عندمانشرت إيلافمقالي الصغير حول المتسابقة العراقية/المغربية شذى حسون في برنامج ستار أكاديمي في هذا الوقت بالذات، لم يدر بخلدي أبدأً هذا الكم من الردود المتناحرة والمتطاحنة بشدة. لم يخطر ببالي أن يخرج الموضوع من سياقه وإطاره الموضوعي الى أبعاد عدائية، شبه سياسية، وشوفينية أيضاً. لقد كتبته قبل أن تصبح شذى مرشحة للخروج من الأكاديمية، فيما يشبه تقييما موضوعيا لموهبتها المتصاعدة، بالعلاقة مع ما يعيشه العراقيون داخل وخارج العراق من تهديدات بالقتل والتهجير والترحيل وسوء الفهم في كل مكان.
وبالنسبة لهؤلاء العراقيين، المحبين للثقافة والفنون والآداب والعراق الواحد المتسع لجميع العراقيين، ولإخوتهم من بني البشر جميعا .... فان موهبة شذى، وفنها وشجاعتها، وحسن تمثيلها للعراق ndash; وكذلك للمغرب الذي رعاها كل هذه السنوات ndash; كان شيئا مذهلا وصاعقاً .... في الوقت الذي يمرّ فيه العراق أرضاً وشعباً في أصعب أوقاته. وفي هذا الوقت بالذات، نتعلق بفنانينا ومثقفينا ومبدعينا ومفكرينا وشعرائنا ... كي نحافظ على بقية الأمل، كي لا ننسى اننا كنا أمة متحضرة ورائعة في التاريخ المعاصر القريب ... وليس فقط في كتب التاريخ والحضارات القديمة.
بالطبع، من الممكن أن تخرج شذى من السباق لمختلف الاعتبارات الموضوعية وغير الموضوعية ... قد تصادفها نكسات او انتكاسات وتتغير صورتها بين الناس وعند الحكام وأساتذتها ... لكن ما قدمته الى الآن كان رائعاً ومتميزاً الى حد بعيد، جذب انتباه المشاهدين في كل مكان، وأعطى صورة أخرى، أكثر إشراقاً، عن العراق الراهن. هذا ما كنت أهدف اليه في كلماتي القليلة، تسليط الضوء على الألم العراقي الراهن بموازاة النجاح الفني العراقي في ميدان عام او منافسة عربية شاملة. وقد وجهت النقد لأداء المتسابق العراقي الشاب بشار القيسي في ستار أكاديمي، الذي لم يستطع ان يواكب المسؤولية الفنية والتحديات التي تطلبتها المسابقة، بالرغم من حبي له واعجابي به.
وبالفعل، لقد كشفت موهبة شذى وأدائها ضحالة وفقر موهبة العديد من المتسابقين من مختلف البلدان العربية ... وهذا لا يعني أبداً، ان هذه البلدان تخلو من المواهب او تفتقر اليها ... لكن بالتأكيد هناك مشكلة حقيقية في الاختيار والتصفيات، وربما تتحملها الأكاديمية والمشرفين عليها من أساتذة ومدربين. ان إشراك الجمهور في التصويت في أية ممارسة استفتائية من هذا النوع لا تعني أبداً الانحياز الأعمى لذوي القربى والمعارف وأبناء الوطن الواحد ... بل تعني مزيدا من الديمقراطية وإشراك الرأي العام في الاختيار مع الحكام ... للوصول الى قرارات أكثر تمثيلاً ودقة. وللحق، فانني أدعو جميع المشاهدين ndash; من العراق وغيره من الدول العربية ndash; الى التصويت للأفضل من المتبارين والمتباريات في برنامج ستار أكاديمي ... بعيداً عن الوطنية الزائفة، الحمقاء، الشوفينية.
لقد آلمتني تعليقات quot;نجلاءquot; و quot;شابة أخرى من الخليجquot; وآخرين ... لأنها امتدت الى عموم العراقيين وووجهت اليهم اتهامات ظالمة، وتمنت لهم سوء الحظ والشر والألم وبررت كل ما حصل ويحصل لهم الآن وفي المستقبل ... من خلال الرغبة العمياء والعنيدة في خروج شذى من التصفيات أولا،ً وكيل التهم الفارغة اليها ثانياً.
لا أدري لماذا يحول العرب كل منافسة ndash; او قضية ndash; كبرت او صغرت الى معركة حاسمة تستهلك فيها الكلمات والمشاعر والعواطف؟ وعندما أقول العرب، فانني أقصد، للأسف، الناس الذين يجيدون القراءة والكتابة واستخدام الانترنيت والتمتع بالمحطات الفضائية والفنون العصرية ... كيف ينحدرون الى هذا المستوى من الاتهامات والشتائم وتحقير الشعوب بأكملها ... ربما مرت نجلاء بتجربة مرة ndash; قد تكون عاطفية ndash; مع عراقيين سيئين في الأردن، اعتقدت على اثرها ان العراقيين جميعاً هم على شاكلة هؤلاء ... هل تستطيع نجلاء ان تفهم معاناة وألم وسخط ملايين العراقيين النازحين من بيوتهم الى مخيمات وساحات عامة، والمغادرين لوطنهم الى دول شقيقة مجاورة ... حيث يصبح مصيرهم فيها كل لحظة عرضة للخطر والقلق بسبب خلافات حكومات هذه الدول مع حكومة العراق او مع أمريكا ... والراكبين للصعاب والأخطار من أجل الوصول الى المنافي الثلجية الكئيبة البعيدة طلباً للأمان فقط!
وبالفعل، فان العراقيين من أسوأ الشعوب حظاً ... وربما لم نتحمل كافة مسؤولياتنا بجدارة ... وربما ... وربما أشياء كثيرة أخرى. بلدنا من أغنى البلدان في العالم، أكثرها عراقة وأصالة وامتدادا في التاريخ، بين أبناء شعبنا تعددية فكرية وثقافية رائعة، خبرة علمية وتكنولوجية متراكمة، ثروات معدنية وطبيعية وبشرية وحضارية متداخلة ... لكن الله ابتلانا بحكام سخّروا كل شيء للحروب والعدوان، وساقونا في هذا الدرب الى ان وصلنا الى نهايته ...
فابتلينا باحتلال وإرهاب وعنف وانقسام طائفي واثني وجهل وفساد سياسي وإداري غير مسبوق في العالم!