واحدة من التقاليد البرلمانية الاصيلة في الدول الديمقراطية وكمؤشر على عافية نظامها السياسي وفاعلية سلطتها التشريعية وعلى التداولية والتعددية الحزبية الحقيقية هو وجود حكومة ظل فيها( Shadow government) ووفقا لتلك التقاليد تنبثق حكومة الظل وتتشكل من الكتلة البرلمانية المعارضة او من الحزب المعارض الاكبر ومن تحت قبة البرلمان.
تتمثل وظيفة هذه الحكومة -والتي توصف على انها حكومة في الانتظار- بالدرجة الاساس في مراقبة عمل الحكومة الاصلية ومسائلتها حيث تتم عملية مسائلة اي وزير في الاصلية من قبل نظيره في الظل واما رئيس الحكومة الاصلية فيتصدى لمسائلته رئيس حكومة الظل حيث يتفنن هذا الاخير في اظهار عيوب سياسة نظيره بشتى الوسائل القانونية والطرق الدستورية عله يصيبه في مهلكة سياسية يودي به وبحكومته.
وتظهر اهمية حكومة الظل في حالة سحب الثقة عن الحكومة الاصلية او تعرضها الى طارئ يمنعها من مواصلة عملها لسبب ما حيث تناط مسؤولية ادارة البلد الى حكومة الظل والتي كما مر تتشكل في العادة من اكبر كتلة او حزب معارض داخل البرلمان, وقد تكون هناك اكثر من حكومة ظل, فهنا على سبيل المثال في بريطانيا توجد حكومتا ظل تقابلان حكومة حزب العمال التي يتزعمها السيد توني بلير وهما حكومة حزب المحافظين وحكومة حزب الاحرار. وتأتي حكومة المحافظين بالدرجة الاولى كحكومة ظل ثم تليها حكومة الاحرار باعتبار ان للمحافظين مقاعد اكثر في البرلمان البريطاني.
هذا باختصار شديد ما تعنيه حكومة الظل. ومن هنا فانه لاضير في رأي الشخصي ان يصار الى تشكيل حكومة ظل في داخل البرلمان العراقي تقابل وتراقب عمل حكومة السيد المالكي، بل في نظري هذا دليل على سلامة النظام السياسي في العراق الجديد من ناحية , ولتفعيل عمل برلماننا الخامل على حد تعبير احد قيادي كتلة الائتلاف العراقي الداعمة للحكومة من ناحية ثانية.
ففاعلية اي برلمان تتمثل بوجود معارضة حقيقة داخله تراقب عمل الحكومة وتقيمه مما يخلق ويولد حيوية لادامة العملية السياسية ويساعد في اشراك الشعب فيها بشكل متواصل من خلال متابعة ما تؤول اليه جلسات البرلمان وما تفضي اليه المساجلات البرلمانية بين الحكومة والمعارضة الممثلة بحكومة الظل ويفسح المجال واسعا لقيام الاعلام بممارسة دوره كسلطة رابعة من خلال المشاركة في تقيم نشاطات الحكومة والمعارضة على حد سواء بوسائله المعروفة مما يساعد في النهاية بنشر الثقافة البرلمانية التي تحتاجها التجربة الديمقراطية الوليدة في العراق.
ومن نافلة القول ان التهلكة التي وقعت فيها الحكومات المتعاقبة في العهد الملكي هو عدم وجود معارضة حقيقة لها داخل البرلمان بل كانت الحكومات هي التي تشرف على انتقاء اعضاء البرلمان من خلال دعمها لقوائم انتخابية معينة ورفضها لقوائم المعارضة مما انتج برلمان صوري في العراق لم يكن ليصعب على رئيس الحكومة حله وقت ما يشاء مما دفع بالمعارضة الى التماس التغيير من خارج البرلمان عبر الانقلابات العسكرية والتي كان آخرها انقلاب اوثورة تموز 1958 وهذا بالطبع ما نرفضه في العراق الجديد فقد ولى عهد الانقلابات العسكرية الى لارجعة.
يكثر هذه الايام الحديث في بغداد وخارجها عن حكومة ظل ينوي احد السياسيين تشكيلها, ونيته ايضاً تشكيل جبهة وطنية لهذا الغرض بل اكثر من هذا, هناك من سرب قائمة باسماء هذه الحكومة المزمع تشكيلها, وقد يقف وراء التسريب انصار هذه الفكرة ذاتهم في محاولة منهم لجس النبض ولمعرفة ردود الافعال,او قد يقف وراءه خصومهم كخطوة استباقية لاجهاض فكرة تشكيلها ولاجل تأليب الشارع ضدها وضد الدعاة اليها الى الحد الذي ذهب خصومها لوصفها بـ( المؤامرة) التي تهدف الى الالتفاف على نتائج انتخابات العام الماضي.
ان الموضوعية تقتضي ان نقول ان من حق اي سياسي او زعيم برلماني السعي لتحقيق اجندته بالطرق الدستورية الشرعية ويترتب على ذلك حقه تشكيل جبهة او حكومة ظل طالما يتم ذلك بطرق شرعية بعيدة عن لغة التآمر والاقصاء والمكيدة السياسية او لغة الانقلابات العسكرية والبيان رقم واحد وتعطيل الدستور واعلان الاحكام العرفية, لكن وبنفس الوقت ليس من حق هذا الزعيم البرلماني او ذاك السعى لذلك طالما هو جزء من الحكومة الحالية فعليه اولاً الانسحاب من هذه الحكومة ثم تشكيل حكومة الظل تحت قبة البرلمان العراقي في بغداد وليس في القاهرة او عمان لاسيما وان بعض دعاة حكومة الظل او حكومة الانقاذ والفرق بين الاثنتين كبير قد كسر بزياراته المتكررة لدول الجوار من اجل اقناعها باطروحته الرقم القياسي من دون ثمرة تذكر لحد الان سوى ازدياد حدة النقمة الداخلية على تحركاته التي بات البعض ينظر اليها بعين الشك والريبة.

وبكلمة اخرى، ليس بالمقبول ان يكون الشخص جزءاً من الحكومة الحالية ويأتي ليمارس دور رئيس حكومة الظل في مسائلتها ونقدها بل والسعي لاسقاطها فهذا الامر ليس بالدستوري ولا تقره الاعراف البرلمانية التي يقتضي ان يكون السياسيين على علم ودراية بها.
وكذلك من الموضوعية ان نتفهم انتقاد الخائفين من تحركات هذا السياسي او ذاك ونعطيهم الحق في ذلك, لكن ما لا اتفهمه هو الخوف المبالغ فيه وادخال تلك التحركات في خانة التآمر علماً انها تحركات لاتزال طبيعية وتدخل في إطار المناورة السياسية التي يكفلها الدستور, وكذلك ما لا اتفهمه هو الرغبة لدى البعض المهووس بعقلية المؤامرة في اقصاء كل من يعارض سياسة الحكومة المالكية وتشويه صورته امام الشعب في الوقت الذي يظهر السيد المالكي ذاته تذمره وانزعاجه من اداء اعضاء حكومته ورغبته في استبدالهم جميعا لو ترك الامر اليه على حد تعبير احد مستشاريه.
وفي رأي الشخصي ان ما قام ويقوم وما سيقوم به بعض زعماء الكتل البرلمانية يأتي في اطار المناورات السياسية التي تهدف الى احداث البلبلة في صفوف خصومهم وجزء من اللعبة الديمقراطية والتي يتحتم على جميع اللاعبين معرفة اصولها واتقانها لمن يرغب البقاء في الساحة وكذلك تحمل نتائجها.
نعم قد يُسجل على هذه المناورات توقيتها حيث يرى البعض ان الوضع السياسي والامني للعراق لايسمح بمثل ذلك وان التجربة الديمقراطية وليدة ولم تتأصل في الواقع السياسي العراقي بعد. غير ان هذه النظرة تبدو غير ملزمة لاصحاب هذه المناورات والذي يريد بعضهم ان يعيد الصاع صاعيين لخصومه الذين قسوا معه كثيرا سواء حينما كان في الحكم او في مرحلة الانتخابات.
اخلص الى القول ان وجود حكومة ظل داخل البرلمان العراقي سيكون عنصر قوة للنظام السياسي الجديد وعامل محفز لتحسين اداء عمل الحكومة وانهاء الازمة السياسية والتي سببها ازمة الثقة بين الكتل البرلمانية المكونة للحكومة وبنفس الوقت سيضع النقاط على الحروف وسيعطي الشعب فرصة تقييم اداء طرفي العملية السياسية اعني كل من الحكومة والمعارضة في حكومة الظل -اذا تشكلت بالطرق الدستورية وليس بالاستقواء بالعامل الاقليمي اوالخارجي- وينهي حالة التذبذب التي يمارسها البعض الان حيث يضع قدم في الحكومة وأخرى مع المعارضة ليجمع المغانم من الجهتين وعلى طريقة (مين ما ملتي غرفتي) والله من وراء القصد.

[email protected]
كاتب عراقي