فنتازيا عربية..

ما أتوقعه أو أتمناه هو أن تُعقد القمة القادمة في الرياض، خارج نطاق الظرف الاستثنائي، والمنعطف التاريخي، والتهديدات التي تواجه الأمة، والهجمة الشرسة على مقدراتها، والعدو الذي يتربص بها، وهذه هي الكوبليهات التي تصدرت جميع القمم العربية السابقة. وعلى الرغم من سيادة مثل هذه الكوبليهات وتكرارها في عالمنا العربي حتى حفظها الكبير والصغير عن ظهر قلب، إلا أن الكثيرين ـ وأنا منهم ـ لا يعرفون ماذا تعني، بل ولا يعرفون متى وكيف صُنعت هذه الديباجات التي تصدرت جميع قممهم. البعض يقول بأن هذه الديباجات قد ظهرت في القمة العربية الأولى بمصر التي كانت في العام 1946 ( أي قبل ولادة العدو الذي يتربص بنا )، بينما يقول آخرون بأنها من إنتاج قمة لاآت الخرطوم في 67، ومجموعات أخرى تُرجِعها إلى قمة فاس أوائل الثمانينات أو بقية القمم أو الغمم التي تتالت في العقود الفارطة، وان كان بعض الشاطحين ينسبونها إلى سوق عكاظ ولكن الأشطح منهم يعتبرونها موروث فرعوني ظهراول ماظهر عندما هجم الهكسوس.

ومهما كان مصدر هذه الخرابيط الكلامية الإنشائية، ومهما كان تاريخ بدايتها وسيادتها، نتمنى أن تخلو منها القمة القادمة، أو بمعنى آخر نتمنى على القمة أن تواجه الواقع كما هو ولا تختفي خلف الشعارات الجوفاء، أو الكوبليهات المذكورة أعلاه، التي لم تسهم في أي حل لأي معضلة من معضلاتنا التي كانت تزداد وتتضخم على مدار السنين. وان كانت قضية فلسطين هي الوحيدة في زمن سبق، فإنها الآن قد توالدت وتشعبت وصارت قضايا تعم العالم العربي كله وتشمل معه أطراف العالم الإسلامي. حدث كل ذلك بسبب عدم وجود مواجهة جادة للواقع، بل واستغلال القضية الفلسطينية لمآرب خاصة ومنحرفة وبناء أمجاد وثروات ونفوذ وسيطرة للبعض على حساب الشعب الفلسطيني وبقية الشعوب العربية، وكان نتيجة ذلك أن أصبحت لنا قضية فلسطينية في معظم بقاع العالم العربي والإسلامي، في العراق والصومال ودارفور ولبنان وأفغانستان.. و..و.. وما زالت العجلة تدور. نتمنى ان تكون هذه القمة مختلفة عن كل ما سبق لتخرج بنتائج ملموسة يحسها المواطن العربي ولو بحل قضية واحدة من قضاياه التي صارت تتوالد أسرع من توالد البعوض، خاصة وهذه القمة مؤهلة لذلك إذ أنها تُعقد في الرياض، في بلد عُرف بالجدية ـ ملكاً ودولة ـ وعُرف بتحالفاته الجادة مع الجادين، ووقوفه الواضح الشجاع ضد الفوضى والتهريج السياسي الذين ساد عالمنا العربي في السنين السابقة. الرياض كانت في الفترة الماضية مركز العمل العربي والإسلامي الجاد، ذلك بحكم جدية وخبرة قيادتها، والتي امتازت فوق ذلك بالرزانة والوقار، والشهامة والحسم، وصفاء السريرة والقلب الكبير. وفوق كل ذلك فالسعودية هي المركز والقلب للعالم العربي والعالم الإسلامي وعندها والحمد لله من الكفاءات المادية والبشرية والقيادة السياسية ما يؤهلها للقيادة، وقد رأينا منذ أيام إسهاماتها فيما يخص قضية فلسطين، وهذا عشمنا وأملنا لحلحلة كل القضايا العالقة، وذلك بالمواجهة الجادة والصريحة، ومواجهة المخطئ بخطئه ولومه عليه وردعه وإيقافه عند حده، وكفانا تعقيداً وتأزيما.

فاصلة : بينما كنت اكتب في هذا المقال لفت نظري خبر في قناة العربية عن استقبال الملك عبدا لله بن عبد العزيز للأطفال السياميين الذين تم فصلهم تحت رعايته الكريمة في السنين الماضية، ورأيت البسمة على وجوه هؤلاء الأطفال وذويهم، فابتسمت للحياة وتفاءلت خيراً بما هو قادم.