سعيد أبو المعاطى المواطن الديموقراطى (20)

كانت سعادة سعيد وأمه بفوز سعاد (نور العيون) بالمركز الثانى فى مسابقة جمال مصر بالإسكندرية سعادة لاتوصف، وعرف سعيد أن سعاد فى طريقها إلى تحقيق حلمها وما عليها إلا أن تدرس وتعمل وتجتهد بعد أن إنفتحت لها الأبواب على مصراعيها، وعرفت باقى أسرة أبو المعاطى سناء وسعدية حتى سلوى آخر العنقود وسعدوا أيما سعادة عندما إشترى سعيد عددا من المجلات الفنية التى قامت بتغطية أحداث الحفل الختامى لمسابقة جمال مصر. ولكن سعدية نظرت بحزن إلى صور (نور العيون) فى المجلات وهى تحتضن فتاة شرم الشيخ (ملكة جمال مصر)، وأخذت مجلة من المجلات التى نشرت صورة( نور العيون) على غلافها، ووجدت نفسها تتجه إلى الترعة، وتوقفت عند الهويس وهى توجه صورة سعاد على الغلاف ناحية الهويس ووجدت نفسها تبكى وهى تتذكر توأمها سعيدة والتى فقدتها فى الترعة وتقول:
- شايفة ياسعيدة دى صورة أختنا سعاد، إيه رأيك بالذمة مش حلوة.
وأخذت سعدية تحادث الهويس وتبكى، حتى وجدت يدا تربت على كتفها، فوجدت شقيقتها سناء خلفها تسألها:
- إيه ياسعدية بتعملى إيه هنا ؟
- أنا دايما بآجى هنا لما أكون متضايقة أو حتى لما بأكون مبسوطة أكلم سعيدة وأحكى لها عن أحوالنا.
- سعيدة كانت أمانة عندنا وربنا أخد أمانته.
- طيب ليه ربنا ما خدنيش بدلها أو على الأقل كان ياخدنا سوا، مش إحنا إتولدنا سوا، كان مفروض نرجع الأمانة كاملة، إنما ربنا أخذ نص الأمانة بس.
- ربنا له حكمة فى كدة
- أنا نفسى أفهم إيه الحكمة فى كدة، أنامش شايفة أى حكمة فى الموت.
- ما تكفريش ياسعدية، الموت علينا حق.
- لأ وإنتى الصادقة... الموت علينا ظلم.
- وحدى الله، يلا بينا نرجع البيت.
- سيبينى لوحدى شوية، خلينى أكلم سعيدة شوية.
تركتها سناء، جلست سعدية على الترعة وكانت الشمس فى الأفق تقترب من المغيب، ومنذ أن غابت سعيدة لم تتقبل سعدية فكرة موتها وكانت دائما تسير بجوار الترعة وتأمل أن تخرج سعيدة من الترعة وهى ترتدى ملابس ملائكية، وكانت تستيظ فى الصباح الباكر وتجلس على المصطبة أمام البيت فى إنتظار عودة سعيدة، ولكن الغائب لم يعد، وبرغم كل شئ لم تفقد الأمل.
....
إستطاع سعيد ودولت إختلاس بعض لحظات السعادة والحب سواء فى شقة صديقه عمر الحداد فى رشيد أوأحيانا كانا يذهبان إلى الإسكندرية فى شقة سعاد، وهناك كانا يشعران بالراحة أكثر، وبالتدريج بدأ الشعور بالذنب يخف لدى دولت، وفى الحقيقة إطمأنت إلى وضع الزواج العرفى، فهى مازات تعيش مع أمها وأبيها وفى نفس الوقت كلما إشتاقت إلى سعيد تذهب معه للإستمتاع بالحب، ولم تنغص على حياتهما الأمور اليومية فى الحياة الزوجية التقليدية، وفى نفس الوقت إستمر سعيد فى العناية بأسرته، وأعطى إهتماما خاصا بسلوى آخر العنقود، والتى يبدو أنها سوف تتفوق على الجميع.
...
إستدعى الحاج عفيفى.. سعيد وسأله عن ورقة العمل المفروض تقديمها إلى فرع الحزب بالإسكندرية، تمهيدا لتقديمها لمؤتمر الحزب القادم بالإسكندرية، ووعده سعيد بأنه سوف يعمل على الإنتهاء منها فى خلال أيام وأخفى عنه أنه لم يكن قد بدأ فى كتابة حرف واحد من ورقة العمل نظرا لإنشغاله مع دولت.
وقرر سعيد أنه لابد أن يفى بوعده للحاج عفيفى، لذلك خصص معظم ساعات اليوم لكتابة البرنامج، وفى النهاية وضع تصوره لورقة العمل كالتالى :
......
ورقة عمل فر ع الحزب برشيد
تمهيد تاريخى
تطور الإنسان عبر التاريخ من الخلية الواحدة (الأسرة) إلى التجمعات السكنية المتفرقة (القبيلة) وبعد إضطر الإنسان لتبادل السلع ظهر النشاط التجارى وبدأت مرحلة جدية فى التاريخ الإنسانى وهى ظهور (المدينة)، ومع تزايد النشاط الإنسانى ظهرت (الشعوب) والتى تربطها عناصر وسمات تفرق بين شعب وشعب، ثم ظهرت ضرورة (الحكومة) أساسا للدفاع عن هذا الشعب وجباية الضرائب لسداد مصاريف الدفاع، وبذلك بدأت (الدولة) فى التشكل، ومع تزايد تعداد البشر وتعداد الأنشطة تعقدت وظيفة (الحكومة) فى الحفاظ على تماسك (الدولة)، ومع بداية عصر النهضة الصناعية، بدأت الهوة تتسع بين (الدول) و (الشعوب) التى أخذت بالأسوب العلمى وبأساليب النهضة الصناعية، وبين التجمعات السكنية التى مازالت تعيش فى عصر (القبيلة)، وبدأت (القبيلة) المتخلفة تكرة (الدولة) المتقدمة، وكلما زادت الهوة بين (القبيلة) و(الدولة) إزدادت الكراهية، وتحاول (القبيلة) أن تعود ب (الدولة) إلى مرحلة (القبيلة).
وفى أواخرالقرن العشرين ظهرت مجموعات جديدة من الدول قررت أن تختصر المسافات والأزمان الكونية فى التطور، وبدلا من أن تمر بنفس مامرت به الأمم المتقدمة من حروب أهلية وحروب عالمية قررت أن تبدأ من حيث ما إنتهى الآخرون بدلا ممن البدء من الصفر، ومن هذه الدول على سبيل الذكر: سنغافورة، ماليزيا، تايلاند، إندونيسيا، الفيلبين، دبى.
والخيار واضح الآن أمامنا : هل نبدأ من الصفر من مرحلة (القبيلة)؟ أم نبدأ من حيث ما إنتهى الآخرون ؟ (مثل دبى : أقرب مثال ناجح لنا)

الهدف
هدف أى نظام سياسى أو حزب أو حكومة هو تحقيق سعادة ورفاهية المواطن من خلال ضمان حريته ومعاملته كمواطن له كافة الحقوق وعليه كل الواجبات وتحقيق عدالة الفرص أمام الجميع. فإذا إستطاعت الديموقراطية والسوق الحر تحقيق ذلك كان خيرا وبركة، أما إذا إستطاعت رأسمالية الدولة تحقيق ذلك، كان بها، فعلى كل شعب أن يختار النظام الذى يناسبه من الأنظمة الناجحة فى العالم، ويمكن أيضا عمل توليفة من بعض الأنظمة الناجحة، المهم فى النهاية هو (المواطن).

الوسيلة
الآن بعد ما عرفنا الهدف ألا وهو إسعاد المواطن وتحقيق رفاهيته، يجب أن نعرف ما هى الوسيلة لتحقيق ذلك، وكثير من الساسة يكتفون بذكر الهدف كلافتة بدون تفصيل الوسائل.

ماهى وسائل تقييم نجاح سعادة المواطن ؟ لدى الأمم المتحدة مقاييس عالمية متفق عليها لقياس نجاح الدولة والمجتمع فى تحقيق سعادة المواطن، وهى على سبيل المثال:
العناية الصحية، ويمثلها متوسط عمر الإنسان، ونسبة الوفيات بين الأطفال.

التنمية البشرية : نسبة إنتشار الأمية، عدد الجامعات بالنسبة لعدد المواطنين، ترتيب الجامعات الواردة فى أفضل تقييم للجامعات فى العالم، عدد الأبحاث الصادرة من البلد والتى تم الإستفادة منها فى العالم، عدد المدارس المهنية وتأهيل المديرين، إلخ وسائل التنمية البشرية.

تنمية المرأة: المرأة فى العالم كله حتى فى أعرق البلاد تقدما مازالت خلف الرجل، وحركة مساواة المرأة بالرجل هى حركة حديثة نسبيا فى التاريخ الإنسانى. ولقياس مدى إهتمام الشعو ب بتنمية المرأة يتم قياس هذا يإحصائيات تظهر عدد المناصب المرموقة التى تشغلها المرأة، عدد الشركات التى ترأسها المرأة، نسبة المرأة فى مراحل التعليم المختلفة، والمرأة هى نصف المجتمع، والمجتمع الذى يتجاهل دور المرأة فى نموه وتطويره هو مجتمع مريض أعرج يسير على ساق واحدة.

حقوق الأقليات: أصبح مدى حصول الأقليات على حقوق المواطنة غير منقوصة من المقاييس الأساسية لقياس سعادة المواطن، ليس هذا فحسب، بل ويجب إعطاء الأقليات فرص أكثر من الأغلبية فى مرحلة إنتقالية للتكفير عن أى ظلم قد يكون حاق بهم فى العصورالماضية.

محاربة الفساد: الفساد إنتشر فى بعض المجتمعات بحيث أصبح يشكل مؤسسة غير شرعية قد يفوق حجمها أى مؤسسة شرعية، بحيث أصبح القضاء عليه واجب أساسى كجزء من أى خطة تنمية، فوجود الفساد بهذا الحجم هو معوق ويشكل خطرا على السلام الإجتماعى وويهدم الأسس التى تبنى عليها المجتمعات من القيم أخلاقية مثل الأمانة والصدق وتقديس قيمة العمل الشريف.

وعلى هذا يصبح تحقيق سعادة المواطن على الشكل التالى:
(1) تطوير الحد الأدنى من الرعاية الصحية لجميع أفراد المجتمع وخاصة الأطفال والعجزة غير القادرين، وورفع مستوى دراسة الطب والتمريض، وتشجيع الأثرياء (بإعطائهم إعفاءات ضريبية) لبناء الدور الصحية للفقراء للعلاج نظير أجر رمزى.
(2) إعطاء ميزانية التعليم البند الأكبر فى ميزانية الدولة قبل الدفاع، تحسين دخل المدرس، بناء مدارس حديثة بها ملاعب رياضية وصالات فنية، الإهتمام بدراسة الرياضيات والعلوم والفنون والموسيقى، بدون تعليم حكومى جيد لا أمل فى أى إصلاح، الدولة التى لا تهتم بتعليم فقرائها لن تر الضوء فى نهاية نفق التخلف المظلم، لأن فقراؤها سوف يزدادون فقرا حتى تنوء بحملهم الدولة، لذلك يجب الإستعانة والإقتباس وترجمة برامج التعليم فى الدول الصناعية الكبرى (اليابان، ألمانيا، أمريكا، فرنسا، إلخ...) وتطبيقها على مدارسنا من المرحلة الإبتدائية وحتى المرحلة الجامعية.
(3) مضاعفة عدد المدارس المهنية للتدريب على المهن التى يحتاجها المجتمع فى الصناعة والزراعة والبناء والصيانة والإتصالات والإدارة، بدون إتقان العمل و رقابة جودته، لن نستطيع المنافسة فى العالم، ولن يتأتى الإتقان بدون التدريب وخاصة على أيادى أجنبية.
(4) تخصيص نسبة خاصة فى كافة المؤسسات الرسمية والنقابات الأهلية للكفاءات من النساء والأقليات.
(5) محاربة الفساد لن يأت عن طريق شعارات، ولكن يجب أن يأتى عن طريق المثال الطيب من كافة المسئولين، لذلك يجب محاسبة المدير الفاسد قبل محاسبة فراش مكتبه الفاسد.
(6) تحرير المواطن من العبودية للغير، هذا المواطن الذى بقى عبدا لآلاف السنين، حان الوقت لكى يشعر أنه quot;سيدquot; مصيره، وهذا لن يتأتى إلا بتعليمه وإشراكه فى تحقيق مصيره.
.....

وإستمر سعيد فى كتابة تفاصيل ورقة العمل، وفوجئ بأنها أصبحت أكثر من خمسين صفحة، وشعر بفخر بأن سهر الليالى لم يذهب هباء، وذهب وقدم (ورقة العمل) والتى أطلق عليها quot;بناء مجتمع القرن الواحد والعشرينquot; إلى الحاج عفيفى الذى تصفحها سريعا، ثم قال لسعيد:
- إيه الكلام الكبير ده ياعم سعيد، ده إنت صحيح رئيس لجنة السياسات، أنا ياعم مش قد الكلام ده، إنت عليك بالدكتور نبيل نصيف فى الحزب فى الإسكندرية تشرح له الكلام ده علشان يقدمها مع أفكاره إلى المؤتمر.
وبالفعل ذهب سعيد إلى الإسكندرية فى اليوم التالى بعد أن دبر له الحاج عفيفى مقابلة مع الدكتور نبيل نصيف، وكانت أول زيارة لسعيد لمقر الحزب بالإسكندرية، وتعجب سعيد من فخامة مقر الحزب، ويبدو أن مبنى الحزب كان قصرا عظيما فى الأيام الخوالى وتم الإستيلاء عليه من ضمن غنائم الثورة، وبرغم كل محاولات التشويه إلا أن المبنى مازالت له ملامح العظمة، مثل العجوز التى جار عليها الزمن وإن كانت لا تزال تحافظ على قوامها ومازالت مسحة الجمال تعلو جبينها.

ورحب به الدكتور نبيل نصيف وأعطاه سعيد نسخة من ورقة العمل، ونظر إليها بإهمال مصطنع وتعجب من حجمها ووضعها فى درج مكتبه وهو يقول :
- أن شاء الله حأبقى أطلع عليها على رواقة.
- إن شاء الله حتعجبك. ونقدمها للمؤتمر.
- أنا حأحاول أعمل ورقة عمل واحدة وأقدمها فى المؤتمر على أنها ورقة مشتركة ما بين رشيد والإسكندرية.
- إللى تشوفه يادكتور، بس ياريت وقتك يسمح إنك تقرا ورقة العمل لأنى بذلت فيها مجهود جامد، وأخذت منى ليالى من السهر والقراءة والبحث.
- لأ واضح إنك عملت شغل كويس، إحنا نفسنا نكسبك عندنا هنا فى الحزب فى الإسكندرية، نحب يكون عندنا شباب مثقف ومخلص زيك معانا.
- أنا تحت أمرك بس سيادتك عارف إن أنا أهلى كلهم فى رشيد وأنا أعتقد إنى ممكن أفيد الحزب أكثر فى رشيد.
- على العموم نتكلم فى الموضوع ده بعد المؤتمر، وعلى فكرة أنا ناوى أعرفك بأعضاء أمانة الحزب إللى جايين من مصر، ومش بعيد تسلم على الريس وتاخد صورة معاه كمان، الحاجات دى بتنفع قوى، لما تعلق صورة زى كده فى مكتبك فى رشيد.
- زى صورة سعادتك دى معاه؟
- آه الصورة دى أخدتها لما الريس جه من سنتين يخطب فى جامعة الإسكندرية.
- طيب إن شاء الله نشوفك فى المؤتمر، أنا جاى مع الحاج سعيد وبعض شباب الحزب من رشيد.
- إبقى سلم على الحاج سعيد وقول له يبعث أسماء كل الجايين وأرقام بطاقاتهم الشخصية علشان الأمن بيطلب المعلومات دى.
- أمرك يادكتور.
- وبعدين إبقى خليهم يتدربوا على شوية الهتافات الحلوة إللى إنت كتبتها.
(يبتسم سعيد عندما تذكر الهتافات):
- وكمان حأقولهم يشربوا جنزبيل قبل المؤتمر علشان صوتهم ما يضيعش من شدة الهتافات.
....

بدأ سعيد يستعد للمؤتمر، ولم يكن قد لبس بدلة فى حياته، لأنه لم يكن يحتاج لذلك من جهة ومن جهة أخرى ميزانيته لا تحتمل ثمن البدلة، لذلك قرر أن يذهب إلى سعاد والذى أخذته إلى محل ملابس فخم بالأسكندرية وفوجئ بمدير وعمال المحل يهبون لخدمتها وينادونها بإسمها الفنى (نور العيون)، وإختارت سعاد لشقيقها طاقم كامل بدلة وقميصين وكرافتة وحذاء حتى لم تنس الشراب، وقالت له بعد أن لبس كل هذا :
- أهو إنت دلوقت تنفع تيجى تشتغل معانا فى التليفزيون.
- بس أنا حاسس إنى واحد تانى، وحاسس إنى quot;قلقانquot; فى البدلة دى !!
- معلهش مصيرك تتعود على البدلة والوجاهة.
ورفض مدير المحل أن يتقاضى من سعاد كامل الثمن وأعطاها تخفيضا كبيرا، وأصر أن يأخذ صورة معها وكذلك بعض موظفات المحل، وحاول سعيد أن يقف معهن فى الصورة، فدفعه بعيدا مدير المحل برفق، ولاحظ سعيد أخته من خارج الصورة، وقال لنفسه (ما شاء الله ياسعاد، خلاص أصبحتى نجمة).
...
وفى ليلة المؤتمر لم ينم سعيد من التوتر، بل وأخذ يفكر أفكارا جنونيا كيف يستغل هذه الفرصة التى قد لاتتاح له أو لأى فرد من أفراد الشعب الغلابة كى يكون قريبا هذا القرب من كل رموز السلطة.
وفى الصباح الباكر ركب سعيد مع الحاج عفيفى فى سيارته، وتوسط سعيد لدى الحاج عفيفى لكى يضع دولت فى كشف أعضاء الحزب والذين وقع عليهم الإختيار لحضور المؤتمر، وقال له:
- ياحاج لا بد من تمثيل المرأة فى المؤتمر، وحنلاقى أحسن من دولت مين لتمثيل ستات رشيد.
فوافق الحاج وهو لا يدرى أن سعيد أصر على حضور دولت quot;لشئ فى نفس يعقوبquot;. وفوجئ بالحاج عفيفى يصر على أن تركب دولت فى سيارته، وقال له:
- مش معقولة بنت محترمة زى دولت تركب أتوبيس الهتيفة مع quot;ألاضيشquot; الحزب.
أما quot;هتيفةquot; الحزب فقد تم إستعارة أتوبيس شركة قطاع عام لركوبهم، وسار الحاج سعيد أمام الركب، وهو يسمع الهتافات قادمة من ورائه فى أتوبيس الهتيفة :
quot;يامحنى ديل العصفورة.. ورشيد هى المنصورةquot;

وقال سعيد للحاج عفيفى :
- الهتاف ده يلخبط قوى ياحاج، معقولة رشيد هى المنصورة!! يعنى إحنا وفد رشيد ولا وفد المنصورة!!
- الله يجازيك ياسعيد.
...
ووصل الركب قبل موعد بدء المؤتمر بعدة ساعات وسط إجراءات أمن لم ير سعيد مثلها فى حياته، وبدأ المؤتمر أخيرا ولمح سعيد الدكتور نبيل نصيف جالسا خلف المنصة الرئيسية.
ثم أخذ المتحدثون يتحدثون من كافة المحافظات عن مشاكلهم وكانت أقلية منهم تتحدث بعقلانية، أما أغلبية المتحدثون فكان كل همهم هو نفاق السيد الرئيس وأعضاء الأمانة العامة للحزب، وإستاء سعيد من هذا كثيرا.
وفجأة ضجت القاعة بالتصفيق فقد دخل السيد الرئيس، وأحس سعيد بالهيبة والرهبة من رؤية الرئيس، وكان يشاهد الرئيس لأول مرة فى حياته فى الحقيقة، وهو الرئيس الوحيد الذى عرفة، لأن الرئيس السابق قد مات وسعيد كان لازال طفلا، لذلك فهذا هو quot;رئيسهquot; الوحيد، ونشط أعضاء رشيد من حوله وهم يهتفون:
quot;شرفت ياريس يا معلم.. فرع رشيد عليك بيسلمquot;
quot;نورت ياريس ياحبيبنا... مين غيرك يقدر يسعدناquot;
quot;يامحنى ديل العصفورة.. ورشيد هى المنصورةquot;
quot;تطرف إيه وإرهاب إيه.. إحنا شبابنا إسم الله عليهquot;
quot;لا فساد ولا إستغلال... كرامتنا عال العالquot;
....
وإستمر المتحدثون الواحد تلو الآخر حتى جاء دور الدكتور نبيل نصيف فوجد سعيد نفسه يصفق بحرارة، وتحدث الدكتور نبيل عن الإصلاح وتبسم سعيدعندما وجده قد إقتبس مقتطفات من ورقة العمل التى جهزها، ولم يهمه أن الدكتور قد نسبها لنفسه، مايهمه هو الإصلاح، ولم ينافق الدكتور نبيل الرئيس بشدة كما فعل أغلبية المتحدثون، ولكنه نافقه (على خفيف).

...
ثم جاء دور خطاب الرئيس، والذى قاطعه (الهتيفة) من كافة المحافظات بهتافات مختلفة، وفوجئ سعيد بمواهب الهتيفة فى تأليف الهتافات وقال لنفسه لو إستغلوا كل هذه المواهب فى أشياء تنفع الناس لإنصلح حال البلد.
....

وفى أثناء لحظة سكون نادرة أثناء إلقاء الرئيس لخطابه وكان يتحدث عن منجزات العام الماضى، فوجئ الكل والرئيس مندمجا فى كلامه على الهواء فى التليفزيون والراديو، بسعيد يخرج من حقيبته ورقة العمل التى جهزها ويقف على الكرسى ببدلته الجديدة الفاخرة ملوحا بورقة العمل ويهتف بأعلى صوته :
quot;صحى النوم...صحى النوم.... لا عبودية بعد اليوم quot;
ولم يتوقف الرئيس عن الإستمرار فى خطابه ولم يتوقف سعيد كذلك عن مقاطعته بهذا الهتاف، وفوجئ سعيد بالحاج عفيفى يحاول أن يجذبه من طرف البدلة الجديدة لكى يجلس على الكرسى ويقول:
- إقعد ياسعيد الله يخرب بيتك حتخرب بيتنا.
ولكن سعيد إنتابته حالة من الهيستيريا،وإستمر فى تكرار نفس الهتاف، حتى أن الرئيس بدأ فى الإنتباه وتوقف عن خطابه ونظر ناحية سعيد، وفوجئ سعيد بالحاج عفيفى يقف ويقول:
- ياريس العضو ده مش معانا فى فرع رشيد، إحنا قررنا فصله من الحزب.
الرئيس يخاطب سعيد قائلا:
- تعالى يابنى هنا عندى علشان أسمعك كويس.
(يشير الرئيس إلى بعض رجال الأمن لإحضار سعيد )
يسير سعيد بكبرياء وقوة لا يعرف من أين جاءته، رافعا ورقة العمل، مستمرا فى هتافه:
quot;صحى النوم...صحى النوم.... لا عبودية بعد اليوم quot;
ويصعد إلى المنصة ويتوجه إلى الرئيس، والذى فاجأ سعيد بأن مد له يده للتحية، فتوقف سعيد عن الهتاف وصافح الرئيس وسط هتافات أعضاء الحزب الفجائية:
quot;عاش الرئيس... القائد المتسامحquot;
quot;عاش الرئيس... الأب الحنونquot;
...
ودار حوارا قصيرا بين الرئيس وسعيد ومازالت كاميرات التليفزيون تتابع على الهواء.
- إيه مالك ياإبنى... إنت إسمك إيه وبلدكم إيه؟
- أنا من رشيد... خدامك سعيد... لأ مش خدامك... أنا سعيد أبو المعاطى زميلك فى الوطن.
- والله كويس إنت زميلى، ده شئ يشرفنى.
- ويشرفنى أنا كمان إنى أكون زميلك فى المواطنة، وعاوزين نضم ملايين المواطنين علشان يكونوا زملائنا فى المواطنة.
- ده كلام جميل ياسعيد ياإبنى، ولا بلاش أحسن تزعل من كلمة إبنى، ياسعيد يازميلى فى المواطنة.
(يضحك الحاضرون)
- وإيه الكراسة إللى فى إيدك دى ياسعيد ؟
- دى ورقة عمل علشان بناء مجتمعنا فى القرن الواحد والعشرين.
(يمسك الرئيس بورقة العمل ويتصفحها سريعا، ويعطيعها إلى أقرب معاونيه)
- دى حاجة عظيمة جدا ياسعيد، إحنا عاوزينك تيجى تشتغل معانا فى الحزب فى القاهرة علشان تورينا شطارتك بقى فى إننا ننفذ الحاجات إللى إنت كاتبها دى فى ورقة العمل.
- ما عنديش مانع ياريس.
(يشير الرئيس إلى أحد حراسه الذى يأخذ سعيد خارج القاعة)
وتابعت كاميرات التليفزيون سعيد عند خروجه من القاعة، وفوجئ الجميع بسعيد يتوجه إلى أحد الكاميرات ويقول بأعلى صوته:
- إنتى شايفانى ياأمه فى التليفزيون أنا راجع على طول، خللى بالك قوى من سلوى، دى هى المستقبل.
ويستأنف السيد الرئيس خطابه.
.....
(تمت)

[email protected]