تصادف نشر مقالي السابق بعنوان ( ترتيب البيت الفلسطيني: من المسؤول.. وكيف ؟ )، مع مقال جريء وحاد للدكتور غازي حمد الناطق باسم الحكومة الفلسطينية، وهو من قيادة حركة حماس التي تشكل الحكومة الفلسطينية الحالية برئاسة رئيس الوزراء السيد إسماعيل هنية. وسبب عودتي للحالة الفلسطينية وللمقالتين هو رسالة من مواطن فلسطيني يسكن في السويد، قال فيها: ( كنت أعتقد أنك تبالغ كثيرا في مقالتك عن حالة الفوضى والخراب والقتل العشوائي في غزة، إلى أن قرأت في نفس الوقت مقالة الدكتور غازي حمد الناطق باسم حكومة حماس، فإذا هو أكثر تشاؤما وألما وحزنا منك.... ). المقالتان انطلقتا من خلفية الإدانة للممارسات الفلسطينية الشعبية والفردية والحكومية والفصائلية التي شوهت الوجود الإنساني الفلسطيني في قطاع غزة. ويكفي قول غازي حمد ( ما بال غزة هكذا؟ حزينة بائسة مجروحة. دمها لا يتوقف عن النزف ودمعها لا يكف عن الهطول؟... ما بال غزة تئن من سكين الفوضى وسيوف العربدة والزعرنة والمسميات الكثيرة الكاذبة؟... فوضى لا توصف، رجال شرطة غير عابئين، شبان يحملون السلاح على ظهورهم يتبخترون فيها. بيوت عزاء تقام في قلب الشوارع العامة. تسمع بين الحين والآخر عن قتل فلان في بهمة الليل وسرعان ما يكون الرد في صباح اليوم التالي. عائلات تحمل السلاح في حرب بسوس على عائلة أخرى. غزة تحولت إلى مكب نفايات ورائحة نتنة ومياه المجاري تجول فيها. الحكومة غير قادرة على فعل شيء، والمعارضة تتفرج وتتناطح فيما بينها، والرئاسة لا حول لها ولا قوة، ودبت فينا جرثومة البلادة حتى صرنا نسير في الشوارع على غير هدى ).... وتكفي هذه السطور من مقالة الدكتور غازي حمد، وأنا على يقين أن مجمل المقالة الذي كان ينطلق من هذا الحزن والنقد الجارح للجميع، لو كانت منشورة باسم كاتب عادي ليس له الصفة الرسمية التي للدكتور غازي حمد، لوجد من يتهمه بأنه يبالغ ويتعمد تضخيم الحالة السيئة في غزة خدمة للاحتلال، وربما هناك من سيتهم الكاتب بأنه يعمل لحساب الاحتلال!!!.
والمتتبع للوضع السائد في قطاع غزة لا يملك إلا أن يسأل هؤلاء الزعران واللصوص والمفسدين والمناضلين وعصابات السطو والقتل والخطف، أين كانوا في زمن الاحتلال المباشر لقطاع غزة؟. لماذا كانوا في غاية الأدب والمحافظة على النظام؟ ولماذا طوال زمن الاحتلال المباشر من عام 1967 إلى عام 1995 لم يتجرأوا على القيام بأي عمل من أعمالهم الإجرامية الحالية؟. من يتخيل هذه الغابة المسماة (قطاع غزة )؟. فقط أمعنوا النظر في الأخبار التالية المسندة لمصادرها في القطاع:
أولا: ( أفادت مصادر فلسطينية بقيام مسلحين مجهولين باغتيال قائد ألوية الناصر صلاح الدين وهو الجناح المسلح للجان المقاومة الشعبية في شمال قطاع غزة. وأوضحت المصادر أن مجموعة من المسلحين الملثمين أطلقت النار على رائد نخال قائد ألوية الناصر صلاح الدين شمال القطاع مما أدى إلى مقتله. وأضافت المصادر أن رائد كان في سيارته بجانب زوجته حيث أصيب بخمسة عشر رصاصة ).
ثانيا: ( أفاد شهود عيان في غزة أن عددا من المسلحين اقتحموا مختبرا للتحاليل الطبية في شارع اللحام، وقاموا باختطاف مدير المختبر أسامة شهوان، الذي يعمل في كلية العلوم والتكنولوجيا. واتهم مصدر إعلامي في القوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية في مدينة خان يونس مسلحين من عائلة المصري باختطافه على خلفية مقتل أحد أبنائهم بطريق الخطأ من قبل أحد أفراد القوة التنفيذية، حيث أن المواطن المخطوف أحد أقرباء قائد القوة التنفيذية في خان يونس).
ثالثا: ( قامت مجموعة من المسلحين باقتحام سجن أريحا بعد أن استعملوا سيارة شرطة وتخفوا بملابس شرطة، وقتلوا أربعة إخوة في زنزانتهم على خلفية نزاعات عشائرية ).
وهذا العبث ليس على مستوى الأفراد والمجرمين والعصابات، ولكن يشمل كبار مسؤولي الحكومة والرئاسة، وفقط تسلوا بهذه العينة من الأخبار التي تبهج القلب وتعطيكم الأمل بأن الدولة الفلسطينية المستقلة قادمة بعد أسابيع قليلة:
أولا: ( دعت حركة فتح وزير الخارجية في حكومة حماس محمود الزهار إلى سحب أقواله فيما يتصل بشخص الدكتور أحمد صبح وكيل وزارة الخارجية، الذي تهجم عليه الزهار ووصفه بالإرهابي ).
ثانيا: ( اتهم وزير الخارجية محمود الزهار، فاروق القدومي رئيس الدائرة الساسية في منظمة التحرير بتحريض موظفي وزارة الخارجية على عدم الانصياع لتعليماته، على اعتبار أن المسؤولية عن العلاقات الخارجية هي من اختصاص منظمة التحرير وليس من اختصاص الحكومة الفلسطينية )، وللتذكير فقد خاضت السلطة الفلسطينية قبل تشكيل حكومة حماس، حربا علنية ضد فاروق القدومي وصلت لحد نزع كل الصلاحيات منه، كي تثبت أن وزير الخارجية آنذاك ناصر القدوة هو المسؤول عن العلاقات الخارجية وليس فاروق القدومي ، وبعد تشكيل حكومة حماس انقلبت اللعبة فصار فاروق القدومي هو المسؤول عن العلاقات الخارجية وليس محمود الزهار، لأن الزهار ليس ابن أخت ياسر عرفات كما هو ناصر القدوة!.
ثالثا: ( حذر الناطق باسم وزارة الداخلية خالد أبو هلال من تحويل أية مظاهرات احتجاجية من العمال أو الموظفين أو المعلمين إلى ساحة للصراع والفتنة الداخلية... وإن حدث وقتل أحد فلا يجب على أية عائلة أن تسأل لماذا قتل ابنها؟ بل يجب أن تتحمل المسؤولية وتسأل: لماذا حمل ابنها السلاح وأطلق النيران وحاول إثارة الفتنة أثناء المظاهرات السلمية ).
رابعا: ( كشف حسن أبو لبدة الوزير السابق في الحكومة الفلسطينية، أن الحكومة الحالية وبعد مرور حوالي أربعة شهور على تشكيلها، قد اتخذت 210 قرارا من بينها 32% قرارات خاصة فقط بالتعيينات والترقيات، حتى زاد عدد الموظفين الجدد منذ استلام الحكومة مهامها عن 11500 موظف جديد رغم شح الإمكانيات من بينهم 300 مرافق ومستشار).
ونكتفي بهذه الأمثلة كي لا نرفع ضغط وحرارة القراء أكثر، ونعود للسؤال: لماذا لم يوجد هؤلاء الزعران واللصوص والمفسدين في زمن الاحتلال المباشر؟. أدبا أم خوفا؟. وهل هكذا عينات ونماذج ستقود الشعب الفلسطيني نحو الدولة المستقلة، ونضالهم الجدي فقط ضد شعبهم بمختلف الطرق، أما ضد الاحتلال فلا تسأل عن البيانات البلاغية، وإطلاق الصواريخ الوهمية التي سمّاها الرئيس محمد عباس ( المواسير)، ولا تسأل عن عدد التنظيمات والفصائل المجاهدة التي يعلن شهريا عن واحد أو اثنين منه، وأغلبها مجرد عصابات للخطف والابتزاز كما في خطف الصحفيين الأجانب. وأخيرا هل تستغربون قول العديد من أبناء الشعب الفلسطيني ( سقى الله أيام الاحتلال !!). نعم سمعتها بأذني في غزة و رام الله والقدس من أناس وطنيين محترمين معروفين، لأن هذه النماذج من اللصوص والمفسدين حولت قطاع غزة إلى وكر للإجرام وغابة للفساد... و من يشك في ذلك فليعد إلى قراءة مقالة الدكتور غازي حمد كاملة على الرابط التالي:
التعليقات