في كتاب جديد تساءل الرئيس المنتخب الجديد لفرنسا quot; نيكولا ساركوزيquot; لماذا تتفوق ثروة بريطانيا على فرنسا بنسبة 10% ؟ و الجواب بكل بساطة ضعف النمو الاقتصادي خلال العقدين الماضيين. و هذا ما اقتنع به الناخب الفرنسي، على ما يبدو، عندما أعطى صوته لساركوزي عوضا عن الاشتراكية quot; سيغولين روايالquot;. فما هو البرنامج الاقتصادي للرئيس ساركوزي ؟ و ما هي حظوظ نجاحه ؟
في دراسة نشرتها quot; ليزيكوquot; الفرنسية بتاريخ 13 مارس الماضي، تم جمع آراء خمسة من حاملي جائزة نوبل في الاقتصاد، من اتجاهات فكرية مختلفة. و جاءت مقترحاتهم متناسقة اكثر مع برنامج ساركوزي الاقتصادي، بشان : (1) العمالة، (2) نضام الضرائب، (3) تسهيل مزاولة الأعمال و الاستثمار، و (4) إصلاح التعليم.

1. العمالة: تقدر نسبة البطالة في فرنسا بأكثر من 8 %، مقارنة بــ 9% بألمانيا و 5،5% ببريطانيا و 4،4% بأمريكا. يضع قانون العمل الفرنسي عراقيل أمام المؤسسات التي تحتاج إلى التوظيف، إذ يبلغ مؤشر العراقيل 60% في فرنسا مقابل 45% معدل الدول المتقدمة. كما أن تكلفة العمالة لصاحب المؤسسة تزيد عن الرواتب التي يتقاضاها العمال بنسبة 47% بفرنسا، مقابل 21% معدل الدول المتقدمة (النتائج منشورة على موقع مزاولة الأعمال التابع للبنك الدولي:www.doingbusiness.org).
يعد الرئيس ساركوزي بــ quot;التعويض على مجهود العملquot; و يقترح quot;التشجيع على مزيد العمل و الربح... و إلغاء الضريبة على دخل العمل الإضافي (بعد الــ 35 ساعة أسبوعيا)quot;. و سوف يقلل هذا من الآثار السلبية للقانون الذي أعده الاشتراكي السابق quot; ليونال جوسبان quot;، الذي الحق ضررا كبيرا بالمؤسسات - خصوصا الصغيرة -. كما يقترح ساركوزي تطوير quot;العقد المرن للعملquot;.

2. نظام الضرائب: تصل الضريبة على العمالة نسبة 60% في فرنسا مقارنة بـ 21% معدل الدول المتقدمة، كما ترتفع معدلات الضريبة على أرباح الشركات، و كل هذا يحد من تنافسية الاقتصاد الفرنسي خصوصا و أن الدول الأعضاء الجدد في الاتحاد الأوروبي يعتمدون في معظمهم على نظام ضريبي سهل، و ذي نسبة موحدة quot; Flat Tax quot;. سبق لساركوزي أن تساءل أمام الناخبين : quot;لماذا ينمو اقتصادنا نقطة مؤوية اقل من جيراننا ؟ لان الأعباء الضريبية مرتفعة quot;. و لن يكون من خيار له كرئيس فرنسا الجديد إلا تخفيض هذا العبء.

3. تسهيل الأعمال و تشجيع الاستثمار: يظهر مسح البنك الدولي إن الحصول على الترخيص لمزاولة الأعمال يتطلب 155 يوما في فرنسا، كما أن تسجيل الملكية يتطلب 183 يوما، مقابل 40 يوما فقط، معدل الدول المتقدمة (المصدر السابق ). و لا يشجع هذا على إنشاء الشركات الجديدة، و ينعكس سلبا على ديناميكيتها. لذا جاء ترتيب فرنسا في المرتبة 18 في تقرير التنافسية لمنتدى دافوس الاقتصادي العالمي، بينما جاء ترتيب الدول العشر الاولى على التوالي : سويسرا، فنلندا، السويد، الدانمارك، سنغافورة، أمريكا، اليابان، ألمانيا، هولندا، و المملكة المتحدة (الموقع : www.weforum.org ). كما يشكو الاقتصاد الفرنسي من ضعف الادخار، إذ تبلغ صناديق التقاعد نسبة 115% من الناتج المحلي الإجمالي بهولندا و 50% في كندا، مقابل 6% فقط في فرنسا، مما يعني أن النشاط الاقتصادي الفرنسي يقوم على الاستهلاك لا الادخار و الاستثمار. و هنا أيضا يعد ساركوزي بإجراء تغييرات جوهرية لتحسين بيئة الاستثمار و الأعمال، بالإضافة للعنصر الرابع : إصلاح التعليم.

4. إصلاح التعليم: تأتي فرنسا في مرتبة متوسطة في المسابقات الدولية للعلوم و الرياضيات، خلف جارتيها الفرانكوفونيتين: سويسرا و بلجيكا. كما لم توجد جامعة فرنسية واحدة ضمن العشرين جامعة الأولى في العالم (مقارنة بجامعتي اكسفورد و كامبردج البريطانيتين ). و يتخلف النظام الجامعي بفرنسا كثيرا مقارنة بدول شمال أوروبا و غيرها، مما يتطلب إصلاحات كبرى على مستوى إدارة الجامعة و الا-مركزية في اتخاذ القرارات و تعيين الأساتذة و الباحثين، بالإضافة إلى ضرورة مساهمة الطلبة أنفسهم في دفع قسط من التكاليف، و تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في الجامعات ليلعب دورا مكملا لدور الحكومة. أكد أحد اشهر أساتذة الاقتصاد بمعهد ماساشيوستس للتكنولوجيا، الفرنسي ذي الميول الاشتراكية Olivier Blanchard، على مدونته على الإنترنت، على حظوظ نجاح برنامج سار كوزي لاصلاح الجامعات لو طبق. و لن يكون بإمكان التعليم العالي الفرنسي الخروج من كبوته الحالية دون إصلاح حقيقي، بناء على التجارب العالمية الناجحة.
و بالنسبة للبرنامج الاقتصادي ككل، أكد معهد التحاليل و التنبؤات الاقتصادية المستقل quot;Rexecodquot; أن تنفيذ برنامج الرئيس ساركوزي سوف يؤدي إلى ارتفاع نسبة النمو الاقتصادي بما لا يقل عن نقطة مؤوية واحدة، و إحداث ما يقارب من 200 ألف موطن عمل جديد. و في تقديري سوف يكون من الممكن تحقيق اكثر من ذلك، إذا ما شملت حزمة الإصلاحات كافة المناحي التشريعية و المؤسسية لاسواق العمل و المال و التعليم، مع مراجعة المركزية الإدارية الخانقة للمبادرة الاقتصادية.

كاتب المقال محلل إيلاف الاقتصادي و خبير سابق بصندوق النقد الدولي بواشنطن.
[email protected]