الكتاب هو المكان الوحيد الذي يمكن أن يلتقي فيه غريبان بالكامل ،بحميمية كاملة quot; (الروائي الأميركي بول أوستر)

ابراهيم بادي ..اسم يطالعني كثيرا في صحيفة الحياة التي أقرأها كل صباح، وأتابع تقاريره المتميزة و المتنوعة، وقبل أسابيعاستضافه الاعلامي المثقف زاهي وهبي في برنامجه الأسبوعي الجديد، فوجدته أمامي شاب (حليوة )ولبق، ويحفه الجمهور في الحديث عن روايته (حب في السعودية )، ويتناول معه شخوص الرواية وأحداثها (و( بكل جدية!)، وعرفت من البرنامج نفسه أنه مسرحي أيضا، وقد سبق له أن حصد جوائز على أعماله المسرحية، ولحسن حظي (أو لسوئه !)أن اللقاء كان وقت معرض الكتاب في الرياض
فذهبت الى المعرض في اليوم التالي وتوجهت الى دار الآداب مباشرة وكان وقت صلاة المغرب ووجدت الكاتب بعد أن ميزت وجهه جيدا والذي يذكرك بوجه ابن الجيران المألوف، سألته :quot;الرواية موجودة؟ quot;فرد مبتسما :quot;موجودة quot;وكانت وقفته بكل ثقة- أووساعة وجه لافرق !- تمنيني بعمل مميز صاحبه سعيد به وواثق من جودته .
اشتريت الرواية وصدمتي بدأت من الصفحة الأولى، لكنني قررت أن أتابع الرواية حتى آخر حرف فيها حتى أكون عادلة في حكمي، فرغت من الرواية واكتشفت أنني تعرضت لعملية تضليل وخداع من الوزن الثقيل ، فأنا كنت قد دفعت ثمن رواية، ولم أكن أنوي السهر مع مجلة (بلاي بوي )أو فيلم اباحي، فهذه المنتجات لها أماكنها وبالتأكيد معرض الكتاب ليس واحدا منها، وحتى في لندن وفي عقر دار البيكاديللي لن يسمحوا لك بدخول هذه النوعية من الأفلام الا بعد بلوغك سن معين ، و أؤكد أنني لست ضد أي مشهد شرط أن يكون وجوده لضرورات ابداعية وليس -كما هو واضح هنا -لأغراض تسويقية، فرواية المبدع السعودي محمد حسن علوان (سقف الكفاية )لم تخل من بعض المشاهد لكنها جاءت وفق قصة حب مقنعة، بينما ما قرأته هنا ليس رواية تتضمن مشاهد جنسية، بل مجموعة من المقاطع الجنسية المجمعة والتي تطلق على نفسها اسم رواية، وياليتها نجحت حتى في هذا الجانب فهي لا تثير في القارئ شيئا باستثناء (الرغبة )في ضرب البطل !!
الرواية تثير عدة تساؤلات لم أجد لها اجابة :فلا أفهم مثلا سر الاحتفاء بأي (هراء )يكتبه السعوديون؟ولماذا لا ينقد نقدا جادا؟هل هي مجاملة؟أم أن هذا الاحتفاء يتضمن نظرة دونية في أن أي شيء منه مقبول و(منيح منو وكتر خيرو )؟ولماذا الاصرار من قبلنا -نحن السعوديون -ومن خلال نظرتنا لأنفسنا على تصور أننا دائما (غير )سواء من قبل من يرى أننا مجتمعا ملائكيا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه وتحميه( خصوصية) تجعله فوق بقية البشر وبين من يصر على تصويرنا أننا لسنا سوى مستنقعا للعفن والرذيلة والتحلل الأخلاقي؟؟
أيضا تثير الرواية أسئلة حول البعد التجاري الذي يشوه الابداع السعودي في عز ظهوره وازدهاره (كاتبة سعودية نشرت رواية قبل سنوات تقول أن الناشر أعاد لها المخطوط أكثر من ست مرات بحجة أنه ليس فيه بهارات )بما يكفي لتسويقه، واضطرت فعلا أن تضيف بعض المشاهد (كرمى لعيون الناشر) !!
..قررت أن أدع الرواية جانبا و أطلع على الموقع الالكتروني للكاتب ووجدت الكثير من الهجوم عليه والذي يبدو ان الكاتب سعيد بالرواية بالرغم من كل هذا البيض والطماطم الذي القي عليه(أوريما بسببه!)، فهناك من يسبه وهناك من يلعنه والشيء المشترك بين كل التعليقات هو الغربة عن الرواية وأجوائها، نعم الغربة، تشعر بغربة عن جميع شخصيات الرواية بلا استثناء، وهذا لا يعني أن كل رواية سعودية ناجحة يجب أن أكون قد عشت قصتها، فعلى سبيل المثال المبدعة أميمة الخميس كتبت روايةquot; البحريات quot;وعشت معها وصدقتها رغم أنني لا أنتمي لأجوائها في حياتي الحقيقية فقد عشت في أسرة نووية أبا عن جد ولم أعرف التعدد والأخوة غير الأشقاء ولم أعرف من( البحريات) سوى معلماتي السوريات القديرات في المدرسة، الا أنني اجزم انني أمام عمل مبدع وحقيقي !
هناك أيضا من اقترح أن يكون اسم الرواية (جنس في السعودية )وفي رأيي أنها لا هي حب ولا في السعودية ولا هي رواية أصلا والاسم الأنسب لها وفق ما قرأته هو (خرطي في السعودية )ولا يهم طالما أن اسم السعودية والرياض قد أثبت أنه الأكثر قدرة على تسويق أي منتج أدبي من أي كلمة أخرى على أية حال
لم أكتب عن الرواية مباشرة حتى أضمن أن أكون أقل حدة، لكن يحز في نفسي أنني تورمت أصابعي واهترأ كيبوردي وأنا أكتب عن حرية التعبير والنشر وتلاقح الأفكار ويتحقق ما أريد في معرض الكتاب في الرياض وأجد أن هذه الحرية قد جيرت لصالح حرية الاسفاف والابتذال والتجارة والكسب المادي السريع .

ملحوظة لغير الخليجيين :خرطي بتسكين الخاء وكسرالراء كلمة دارجة تطلق على الشيء التافه، وبلا معنى الذي يأخذ أكبر من حجمه، ولم أجد لها مرادفا في اللغة العربية الفصحى أو الانجليزية أو اللهجات العربية الأخرى.