لبنان لن يعرف هدوءاً ... في السياسة على الأقل
quot;حزب اللهquot; من حرب إلى حرب
أما حكومة الرئيس فؤاد السنيورة ففي منأى عن خطر إسقاطهاما دامت الغالبية غالبية فيها وفي البرلمان. لكن الكلام الذي ساقه السيد نصرالله في مقابلته المتفجرة مع غسان بن جدو على قناة quot;الجزيرةquot; أمس ليس إلا مظهراً لأسلوب صراخي يعتمده أركان في quot;حزب اللهquot;ويتصاعد منذ أيام في المناسبات وعبر الشاشات ، موحياً أن ثمة ما أفقد الحزب أعصابه، وقد لا تكون أسبابه في مواقف quot;قوى 14 آذارquot; وحدها.
في أي حال، من التطورات المتدافعة في الأيام الأخيرة، من بيان quot;14 آذار (مارس)quot; الذي دعا الحزب الشيعي إلى الإلتحاق بالدولة اللبنانية، الى نداء المطارنة الموارنة الذي حضه على التخلي عن الأحلاف الخارجية والتفرد بالرأي، إلى بيان تكتل نواب عون المنذر والمتوعد للحكومة ، إلى بيان quot;حزب اللهquot; الذي رد على quot;14 آذار/ مارسquot; بتخوينهم، وأخيراً كلام السيد نصرالله المدوّي، يتبيّنأن الوضع الداخلي في لبنان يدخل مرحلة ساخنة يسودها التوتر والتحدي، في حين تتجه خطوط المواجهة مع إسرائيل في الجنوب- يا للمفارقة!- إلى الهدوء التام بفضل القرار 1701. قرارضمن أمن حدود الدولة العبرية كما أنهى عملياً التهديد الذي كان يشكله لها سلاح quot;حزب اللهquot;، لكنه أحال معالجة الشق الداخلي من هذا السلاح على عاتق الحكومة اللبنانية مما أشعل شياطين الحذر والتوتر في البيئة السياسية اللبنانية، حيث يتشبث الحزب الشيعي بسلاحه وإن متعطلاً ربما quot;لغدرات الزمنquot; أو لأنه quot;زينة الرجالquot;.
وفي المطلق ليس أصعب على ميليشيا من أن تسلم سلاحها ، خصوصاً إذا لم تكن هُزمت عسكرياً ، أو إذا لم تشعر وتقتنع بأنها هُزمت. وقد عرف لبنان قبل بروز معضلة quot;حزب اللهquot; ترددات ميليشيات مشابهة قبل تخليها عن السلاح واقتناعها بأن الدولة الضامنة للجميع تبقى أفضل لها وللكل . وما يمكن استخلاصه من كلام السيد نصرالله أن حزبه قرر القطيعة مع quot;قوى ١٤ آذار/ مارسquot; والافتراق عنها، والمقصود تحديدا وخصوصاً quot;تيار المستقبلquot; الذي يقوده النائب سعد رفيق الحريري، ووقف كل أشكال العلاقة السياسية معه وما كان موجودا من حد أدنى من التنسيق والاتصال، باعتبار ان علاقة quot;حزب اللهquot; مع قوى وفصائل أخرى فيquot; ١٤ آذار/مارسquot; وأبرزها الحزب التقدمي الاشتراكي وحزب quot;القوات اللبنانيةquot; مقطوعة أصلاً بسبب دعواتها الحادة إلى نزع سلاح الحزب، وقد زادتها تدهورا الحرب الأخيرة وأخذ هذه الأحزاب والقوى على نصرالله أنه أخطأ في حساباته عندما تسبب بها ، باعترافه الشخصي والعلني.
لكن الموقف الأبعد الذي وصل إليه الأمين العام للحزب الشيعي هو اتهامه بالأمس القوى التي لا تشاركه النظرة إلى سلاحه بالخيانة والعمالة لاسرائيل والطعن في الظهر خلال الحرب بسكاكين سياسية واعلامية. وأكثر من ذلك حكى عن شراكة في الحرب بين هؤلاء واسرائيل، مهددا بquot;فضحquot; ما كانquot; يُقالquot; في الغرف المغلقة.
مقابل هذه النظرة الشديدة التجهم، قرر السيد نصرالله توثيق تحالفاته مع quot;القوى السياسية الصديقة وتحديدا التي ساندت حزبه في الحرب وإن بالموقف: quot;هؤلاء ليسوا شركاء في النصر فقط بل لهم علينا دين يبقى في رقابنا الى يوم القيامةquot; على ما قال . والأرجح ان تكون الترجمة العملية لهذا التوجه نشوء جبهة سياسية موازية لquot; قوى 14 آذار/مارسquot; بقيادة الثنائي السيد نصرالله والجنرال عون.أما أولى مهمات هذه الجبهة فستكون السعي إلى إسقاط حكومة الرئيس السنيورة .
ويبدو أن السيد نصرالله اتخذ قراره المبدئي بسحب وزرائه من الحكومة، لكنه ينتظر التوقيت المناسب لتنفيذه وتوافر بعض شروط ، أبرزها ألا يتمكن فريق الغالبية من السير بالحكومة بمن حضر من الشيعة، باعتبار أن وزراء quot;الكتلة الشيعيةquot;-إذا كانتلا تزال كتلة بعد دفاع الرئيس نبيه بري مراراً عن الحكومة- وحليفها الرئيس إميل لحود، لا يشكلون الثلث الذي يفرض باستقالته استقالة الحكومة .
كذلك ينتظر نصرالله توافر ظروف ملائمة منها تصفية آثار الحرب العميقة والتأكد من ثبات الهدنة واكتمال وصول القوة الدولية المعززة وانطلاق مسيرة إعادة الإعمار من أجل التثبت من تلاشي احتمالات اندلاع الحرب مجدداً، لأنه في هذه الحال سيكون مضطراٌ للجوء إلى السنيورة كما فعل في الحرب الأخيرة كي يوقف بأي وسيلة الهجمات الإسرائيلية من خلال اتصالاته الدولية والعربية. ويحتاج الأمين العام كذلك إلى التفاهم مع الرئيس بري على الخطوة التالية وعلى ظروف التغيير الحكومي وكيفية حصوله ، باعتبار أن للقطب الآخر في الثنائية الشيعية موقعه المهم والمرجح وحساباته الخاصة التي لا مكان فيها حالياً لاحتمال إسقاط حكومة السنيورة . حسابات كان يهملها في المرحلة السابقة ، وعادت إلى البروز خصوصاً بعدما جرّ quot;حزب اللهquot; الطائفة الشهر الماضي إلى نكبة حقيقية على كل الأصعدة.
ويمكن القول بإيجاز في ضوء هذا الواقع إن quot;حزب اللهquot; ينتقل بخطابه الجديد بقفزة واحدة من حرب عسكرية الى حرب سياسية،وإنه قرر مغادرة المنطقة الرمادية او الوسطية الملتبسة التي كان يقف فيها طيلة الأشهر الماضية، ولم يعد في امكانه الاستمرار داخل الحكومة وضدها، في علاقة تحالف مع الجنرال عون من جهة، والإرتباط باعتبارات وحسابات في العلاقة مع quot; تيار المستقبلquot; من جهة.
جنبلاط والشعور بالخديعة
ولا شك في أن خطاب نصرالله الجديد أشاع ارتياحاً في أوساط حلفائه، لا سيما من العونيين وحلفاء آخرين للنظام السوري اعتبروا انه حسم خياراته السياسية أخيرا بعدما كانوا يأخذون عليه تحالفه مع quot; قوى ١٤ آذار/مارسquot; في الانتخابات النيابية ومهادنة الحكومة ومسايرة رئيسها والانفتاح على النائب الحريري ومحاورته وعقد لقاءات طويلة معه لم تصل الى نتيجة، لا بل استعملت ضده ، على غرار اللقاء الذي عقداه قبل أيام من 12 تموز/ يوليو ووعد فيه نصرالله الحريري بألا يُقدم مسلحو حزبه على عمليات عسكرية تثير ردود فعل إسرائيلية وتؤدي إلى تخريب محاولات النهوض باقتصاد لبنان المرهق ( لا بأس في السياق في إشارة إلى قول أوساط قريبة من رئيس quot;اللقاء الديموقراطيquot; النائب وليد جنبلاط إنه شعر بشيء من quot;الخديعةquot; تماماً مثل النائب الحريري ، وإن الرجلين صدما بخطف الجنديين الإسرائيليين ونشوب الحرب ، خصوصا ان طاولة الحوار كانت لا تزال قائمة في مجلس النواب، والتطمينات إلى quot;صيف هادىءquot; كانت تكررت من quot; حزب اللهquot; ).
في أي حال ، مع إعلان الحزب الشيعي عزمه على المواجهة السياسية المفتوحة، يتهيأ أركان في قوى الغالبية لنمط جديد من التعامل مع الحزب والتخلي عن كل الاعتبارات السابقة التي كانت تدفع الى مسايرته ومراعاة موقعه الخاص. والمواجهة سيقودها عمليا النائب جنبلاط الذي كان السباق الى فتح ملف quot;حزب اللهquot; المعرقل، من وجهة نظر الغالبية، لقيام الدولة في لبنان، تماما كما كان السباق الى فتح ملف الوجود العسكري السوري في لبنان.
وستدور المواجهة تحت عنوان quot;الحكومةquot;، فيما مفاعيلها وآفاقها تمتد الى انتخابات رئاسة الجمهورية ، مما يضع لبنان على مشارف مرحلة حساسة ودقيقة جدا ووسط احتمالين واتجاهين: إما الدخول في مواجهة شاملة ومفتوحة وشرسة، تستخدم فيها كل الأسلحة السياسية والاعلامية والشعبية المتاحة، وهذا وضع يوصل إلى أخطار اندلاع أزمة سياسية كبيرة تتجلى في أزمة حكومة وحكم، فوضى في الشارع، وتوترات أمنية واغتيالات جديدة... وإما العودة الى quot;مؤتمر الحوار الوطنيquot; بصيغة وعناوين جديدة كإطار لتسوية سياسية شاملة تتضمن كل المواضيع الداخلية، مثل رئاسة الجمهورية ووضع الحكومة وقانون الانتخابات، وفق مبدأ السلة الواحدة، وكوسيلة لمنع انتقال الأزمة الى الشارع الذي لم يكن ينقصه إلا صراخ سياسي بعد الصراخ الحربي لتكتمل الفاجعة في الوطن الصغير.
التعليقات