في مقالة له بتاريخ 8 يوليو 2007 كتب الامين العام للامم المتحدة بان كي مون ان الامم المتحدة تقدر المهاجرين الدوليين بصفة دائمة ب 191 مليون نسمة، اي 3% من تعداد سكان العالم مهاجرين دوليين مزدوجي الجنسية وقد قاموا بتحويل 264 مليار دولار الي بلدانهم الاصلية في عام 2006 وحده هذا بخلاف التحويلات العينية التى تقدر بالمليارات ايضا. ونظرا لاهمية الهجرة الدولية فقد افتتحت الامم المتحدة منتدى عالمى معنى بالهجرة والتنمية، وقد بدأ اعماله فعلا فى بروكسل فى 9 يوليو 2007.وتتفاوت نسب الهجرة من دولة الي اخري ومن جماعة الي جماعة داخل الدولة الواحدة.
نظرا للتحولات التي مرت بها مصر بعد 1952 ونظرا للتهميش والاضطهادات التي وقعت علي الاقلية القبطية فقد تزايد عدد الاقباط المهاجرين باكثر من 10%من تعداد الاقباط، ومثل المهاجرون النخبة الاكثر تعليما وتميزا من الاقباط، وقد شكل ذلك وجهين للصورة، تفريغ الاقلية القبطية من كثير من كوادرها في الداخل، وفي نفس الوقت تكوين مجتمعات قبطية متميزة في المهجر الامريكى والاوربي والاسترالي. وعليه فقد ترتب علي الهجرات القبطية واجبات تجاه مجتمعاتها الام وواجبات تجاه الاقلية التي ينتمون اليها. وبالنسبة لوطنهم الام مصر فعليهم التزامات وواجبات ياتي في مقدمتها الارتقاء بهذا المجتمع الي مجتمع ديمقراطي تعددي انساني يؤمن بحقوق الجميع من الحرية والكرامة والمساواة، ومن ثم فان علي اقباط المهجر واجب اساسي في تدعيم دعاة الديمقراطية والحريات والمجتمع المدني في مصر، وكذلك هناك واجبات تجاه شعبهم القبطي تتمثل في الدعم المالي والسياسي للاقلية القبطية في مصر حتي يرتقي وطنهم الي مستوي المواطنة الكاملة. وبالنسبة للجاليات القبطية في المهجر هناك ثلاثة طرق رئيسية لدعم شعبهم سياسيا في الوطن الام مصر هى:
اولا المسلك السياسي: وهو اندماج الاقباط في مجتمعاتهم الجديدة سياسيا والانخراط في الاحزاب السياسية والتفاعل والحصول علي مناصب سياسية او الفوز في انتخابات سواء محلية او مركزية. وعند الحد الادني للعمل السياسي هو التصويت في الانتخابات بصورة مكثفة ومنتظمة. وقد تعثر اقباط المهجر في هذا المسلك بشكل قد يكون كاملا.
ثانيا المسلك الحقوقي: وهو تكوين حركة حقوق انسان قوية وفاعلة تقدم القضية القبطية بشكل حقوقي سواء الي المنظمات المحلية في دول المهجر او الي المنظمات الحقوقية الدولية اوالي منظمة الامم المتحدة ووكالاتها، وهذا المسلك يعتبر ضعيف جدا عند اقباط المهجر نظرا لندرة المتخصيين في قانون حقوق الانسان الدولي او المتعاطين معه، كما ان الثقافة المصرية المنحدرين منها هي حديثة بالنسبة لمسألة حقوق الانسان ولا تعطي زخما كافيا لهذ الموضوع.اضف الي ذلك ان الذين يعملون في هذا الاتجاه يعملون بهدوء ويتعاملون مع مذكرات قانونية ودراسات بحثية وميدانية ولا يلهثون وراء الشهرة التي يطمح ويسعى اليها الكثيرون فى المهجر.
الثالث المسلك الاحتجاجي:وهو المسلك الذي سلكته الحركة القبطية في المهجر منذ نشاتها، وكان مهما لتعريف العالم بوضع الاقباط، واتخذ آليات الاحتجاج المختلفة علي ما يجري للشعب القبطي في داخل مصر سواء كانت المسيرات السلمية او الكتابة الصحفية او الاعلانات المدفوعة او الشكوي لاعضاء البرلمانات واعضاء الحكومات الغربية او عقد المؤتمرات.. الخ
وكل المسالك السابقة محمودة وتساهم في دعم الشعب القبطي في الداخل، وكل الآليات مكملة لبعضها البعض، وان كنا نتناول آلية من الاليات بالنقد ليس لانها غير مفيدة وانما لتقوية كافة الاليات وتفعيل وتقوية المسالك الاخري، ففي النهاية الهدف هو تقوية وسائل الدفع بالقضية القبطية الي الحل والتفات الراي العام الدولي تجاه معاناة الاقباط.المسالك الثلاثة السابقة مجتمعة يمكن ان تشكل في مجملها طريقا لquot;جماعة ضغطquot; قبطية في المهجر من اجل تعزيز المواطنة لكافة المصريين وخاصة الاقليات المهمشة كالاقباط والمراة.ومن ثم فان الطريق الصحيح والاتجاه الصواب هو في تقوية هذه الآليات كل علي حدة وليس اضعافها.
اقول هذا بمناسبة النقد الذي وجه الي المؤتمرات القبطية بانها عديمة الجدوي، وان العمل الاساسي لاقباط المهجر يكون داخل مصر وليس خارجها!!!. هذا الرأي يردده فريقان: فريق سئ النية يعمل علي التدمير الناعم للحركة القبطية في الخارج باعتبارها الرئة الحقيقية التي يتنفس منها الاقباط في الداخل واداة التاثير الرئيسية علي النظام المصري للتجاوب مع اوضاع الاقباط وتسبب ازعاجا لهذا النظام المسئول عن معاناة الاقباط.والفريق الثاني هو فريق حسن النية يرغب في تفعيل دور الاقباط ولكنه غير مدرك بان اي تراجع في العمل القبطي في الخارج يصب تاثيره بلا شك في تراجع اوضاع الاقباط في الداخل. لقد استطاع النظام المصرى تجنيد بعض الاقباط داخل مصر وبعض اقباط المهجر بالتشكيك في جدوي الحركة القبطية في الخارج ومؤتمراتها ومسيراتها وعملها الاحتجاجي والحقوقي بهدف تقويض هذه الحركة القبطية.وقد حذرت في كلمتي في مؤتمر شيكاغو الحركة القبطية في الخارج بالا تنسي دورها وتوصيفها الحقيقي بانها جماعة ضغط ايجابية، اى تضغط بشكل ايجابى من آجل تعزيز الديموقراطية والحقوق والحريات، وتاثيرها مازال في طور التكوين علي مجري السياسة رغم مرور اكثر من ثلاثين سنة على بدء نشاطها. ونامل فى تقوية الحركة وتوجيهها الي اطارها الصحيح في العمل علي تعزيز الديمقراطية والحريات والمواطنة لجميع المصريين.
فى زيارته الاخيرة للبنان بتاريخ 25 اكتوبر 2007 سؤل وزير الخارجية المصرى احمد ابو الغيط عن الضغوط التى تمارسها مصر على الاطراف اللبنانية من آجل انجاز الاستحقاق الرئاسى فاجاب quot; دعونا نسميها اهتمامات خارجية وليست ضغوطاquot;، ونزولا على رغبته بعد ان اصاب الكثيرين الارتكاريا من كلمة ضغوط نسميها اهتمامات خارجية من آجل الارتقاء بمستوى المواطنة وحقوق الانسان فى مصر.
بعد سقوط نظام صدام حسين في 9 ابريل 2003، ونتيجة للضغوط الخارجية (الاهتمامات الخارجية) علي النظام المصري لتبني اجندة الاصلاح فانه سمح للمصريين برفع درجة احتجاجهم وانتقادهم للنظام وللاوضاع في مصر، واستند الى ذلك افباط الداخل ايضا في رفع لهجة الاحتجاج في الداخل، ولكن هذا لم يات نتيجة جهد قبطي او حتي مصري وانما كان في النهاية نتاج مناخ عالمي ضاغط علي مصر، وتصور البعض ان هذا بديلا لعمل الحركة القبطية الاساسي في الخارج. وفق دراستنا الدقيقة للنظام المصرى فانه يقيم حساباته الداخلية بالدرجة الاولي علي ردود الافعال العالمية تجاه القضايا المصرية المختلفة ولا يعطي للداخل وزنا الا اذا شكل الداخل بشكل جدى تهديدا للاستقرار وتحديا حقيقيا للنظام القائم، ولهذا يتعامل مع الاخوان المسلمين من هذا المنطلق ومع المظاهرات والاحتجاجات العمالية التي تزايدت في الشهور الاخيرة من هذا المنطلق ايضا. وانزعج بلا شك من بعض مظاهرات الاقباط حتي وان كانت داخل الكنائس.
ان نجاح اقباط المهجر هو في تمكنهم من تنظيم انفسهم في جماعات ضغط تؤثر بشكل ايجابي في السياستين التشريعية والتنفيذية في دول المهجر وبالتبعية فى مصر، او عند الحد الادني توظيف جماعات ضغط لتعمل لصالح قضيتهم العادلة.ان عمل اقباط المهجر يصب في صالح مصر كلها ويتم في اطار قانوني ومن ثم يحمل مشروعية محلية ومشروعية دولية، والاهم من ذلك مشروعية وطنية لانه يعمل لخير الجماعة الوطنية المصرية.
ان اقباط المهجر هاجروا في ظل ظروف طاردة لهم في مصر ويعملون في الخارج وابناؤهم يتعلمون في الخارج، وعملهم من اجل مصر يعكس عمق انتمائهم لوطنهم الام وليست لحاجة لديهم، ومن ثم فان الحديث عن اضعاف عملهم في الخارج والتوجه الي داخل مصر، كل هذا يشكل اضعاف لدورهم النبيل في دفع السلطات المصرية لتبني العدالة تجاه قضايا الاقباط.ان الضغوط التي مارسها الايرلنديون في عهد كلينتون لم يكن وراءها رغبة الايرلنديين في امريكا للحوار مع الحكومة البريطانية وانما دفع الاطراف في الداخل للحوار مع بعضها البعض من اجل وضع نهاية لهذه القضية.
دور الاقباط الحقيقي في المهجر هو دفع السلطات المصرية لتبني اجندة حقيقية للمواطنة والحوار حول ذلك مع اقباط الداخل، ودور اقباط المهجر الحقيقي ليس البحث عن دور داخل مصر وانما تقوية الداخل المصري. اضعاف دور اقباط المهجر كجماعة ضاغطة، او المفروض ان تكون كذلك، في الخارج هو تخريب للعمل القبطي وتدمير الحركة القبطية وحرمان الاقباط في الداخل من الرئة التي يتنفسون من خلالها..... وهو في النهاية محاولة خبيثة لتدمير العمل القبطي في الخارج حتي وان تم ذلك علي لسان اقباط هم في الواقع يتحدثون بالسنة الاجهزة الامنية المصرية.
[email protected]
أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية
التعليقات