ظاهرة مرضية بمعنى الكلمة تلك التي انتشرت أسرع من مرض إنفلونزا الطيور، تحديدا في الحياة السياسية العربية في السنوات العشرين الماضية، وهي ما يمكن تسميتها ( نضال الفتاوي) الإليكترونية، وقد درست أوجها منها في مقالتي الأخيرة في إيلاف ( من يداوي هذا المريض المدعو أيمن الظواهري )، وتستمر هذه الظاهرة المرضية المرعبة في تسميم الحياة العربية ناشرة الرعب والجهل، وما كان لهذه الظاهرة إمكانية التنامي لولا وجود الجهل والجهلة الذين يؤمنون بهذه الطريقة، فالطبيب الحقيقي المتخرج من أعرق الكليات لن يستمر في فتح عيادته إن لم يجد المرضى الذين يعالجهم، لذلك يشتهر في حياتنا كل فترة بعض هؤلاء المرضى الذين يتوجهون لمرضى مثلهم زاد جهلهم هذه الظاهرة انتشارا ورواجا. آخر هؤلاء المرضى اثنان من ( الجماهيرية العربية الشعبية الديمقراطية العظمى ) و ( فلسطين )، وقد شكلت القضية الفلسطينية مادة خصبة لترويج المنتجات النضالية المتنوعة باسم التحرير حينا و الأخلاق الرفيعة حينا آخر، وهذا ما يستدعي قول الروائي والكاتب الفلسطيني الراحل إميل حبيبي: ( أتمنى أن تحل القضية الفلسطينية ليس حبا في التحرير فقط ولكن لانتهاء صلاحية شماعة نعلق عليها كل خيباتنا بما فيها الإبداع الرديء )، والملفت للنظر أن التجارة باسم فلسطين هي الرائجة، بينما أراض أخرى عربية محتلة تم نسيانها نهائيا كلواء الإسكندرونة السوري الذي احتلته تركيا عام 1936 والأحواز العربية التي احتلتها إيران عام 1920 والجزر الإماراتية الثلاث التي احتلتها إيران أيضا عام 1971، وهاتان الدولتان المحتلتان تركيا وإيران الشاهنشاهية والإسلامية لاحقا محظوظتان بهذا النسيان العربي المزمن... وللتسلية وربما الضحك المبكي نقدم في حلقة اليوم هذين المريضين:

أولا: أبو صهيب المقدسي من فلسطين أرض الرباط
ضمن سياق الجماعات والدكاكين التي يعلن عنها في قطاع غزة ( 365 كم )، زفت البشرى للشعب الفلسطيني عن تأسيس وإشهار( ميني ماركت ) جديد تحت اسم( سيوف الحق الإسلامية ) وذلك بعد شهور قليلة من تأسيس ( جيش الهدى )،وصاحب الدكانة الجديدة اسمه ( أبو صهيب المقدسي ) وهو برتبة ( أمير ) دون أن يحدد سماحته إن كان أميرا للمؤمنين في قطاع غزة، أم كما كان الملا محمد عمر في أفغانستان أميرا للمؤمنين في كافة بقاع المسلمين المليار والربع. وفرسان ( سيوف الحق الإسلامية ) حسب بياناتهم لا علاقة لهم بمقاومة الاحتلال ولا بالصراع الدائر بين حركتي حماس و فتح ولا بمناصب الوزراء في الحكومة الجديدة أو بموقف اللجنة الرباعية منها، ولكنهم معنيون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد أعلن أمير مؤمنيهم مسؤولية سيوف حقه الإسلامية عن قتل العديد من الفتيات والسيدات والشباب الفلسطينيين ممن أطلق عليهم فضيلته صفة ( الساقطين والساقطات )وأزاح بالتالي النقاب عن العديد من جرائم القتل التي كانت تنسب لمجهولين، وعلى خطى فرسان طالبان في أفغانستان والمحاكم الإسلامية في الصومال أعلن الأمير تهديده لمقاهي الانترنت، وكي يتميز بتفرد خاص أطلق على سائقي سيارات الأجرة في القطاع ( الذئاب البشرية ) و ( الكلاب الضالة ) لأنهم حسب افتراءات هذا الأمير الضال ينشرون الفساد في شوارع القطاع، وبالتالي فليبشر سكان القطاع بجرائم جديدة كي يزداد عد القتلى والمعوقين، وهذا يعني أنه لا داعي لوجود وعمل جيش الاحتلال في القطاع، فهؤلاء الأدعياء الخاطفين للدين سيقومون بالمهمة أفضل وأشرس من جيش الاحتلال.

ثانيا: عطية عبد الرحمن من الجماهيرية العظمى
هذا المجاهد يقدم نفسه بصفة ( ضابط اتصال في تنظيم القاعدة )، وعبر جهاده الإليكتروني أعلن تأييده لأستاذه المريض أيمن الظواهري فيما يتعلق بانتقاداته لحركة حماس التي عرضت لها في مقالتي المشار إليها سابقا، ويوضح سماحته ( المزالق الخطيرة التي انزلقت إليها حركة حماس وخطئها في دخولها ما يسمى اللعبة السياسية وتولي الحكومة في ظل السلطة المرتدة، وما في ذلك من انحرافات واضحة تتمثل بمجموعة متراكمة من الأخطاء الشرعية المتعلقة بالتعامل مع المرتدين والوثوق في بعضهم وإظهار الموالاة والمؤاخاة لهم والتصريح باحترام دستورهم وقانونهم والعمل به، واحترام الاتفاقيات الباطلة المبرمة بين مرتدي السلطة وفتح وبين العدو اليهودي ). من يتخيل هذه الفتوى ونتائجها المرعبة؟. في عرف أمير المؤمنين هذا رجال السلطة الفلسطينية وفتح ( مرتدين ) والكل يعرف أن الشائع حول عقوبة المرتد هي القتل، وهذا يبيح لأي جاهل أن يقتل من يريد خاصة من قيادات حماس والسلطة الفلسطينية وفتح، وهذا ليس مزاحا، فمن قتل الكاتب المصري فرج جودة قام بجريمته تلك بعد تحريض أحد شيوخ الدين، وكثيرون هم من يريدون دخول الجنة بدماء أولئك المرتدين، ويستمر أمير المؤمنين عطية عبد الرحمن الليبي في تحريضه ضد قيادة حماس فيعلن تأييده لأميره المفدى أيمن الظواهري في قوله ( في زمن الصفقة تسلم قيادة حماس اليهود معظم فلسطين ).

هل هناك كوارث أكثر من أمراء المؤمنين هؤلاء؟
أنها ظواهر خطيرة خاصة لكونها تنطلق من أوساط المجتمع الفلسطيني، وهي ليست للتسلية فقد سبق ل ( جيش الهدى ) أن هاجم كنائس ومدارس مسيحية في القطاع، وكل هذه الظواهر الكارثية تأتي وسط عودة التوتر والقتل والخطف بين حركتي حماس وفتح، وغياب كامل لدور أجهزة الأمن الفلسطينية الرسمية، وسكوت أو خوف شيوخ الدين المتنورين من مواجهة هؤلاء القتلة والمجرمين الذي يضعون أنفسهم وكلاء لله تعالى في القطاع، يكفرون من يريدون ويحكمون بالردة على من لا يحبون، وهذا يعني أن نتوقع المزيد من القتل على غرار العديد من الجرائم السابقة التي كانت تسجل ضد مجهولين... والنتيجة أن أبشر يا شعب فلسطين مع هؤلاء المناضلين المؤمنين بقرب دحر الاحتلال وإعلان الدولة الفلسطينية المستقلة.


ahmad64@hotmail.com