هل أمن المجتمع يبدأ بالفرد لينتهي إلى المجتمع؟ أم يبدأ بالمجتمع لينتهي إلى الفرد؟
بتعبير آخر هل الأمن الاجتماعي مسؤولية المجتمع؟ أم هي مسؤولية الفرد؟
هذا الموضوع كان أحد الأوراق التي ناقشها مؤتمر البحرين الذي عقد في نهاية شهر أكتوبر 2007م و كان تحت شعار( الأمن الاجتماعي...تطلعات وتحديات.)
ناقش المؤتمر الموضوع من زوايا مختلفة، وكذلك الآفات التي تهدد الأمن الاجتماعي، ودور المبادئ الإسلامية في هذا المجال، باعتبار أن المؤتمر قد حمل الصفة الإسلامية، والدعوة كانت من قبل المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.
والحقيقة أن وظيفة الدولة العظمى والأولى هي تأمين الأمن لأفرادها، وهوليوود قدمت الكثير من أفلام الكوارث، مثل تحطم الطائرات أو غرق السفن، أو ضياع سائقي السيارات في عرض الثلوج، أو تيه الصحاري والغابات مثل فيلم The edge الذي قدمته هوليوود ومثله أنتوني هوبكنز..
وبعض الأفلام واقعية وحقيقية مثل التي عرضتها قناة الديسكفري في سلسلتها I should not be aliveوقدمت عروضا حقيقية، لأناس صارعوا لأجل البقاء، حين غاب عنهم أمن الدولة وحمايتها، من هجوم الوحوش، وفقدان الماء والغذاء، وانعدام الملجأ الذي يقي من حر الشمس وقر الشتاء..
و الدولة قد توفر الحماية كما يؤمل منها ضد هجمة الوحوش الضارية، ولكن قد تفشل أحيانا في حماية الإنسان من الإنسان..
والوحش يهاجم الفريسة بدافع الجوع ليسد رمقه، ولكن الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يقتل أخاه لهواية القتل ودون إحساس بالشبع؟!
والأدهى من ذلك عندما يتم القتل باسم الله لنيل رضاه ودخول جنته، ويصبح الدخول إلى الجنة تتناسب إمكانيته طردا مع عدد القتلى من البشر؟؟
وأحيانا وبضياع العدل يغيب الأمن من الدولة، عندما يسلب الغني مال الفقير، والظلم هو الخطوة الأولى نحو انعدام الأمن..
وعندما سافرت جارتي (منيرة) إلى فنزويلا لحضور زفاف ابن أخيها اضطر المغني إلى إحياء الحفل حتى الصباح حتى بح صوته وكاد يسقط اعياءاً، إذ لم يجرؤ أحد من المدعوين على مغادرة المكان حتى انبلج الضوء وأشرقت شمس اليوم التالي!!
والظلم يأخذ أشكالا مختلفة، و في أمريكا لا يجرؤ أبيض على دخول حي الزنوج لانعدام العدل بين الفريقين...
وفي القرآن الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون
ورسول الروم خاطب الخليفة عمر رضي الله عنه؛ فقال عدلت فأمنت فنمت، أما حكامنا فظلموا فخافوا فاحتجبوا..
وتحت اسم الأمن تصادر الحريات ويشيع الخوف، ومراكز الأمن أو Security في المطارات الأمريكية تحول إلى فخ اصطياد المشتبه بهم اعتمادا على الاسم أو اللون أو الجنسية..
وفي أمريكا يحق لأي موظف أمن، مهما قل شأنه، صلاحية مطلقة لاعتقال البشر، وإرسالهم بالبريد السريع إلى معتقل غوانتانامو.
و في البلاد التي تعشش فيها الديكتاتوريات في العالم، يتم اعتقال الآلاف حفاظا على أمن الدولة، كما كان الحال في الأرجنتين سابقا، والطريق إلى جهنم قد يبدأ بالنوايا الحسنة...
وفي كندا التي أعلنت أن الناس سواسية في حقوقهم مهما اختلفت ألوانهم وأجناسهم ومعتقداتهم، سجلت أعلى معدل للهجرة في العالم، لأن العدل هو الطريق الأمثل للأمن...
ولكن توفر مثلث الحضارة من (أمن) و(عدل) و(حرية) هناك لم يحقق في ربوعها الأمن المطلق، وفي العام الفائت فتح أحد الشبان النار على زملائه في أحد جامعات مونتريال فأردى بعض القتلى، ونكب الباقي بعاهات دائمة، قبل أن يطلق النار على نفسه فيقضي منتحرا..
وفي القرآن ضرب الله المثل بالقرية التي كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون..
وهنا وفي حالة (الكفر) ينقلب الأمن خوفا، ورغد الحياة جوعا وضنكا.
ومعها ـ حسب الآية ـ لا يبقى طمأنينة روحية للفرد الواحد، بل حياة يحكمها رجال المافيات والأمن المزعوم.
سأل جحا يوما زوجته كيف يموت الإنسان؟ قالت إذا ازرقت أطرافه وجمدت؟ فخرج يوم برد شديد على حمار؛ فازرقت أطرافه وجمدت من البرد؟ قال جحا أنا ميت بالتأكيد؟ ثم ألقى نفسه على الأرض فجاءت ذئاب الغابة وبدأت تنهش لحم الحمار؟ فرفع جحا رأسه وقال أيها الأوغاد تعلمون أني ميت ولو كنت حيا لأدبتكم؟؟
ونحن في العالم العربي أموات مثل حمار جحا..

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية