قرات على موقع يحمل عنوان شبكة أخبار النجف الاشرف الخبر التالي (بهدف نشر وترويج الثقافة المهدوية ومفهوم الانتظار وبرعاية المرجعية الدينية... تلقى محاضرات عقائدية في مركز تدريب شرطة الإمام علي عليه السلام... ) ويذكر الموقع اسماء المحاضرين وهم ثلاثة ، ويختم الخبر بما يلي (محاضرات قيمة بحضور السادة ضباط ومراتب الشرطة، علما أن هذه المحاضرات ستتواصل أيام السبت والخميس ) / إنتهى الخبر مختصرا /.
لا يسع المرء وهو يقرا هذا الخبر إلا ويكتشف بكل سهولة هشاشة السلطة المركزية للدولة العراقية، وإن الدولة العراقية غير خاضعة للمركز، وأن هناك فوضى عاصفة يمر بها البلد، وإلا ماذا نسمي مثل هذا التصرف الخطير، محاضرات عن الامام المهدي عليه السلام في دوائر رسمية، ودوائر خطيرة، فإن مراكز التدريب بلا شك هي دوائر رسمية في النتيجة النهائية، وربما تحتوي رفوفها على الكثير من الأسرار والمهمات التي تهم الدولة.
هذه العمل في تصوري يعبر عن عدم إدراك المحاضرين ـ وهم علماء واساتذة واساطين ــ لمعنى الدولة وشؤونها الرسمية، ولم يعيروا أهمية لما يمكن أن تترتب على مثل هذه البادرة الخطيرة من مشاكل ومضاعفات نحن في غنى عنها وفي المقدمة من ذلك شيعة العراق بالذات، فهل يسمح هؤلاء العلماء الكبار لغيرهم ــ مثلا ــ أن يلقوا محاضرات في هذه المراكز عن أهمية الوثيقة العمرية التي تعد عند بعض المذاهب الاسلامية أهم وأقدم وثيقة ديمقراطية في تاريخ الفكر السياسي؟ لست مؤمنا أن هذه الوثيقة صحيحة، بل أشك فيها شكا عميقا بقدر إيماني بالمهدوية، ولكن من حق الآخرين ممّن يرون في الخليفة الثانية رضي الله عنه مثلا أعلى أن يجدوا في مثل هذه الدوائر فرصتهم للترويج لاهم ما عرف به الخليفة المذكور من إنجاز سياسي، تلك هي الوثيقة العمرية ــ إلتي لا أؤمن بصحتها التاريخية ــ أو لتصحيح مفهوم خاطي عن بعض التصورات السنية كأن تكون قضية التجسيم على سبيل المثال؟
ليس من شك أن أصل العمل غير دستوري، فأن مراكز التدريب هذه مؤسسات حكومية، ولا يجوز أن تقام فيها نشاطات عقدية، سواء كانت هذه العقائد صحيحة أو باطلة، نرتضيها أو لا نرتضيها، ذلك بحث أخر، خاصة وإن الدستور لا يسمح بمثل ذلك، فهو نشاط غير رسمي في دوائر رسمية، وهي من ناحية أخرى تخلق العديد من فرص إثارة الفتن والحزازات الطائفية، وتخلق جوا مشحونا ، بل تحول دوائر الدولة إلى مجالات تجاذب طائفي مقيت ليس على مستوى التعينات والتحالفات السياسية، بل على مستوى العقائد والتصورات الدينية والمذهبية، وهذه ليست مشكلة بل بؤرة المشاكل!!
إن هؤلاء (الاعلام ) كما يبدو لي لم ينجحوا في الشار ع لتأدية مهمتهم الروحية فلجأوا إلى هذه الطريقة التي تحمل مخاطر كبيرة، وتنذر بسنة سيئة، وهي تحويل دوائر الدولة ومؤسساتها الرسمية إلى ميادين تجاذب وعراك مذهبي وطائفي وربما قومي في المستقبل. ولكن لست أدري ترى هل عدمت النجف الاشرف أمكنة أخرى لعرض هذه الثقافة التصحيحية المزعمومة إلا مراكز التدريب العسكري؟ ولو كنت محلهم لدعوت الناس إلى مثل هذه المحاضرات في مراكز دينية من مساجد وحسينيات ومؤسسات خيرية، وبذلك أخلص الدولة من مغبة مستحقات هذا التصرف الفوضوي غير المسؤول، أم أن هؤلاء العلماء الاعلام متأكدين أن أحدا سوف لم يجبهم فتحايلوا على ذلك بهذه الطريقة كما عمل بعض الفقهاء الذين جعلوا خطبة الجمعة قبل صلاة الجمعة كي يجبروا الناس على الاستماع، فصارت سنة وهي بئس السنة إن كان ذلك صحيحا تاريخيا.
هناك فهم خاطي لقضية ا لانتظار، وهناك ثقافة خطيرة بخصوص العقيدة المهدوية، وكل ذلك يحتاج إلى تصحيح وتعليم وتثقيف، ولكن ليس في دوائر رسمية أو شبه رسمية،وإنما لها مجالاتها وأمكنتها المحترمة، كالمساجد وغيرها، ولكن يبدو أن هؤلاء الاعلام لم تعد بضاعتهم رائجة فتوسلوا بهذه الطرائق الملتوية لأسماع صوتهم بعد أن لم تجد أذنا صاغية للاسف الشديد.
لكن من حقي أن أسال ترى لماذا لا يتوجه هؤلاء الاعلام الى القرى والارياف وأطراف المدن التي تنتشر فيها مثل هذا الفهم الساذج والخطير لانبل عقيدة عرفها المذهب الجعفري، فإن تلك القرى والاطراف اولى من غيرها، اولى من المدن والمؤسسات الرسمية، خاصة وإن في المدينة المقدسة توجد فرص كثيرة لتصحيح الفهم وتثقيف الفكرة من الشوائب المندسة، وذلك من مدارس دينية منتشرة في كل أرجاء المدينة المقدسة، كثرة المنابر الحسينية، وانتشار الكتب والصحف، فيما تندر مثل هذه الوسائل في القرى والارياف القصية!
حقا أنه سؤ ال في محله، ولست أدري كم من هؤلاء الا علام على إستعداد لان يخاطر بصحته وراحته في سبيل نشر الفهم الصحيح للعقيدة المهدوية في الجبايش مثلا، وفي كل اسبوع مرتين، السبت والخميس! إنها علامة من علامات النفاق والازدواجية، ودليل على أن هؤلاء الأعلام يمارسون نوعا من الفنطاسية السهلة المنال والكثيرة العطاء على المستوى الذاتي المقيت.
ترى ماذا سيقول علماء المذاهب الاخرى وهم يقرأون هذا الخبر المؤلم؟ سيقولون لنا حقنا أيضا، ونريد أن تكون لنا محاضراتنا ا لتصحيحة فيما يخص مذهبنا في مراكز التدريب في الموصل والرمادي والفلوجة، وبهذا نخلق المزيد من فرص الفتنة المذهبية والطائفية، بلا داع ، وبلا مبرر.
إن هؤلاء الاعلام فاشلون، وغير مجدين، وأنصحهم أن يفكروا بجلب الناس الى المساجد التي بدأت تفرغ للاسف الشدي من المصلين، قبل أن يقوموا بمثل هذه الفنطاسيات التافهة، المفضوحة...
أن وزيري الدفاع والداخلية في العراق مدعوان إلى إيقاف هذه المهزلة، بل وإلى معاقبة المشرفين عليها من قبل الرسميين، فهذه دوائر رسمية لا يجوز أن تكون محلا لرواج عقدي أو دروس دينية أو ا ديولجية، مهما كانت هويتها وطبيعتها، ففي النجف وغير النجف ما شاء الله من المراكز والمؤسسات الروحية التي يمكن أن تكون محلا لمثل هذه النشاطات التي هي خيرة في حد ذاتها، ولكن سيئة للغاية عندما تكون سببا لاثارة المشاكل التي نحن في غنى عنها، وعندما تخترق دستور الدولة، وتحط من هيبة الحكومة.
شي أريد هنا أن أسلط الضوء عليه، فأن الخبر صدَّر أسم المرجعية الدينية كراعية لمركز الدراسات التخصصية هذا، ولكن حذار من الإغترار، فقد سيقت الاشارة لتفيد أ ن المرجعية الدينية راضية أو راعية لهذه المحاضرات في مراكز التدريب العسكري، وأجزم أ ن المرجعية لم ترض بذلك، وهي ضد هذه التصرفات الصبيانية الفاشلة، فليس سرا أن السيد أية الله العظمى علي السيساتني ضد كل محاولة لتجيير دوائر الدولة الرسمية بل كل ممكن من ممكنات الدولة وممتلكاتها لمثل هذه النشاطات التي لها مجالاتها وفرصها الهائلة خارج حريم الدولة، ولكن هؤلاء لصوص فرص وفناني لعب شيطاني، فما علينا سوى التدقيق بالخبر وصيغته كي لا نحمل المرجعية الكريمة مضاعفات النشاط العدواني المريب.
- آخر تحديث :
التعليقات