وأخيرا فاز نيقولا سركوزي، من أصول الهجرة الهنغارية، [ أبوه كان أرستقراطيا هرب من النظام الشيوعي السابق]، مرشح الأكثرية الحاكمة، فوزا ساحقا في الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية الفرنسية، وبذلك يكون الرئيس السادس من بعد الحرب العالمية الثانية، بعد ديجول، وبومبيدو، وجيسكار ديستان، وميتران، وشيراك.
رافقت إعلان النتائج وأعقبتها أعمال شغب وحرق للسيارات وتكسير لواجهات المخازن كما جرى قبل عامين ومن جانب شبان العنف والجريمة أنفسهم، الذين لا يتركون مناسبة إلا واستغلوها لإعلان الغضب بالعنف الذي تشجعه أحيانا عناصر أقصى اليسار الفرنسي وبعض المنظمات كمنظمة quot;معاداة الساميةquot; وغيرها. إن الغضب الهائج لهذه الشرائح تتذرع هذه المرة بفوز رئيس انتخبته أكثرية الفرنسيين، في انتخابات كان لشبان الضواحي من الجنسية الفرنسية حق التصويت فيها، ولكن هؤلاء لا يفهمون الديمقراطية ولا يريدون فهمها ولا الخضوع للقانون والمثل الفرنسية وذلك باسم التعددية الدينية والعرقية وكأن التعددية تعني النهب وحرق مئات السيارات اليوم وأكثر من 7000 سيارة قبل عامين. يعلن هؤلاء، الذين وصف سركوزي في حينه أقليتهم الأكثر عنفا، بالغوغاء، فانهالت الاحتجاجات ضده، حتى من أحزاب اليسار، يعلنون أنهم سيشنون حملة اضطرابات جديدة عند تنصيب الرئيس الجديد رسميا.
إن أكثر الشبان من الهجرة المغاربية والإفريقية السوداء يرفضون سياسة سركوزي بوضع ضوابط للهجرة ومنح بطاقات الإقامة لعشرات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين دفعة واحدة كما فعل الاشتراكيون بالأمس مرارا، عما بأن موضوع وضع حد للهجرة غير الشرعية مطلب شعبي فرنسي منذ عقود. وفي السنغال صرح بعض من استجوبهم التلفزيون الفرنسي بأن فوز سركوزي هو quot;كابوسquot; على السنغاليين.
إن سركوزي لا يدعو لوقف الهجرة أصلا كما يدعو زعيم اليمين المتطرف لوبَن، بل يدعو لضبطها والسيطرة عليها لمنع تسلل آلاف جديدة من المهاجرين غير الشرعيين.
أما الموضوع الثاني الذي يغضب هذه الفئات، فهو موضوع الأمن الذي ينتهك كثيرا، وخصوصا بأعمال نهب وحرق وعدوان جسدي من جانب أقلية في الضواحي تحترف مهنة العنف وتعشقها، في حين أن العدد الأكبر من سكان الضواحي، سواء من الفرنسيين أهل البلد أو من البالغين الناضجين من أبناء الهجرة الفرنسيين، يريدون أن تفرض الدولة هيبتها واحترام القانون.
لقد تميزت الدورتان بمشاركة واسعة جدا من الناخبين، في حين نجد في الانتخابات السابقة نسبة عالية من الممتنعين أو غير الممارسين لحقهم الانتخابي أصلا، مما كان قد ولّد ذلك انطباعا قويا بعدم حماس الفرنسي للسياسة، ولكن مشاركة اليوم فندت ذلك الانطباع.
أما الظاهرة البارزة الأخرى في نظرنا، فهي حملة العداء والكراهية والتشويش الواسعة ضد سروكزي، التي نشط فيها كل من أحزاب اليسار وأقصى اليسار ومن أقصى اليمين. وكان الأنشط في الحملة الاشتراكيون وفرنسوا بيرو، زعيم ما جرت العادة بوصفه حزب الوسط. لقد وصفوا سركوزي بالاعتداء بالنفس، ونزعة التسلط، والميل للاستبداد، وانتهاج نهج quot;التخويفquot;، على حد تعبير بيرو. ورغم أن الأخير ترك لأعضاء حزبه الخيار في التصويت، لكنه شن سلسلة حملات شعواء على مرشح الأكثرية، وأعلن أنه شخصيا لن يصوت لسركوزي، ولكن الاستبيانات التي جرت بعد ساعات من إعلان النتائج أظهرت أن 40 بالمائة من الأعضاء صوتوا للمرشح المغضوب عليه! وقبل ذلك كان أكثر من ثلثي نوابه الحزب قد أعلنوا دعمهم لسركوزي. وتظهر الاستطلاعات أن 57 من النساء الناخبات أيضا صوتن له، دون حساب لكون
رويال امرأة. أما الجيل الأكثر تصويتا لرويال، فهم ما بين أعمار 45 ndash; 59 ، أي جيل أحداث أيار 1968، الذي كان نشيطا في المظاهرات والإضرابات ومعارك الشوارع.
أعلن الرئيس الجديد أنه لا غالب ولا مغلوب بل المنتصرة هي كل فرنسا، وهي الديمقراطية، ونهج الإصلاح والانفتاح. كما أعلن أن أولياته هي:
انفتاح سوق العمل الذي قيده اليسار ب35 ساعة فقط كل أسبوع، من أجل إنتاج أكثر، وسد لفجوة مع دول صناعية متقدمة أخرى؛
إصلاحات ضرورية للخروج من أعباء وعواقب النظام الاجتماعي ـ الاقتصادي الراهن، الذي ولّد أعلى نسبة من البطالة وأعلى نسبة من ديون الدولة - أكثر من ألف مليار يورو] إن كل الطبقة السياسية الفرنسية تقريبا كانت تعرف الحاجة لإصلاحات حقيقية ولكنها تخاف من عمل شئ لعدم إغضاب الفئات من أصحاب الامتيازات، الذين تربوا بأن الدولة بقرة حلوب يقال لها quot;هاتي.. هاتي!quot; إن برنامج الرئيس الجديد يقوم على أن النمو الاقتصادي في دولة ديمقراطية راسخة هو الذي يأتي بالتقدم الاجتماعي، وتحسين الظروف المعيشية، وتطوير توزيع الثروة الوطنية، التي بزيادتها فقط يمكن أن يحصل المواطن على توزيع أفضل لهذه الثروة؛
* ضبط الهجرة وتقنينها؛
*سيادة القانون وضمان الأمن؛
*البيئة؛
*إصلاح نظام الضرائب؛
*تعزيز الاتحاد الأوروبي. وسوف نأتي لموقفه من نركيا؛
*العمل من أجل تكتل شرق أوسطي؛
*عمل ما يمكن لتطور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الأفريقية؛
*تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة quot;الصديقةquot; وحثها على جهد أكثر لمعالجة الاحترار المناخي.

ونعرف أن شيراك ووزير خارجيته دو فافان انتهجوا سياسة تسعير التوتر مع الولايات المتحدة بسبب الحرب في العراق وأقامت فرنسا محورا من ألمانيا وروسيا والصين لمنع مجلس الأمن من اتخاذ قرارات حازمة وفق البند السابع لإجبار صدام على الرضوخ لقرارات مجلس الأمن أو ترك العراق. ومع ذلك، فثمة اليوم ما يجمع بين البلدين في زمن شيراك نفسه، وخصوصا حول القضية اللبنانية، والنووي الإيراني، مما ساهم في تخفيف التوتر وترطيب الأجواء بين البلدين. لقد كان اليسار قد شجب رغبة سركوزي في تحسين العلاقات، وخصوصا بعد سفره في العام الماضي لواشنطن ولقائه ببوش. وصفوه بالquot;بوشيquot;، وقالت رويال منافسته الاشتراكية في إحدى خطبها: quot;لست من يذهب لواشنطن لمصافحة بوشquot;!!!