لا نزال في حاجة إلى الاقتراب أكثر من كلمات الله تعالى في القرآن نفهمها ونتدبرها، وهذه محاولة لفهم كلمة :


الرحمن

الشائع أن أسم (الرحمن) يدل على الرحمة مثل (الرحيم) إلا أن وصف (الرحمن) يأتي في القرآن ليدل على الجبروت والتحكم وتمام الهيمنة والسيطرة وليس عن الرحمة..
فعن تمام السيطرة على الملكوت يأتي وصف الله تعالى بالرحمن quot; الرحمن على العرش استوى : طه 5.quot; ثم استوى على العرش الرحمن : الفرقان 59 quot;. فالاستواء على العرش يعنى تمام التحكم و الهيمنة، أو بتعبير النبى هود عليه السلام (مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا) (هود 56)
والرحمن هو الذي أبدع ما خلق quot; ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت : الملك 3. quot;
وهو الذي تصل سيطرته للطيور في السماء quot; ما يمسكهن إلا الرحمن : الملك 19 quot; لذا تقول الآية التالية تهدد المشركين بسطوة الرحمن quot; أمن هذا الذي ينصركم من دون الرحمن : الملك 20 quot;.

و لذلك فان المؤمن يزداد خشية من الرحمن صاحب الهيمنة والجبروت quot; قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا : الملك 29 quot;. لذا يقول تعالى عن المتقين الذين يزداد خوفهم من الرحمن القاهر quot; إذ تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا : مريم 58 quot;. والمتقون هم الذين يخشون الرحمن بالغيب أى أثناء خلوتهم quot; إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب : يس 11 quot;.
وفى القصص القرآني يقول الرجل المؤمن لأصحاب القرية quot; أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لن تغنى عنى شفاعتهم شيئا ولا ينقذون : يس 23 quot;. أي يعلن خوفه من..الرحمن القهار..

وإبراهيم عليه السلام هدد أباه بعذاب الرحمن الجبار فقال quot; يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن : مريم 45 quot;. ومريم عليها السلام اعتصمت بجبروت الرحمن وقالت لقومها كي تسكتهم quot; أنى نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا : مريم 26 quot;. وقبل ذلك حين رأت في خلوتها بشرا سويا استعاذت منه بالرحمن فقالت quot; إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا : مريم 18 quot;. فإذا كان تقيا فسيعلم مدلول كلمة الرحمن ويخشاه، لأن الأتقياء هم quot; عباد الرحمن quot; quot; الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما quot; والذين يقولون للرحمن quot; ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما : الشعراء 63، 65.
وبعد..

فإن البسملة (بسم الله الرحمن الرحيم) قد لخصت أسماء الله تعالى الحسنى فى صفتين أساسيتين هما (الرحمن الرحيم) الرحمن للقوة والجبروت و السطوة والانتقام وتمام التحكم فى الملكوت، والرحيم للرأفة والرحمة والعفو والمغفرة. والله تعالى يقابل المؤمنين بصفات الرحمة ويواجه المعتدين الظالمين الكافرين المجرمين الطغاة بصفة الرحمن. المؤمنون يخشون الله تعالى (الرحمن) و يرجون عفو الله (الرحيم) والمؤمن اذا تذكر عصيانه خاف غضب (الرحمن) و ترجّى عفو (الرحيم).. وباسم الله تعالى الرحمن والرحيم يتوجه المؤمن الى الله تعالى يخاطبه قائلا (بسم الله الرحمن الرحيم)
إن أسماء الله الحسنى تنقسم فى الغالب الى صفات دالة على الرحمة وصفات دالة على الهيمنة والقوة والجبروت. يقول تعالى فى الثلاث آيات الأخيرة من سورة الحشر : (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ. هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
صفتا (الرحمن الرحيم) شرحتها وفصّلتها الصفات التالية التى يدل بعضها على الرحمة (الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ) والبعض الآخر على القوة و القدرة والهيمنة والجبروت وتمام التحكم فى الملكوت (الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ.. الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
واذا كان جوهر الاسلام يتراءى فى سورة الفاتحة فان جوهر الأسماء الحسنى يتلألأ فى البسملة (بسم الله الرحمن الرحيم)
وسبحان رب العزة الرحمن الرحيم..