإقناعها بالإلتزام بالقرارات الدولية للحد من التصعيد المستمر في المنطقة لقطع الطريق على جبهات التطرف التي تتخذ من هذا الملف الساخن ذريعة لتعبئة الشارع العربي والإسلامي غير عابئة بإحتراق الجميع بنار الحرب ترى هل المناداة بالمقاومة الإسلامية ستجبر إسرائيل على العقلانية.. أم أنها ستزيد من ذريعتها للخوف.. وأنها ستضيف إلى ذرائعها بأنها ستصبح ضحية من كل جيرانها في المنطقة.. مستقطبة بذلك الدعم اللا محدود من دول العالم إضافة إلى مقولتها أنها تدافع عنهم جميعا في الحرب على الإرهاب.....
ثمة سيناريوهات عديدة تمخّضت عن هذه الحرب.. منها ما هو خاص بداخل منطقة الشرق الأوسط.. ومنها الخاص بتداعيات هذه الحرب على الجبهة الداخلية في إسرائيل..
الأهم من كلاهما تأثير هذه الحرب على الغرب كله.. بما فيه دول الإتحاد الأوروبي.. ثم تأثيرها على التغيّرات المحتملة في الأرض المحتلة....
مما لا شك فيه بأن أبرز نتيجه لهذه الحرب.. هي زيادة تطرف الشارعين العربي والإسلامي
صور الانتصار سواء كان مزيفا أم حقيقيا تغمر الشارعين.. كلاهما يجمع بينها إحساس الشماتة بفشل إسرائيل في تحقيق الأهداف الإستراتيجيه التي خاضت من أجلها الحرب.. وأعتقد جازمة أنه السبب الأساسي في هذه الأحاسيس..
ولكن هذه المظاهرات وبعفويتها تحمل في سياقها رسالة خطرة إلى كل دول العالم.. الإستطلاع الذي أجراه مركز إبن خلدون في مصر..والذي أظهر أن حسن نصر الله يقع في المرتبة الأولى شعبية ، يليه خالد مشعل ثم الرئيس الايراني أحمد نجادي.. وأن المتظاهرين حملوا صور نصر الله مرددين شعارات إنتصار المقاومة اللبنانية.. كلها تقع في خانة ذرائع إسرائيل.. إضافة إلى ماصرح به الوزير الفرنسي دو فيلبان الذي أكد بأن هذه الحرب هي عامل الربط الأساسي بين الدول الغربيه مجتمعة....وهو ضمنيا الخوف من انتصار التطرف الإسلامي.. وانتشار عدوى هذا الإنتصار على الأحزاب الإسلامية الأخرى في مصر ndash; الأردن - العراق ndash; فلسطين والذي يعني إنتصار ايران في المنطقة..والتي تحمل أجنده إسلامية خالصة وإن كانت لا ترقى إلى تكفير كل ما عداها.
ومن ثم تؤكد الخطر الذي تدّعيه الدولة الإسرائيلية.. والخوف المحدق بها الذي أكدته تصريحات أحمد نجادي بمحوها من الوجود.. وتصريحات السيد حسن نصر الله بأن لا مكان للدولة الإسرائيلية في الشرق الأوسط...
هذه النظرة الشعبية العربية تختلف بين الأوساط الشعبية الغربية.. و التي خرجت إلى الشوارع بمظاهرات عارمه تدعو حكوماتها للتدخل لوقف الحرب فورا.. ترفض اللجوء إلى العنف.. وتطالب الجميع بإنهاء الحروب.. وحماية حقوق كلا الدولتين الإسرائيلية.. واللبنانية.
ولكن نتيجه هذه الحرب المخيفة هو ما نشهده على صفحات الجرائد العربية.. والتلفزيونات ليس فقط المغالاة في خطابات النصر.. بدون النظر في كلفة هذا النصر..أو من الذي يدفع فاتورة هذا الدمار..والذي تأكد فعليا بأنه ليس حزب الله.. ولكن الأخطر من ذلك مناداة بعض المثقفين بإتباع أسلوب مقاومة حزب الله في فلسطين.. مستندا إلى ما ستكون علية قوة المقاومة إذا ما التفت بمحور ثلاثي يضم سوريه ndash; حماس وحزب الله مع ايران.. متناسيا بأن ايران ترهن كل المنطقة العربية.. في العراق ndash;لبنان-فلسطين ndash;سوريا كورقة لتحقيق طموحاتها الإقليمية والدولية.. وسوريه التي لم تحرك ساكنا منذ عشرات السنين على جبهتها الجولانية.. وأن المقاومة اللبنانية وعدم نزع السلاح من الجميع ستحرق كل لبنان إبتداء من وسط بيروت.. إذا لم يتوجه جميع اللبنانيون لترسيخ وتقوية سيادة الدولة اللبنانيه والبدء في عملية سلام...
أما بالنسبة لنسخ صورة هذه المقاومة للأرض المحتلة.. فأنا أتحدى أيا من هؤلاء الكتاب إن يستطيع العيش تحت الاحتلال ولو لشهر واحد.. خاصة وأن لدينا البدائل......
مسؤوليتنا في المغترب أن نحاول البحث عن أسلم الطرق الدبلوماسية لمساعدة الفلسطينيين باستعمال الطرق الديمقراطية الممنوحة لنا في الغرب.. بكل الطرق وبدون أن نضيف إلى معاناتهم بالترويج لثقافة الموت التي كانت السم الذي دسته القيادة الفلسطينية السابقة.. ويروّج له هؤلاء الكتّاب.. وهم في مكاتبهم الأنيقه وحياتهم العائلية الآمنة... وكأن القهر والتجويع والظلم لعشرات السنين ليس كافيا لفلسطيني الداخل..
حان الوقت لإستعمال أسلوب المنطق والحكمة خاصة وبعد الحرب اللبنانية... وبعد إحتمال دخول سوريا في مفاوضات مع إسرائيل إنقاذا لنظامها.. وإحتمالات دخول لبنان في عملية سلمية مشابه لمصر والأردن حماية له...
الوقت مواتّ لنخرج من أزمة تنذر بأزمات تلاحقها إن لم نغلّب العقل ونبدأ بضمائر حية تنادي بالترويج لثقافة السلام بدل ثقافة الموت..
الخلاص من الإحتلال الإسرائيلي في الأرض المحتلة لن يتم بدون الإعتراف بإسرائيل كدولة.. بالأساليب التالية :
إما الإعتراف بإسرائيل وبإملاءاتها وهو ما لا يمكن قبوله..لأنه لن يمثّل الحل العادل وإنما سيؤجل الصراع إلى عقود وأجيال قادمة....
القبول بمبدأ التعايش ضمن الحدود الدوليه لقرار 242..وهو ما تنادي به العديد من منظمات العمل المدني في أوروبا والعالم.. على أن يدّعمة الفلسطينيون أنفسهم بالمبادرة السعودية...
أو تضحية كل المسؤولين الفلسطينيين بالمناصب الوهمية و حل كلا السلطتين الفتحية والحماسية.. وإعادة إسرائيل إلى مربع المسؤولية الدولية على إحتلالها وإنتهاكاتها لكل المواثيق الدولية.. ولكل مواثيق حقوق الإنسان..
التربة الدولية جاهزة وخصبة ببدائل متعدده لدعم هذه الحقوق.. ولكن على أن يتخلى الفلسطينيون كليا عن إستعمال العنف ومقولة محو إسرائيل من الوجود...

أحلام أكرم ndash; باحثة وناشطة في حقوق الإنسان - لندن