أثناء زيارتي إلى موطني الجديد في كندا، بعد أن غادرت ديار البعث، ربما إلى يوم البعث، كما حصل مع هوجنوت فرنسا في رحلتهم الملحمية إلى هولندا وبرلين، أو البلاشفة

اقرأ ايضا:

في ذكرى مصرع الشيخ معشوق الخزنوي

البيض إلى باريس.. قمت بزيارة عائلة من الدياسبورا السورية، وأثناء العشاء طرحت سؤالا على الحضور وكنا ستة أشخاص: أرجو قراءة مستقبل سوريا بعيدا عن الإحباط أو إلقاء الظلال النفسية من هموم أو طموحات وتمنيات.
إلى اين يمضي هذا البلد المنكوب، مع دورة انتخابية رئاسة مزورة جديدة، لبيعة جديدة، تذكر بأيام الماليك البرجية، والملك سعيد جقمق ؟
قال الأخ صادق: فقط أريد أن تتغير عائلة الأسد التي تذكر بحكم ملوك فرنسا، أو فترة بريجينيف المملة وهي طبعاً أطول؟ ولكن حسب ما أرى فإن الإمبراطور حافظ الثاني جاهز؟؟
نظرت في سيدة مثقفة في الصدر قلت وأنت كيف ترين الأمور؟ قالت التغير قانون كوني وسوف يتغيرون، ربما ليس في سنوات قليلة، ولكن التغير قانون كوني؟
قلت معقبا قانون هيروقليطس عن قانون الصيرورة؟ أومأت برأسها إيجابا..
قالت إيناس زوجة صادق: أما أنا فأظن أنهم باقون أبد الدهر مثل دورة المريخ وزحل؟
وظهر في عينيها إحباط ويأس لايرفعهما شيء.
قالت سيدة رابعة تعمل في القانون: الموضوع متفاوت فقد يحصل تغير وقد لايحصل شيء، واترك الأمور تأخذ مجراها تأخذ قرونا، وتدخل فيها فلسوف تتغير في عشر سنوات، ولكن مع الانتخابت الجديدة نكون قد دخلنا نصف قرن من ظلمات البعث؟
وكان آخر في الجلسة يحدق بإحباط في هذا الظلام بدون شمعة.. بعد أن أصبحت مدينة مونتريال، تغص بالعرب الهاربين في مثل هذه الظروف الجهنمية، بدون أمل في الخلاص من قبضة أنظمة، لاترقب في إنسان إلا ولا ذمة..
وفكرت أنا في نفسي مرتين؛ أن نفس هذا الرجل الذي يتمنى الخلاص من حكم الأسد، لو كان في القطر المنكوب لربما صوت بنعم وهو يبرر لنفسه، كما حصل مع عائلة سورية تعرفت عليها في السعودية، حين قالت لي بفرح في انتخابات سابقة أنه يمكن أن ترسل بالفاكس نعم؟!
فلما سألتها هل فعلت أنت ؟؟
فتحت لي صفحة كبيرة بكذب أكبر قالت نعم وكان في الصفحة:
(في مثل هذا اليوم الأغر من المحبة المتدفقة والشمس تشرق والطيور تغرد أصوت بدمي بنعم؟؟؟ الخ ..)
قلت لها وهل أنت مقتنعة بهذا؟ أم تكذبين؟؟
بلعت ريقها بصعوبة. وصرخ زوجها من طرف آخر أنت السبب؟
قلت لها: وأنتم تصوتون بنعم، تلعنون في قلوبكم الحاكم والعصابة؟
أجابت بصعوبة نعم؟
قلت لها ألا يمكن أن لاتكذبوا ولا تلعنوا ؟؟ سكتت ولم تحر جوابا ..
وهنا تذكرت (أبو عبدو) أمين الحافظ حين جاء لأخراجنا من سجن المزة بعد سجن مرعب دام 39 يوما وكنت يومها طالبا جامعيا نجوت من الموت بإعجوبة، في أحداث الأموي عام 1965 م، كيف صفق له الجميع. وأنا أنظر في الرجل ومن حولي متعجبا؟؟
هز أبو عبدو رأسه وأشار بيده : كفوا عن التصفيق.. لانريد أن تصفق لنا أيدكم وتلعننا قلوبكم .. وكان صادقا في هذا ..
والأمر الثاني فكرت في نفسي أن السؤال يجب أن يطرح على شكل مختلف؛ لأننا نريد الخلاص، ولكن من سيكون بدلا عنهم؟
هل لو كنا محلهم سيتغير الأمر كثيرا؟؟
فهذه الجالية العربية المتدفقة إلى كندا، تذكرني وأنا أسمع خطبة الجمعة في جامعة كونكورديا، بأيام عصر مابعد الموحدين ، ولم يكن ينقصهم سلاسلة باللغة الأنجليزية، ولكنه نظم الخطاب اذلي لم يتغير منذ أيام المماليك؟
وهذا يعني أن نفس مشكلة بني إسرائيل مع موسى، نكررها بشكل مختلف، فهم رأوا أن الأمور لم تتغير كثيرا مع مجيئه، وهو المرسل من رب العالمين؟
قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا؟
فكان جواب موسى انقلابيا محوريا؛ أن العبرة ليست في زوال فرعون، بل من سيخلف فرعون؟
قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون؟؟
وهذا الشيء واضح مع الجالية العربية في كندا، فلو كان الأمر إليهم في تنظيم أمور مونتريال ربما حل بها الخراب، ولأن الأمر ليس في يد الجالية العربية المحبطة الفارة من ظلمات البعث وغير البعث، نجت المدينة والنظام، لأن المشكلة أكبر من البعث؛ فهذا فرعون مصر يهيء بيبي الثاني من بعده، وهذا إمبراطور اليمن يجهز ابنه من بعده، وفي ليبيا بلغ من وقاحة الساعدي ابن القذافي أن تخافه الفنادق في أوربا حيث حل.. وعائشة تنتظر العرش..
وهناك من يقول في مونتريال حيث العرب لا أريد أن أسكن؟
وهو لون من كره الذات عميق، ومن الفردية مخيف، بعد أن تمكنت مخابرات الأنظمة العربية من نفسية المواطن العربي..
ما يكون من نجوى ثلاثة، ألا والمخابرات رابعهم، ولا أقل من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم، ثم ينبئهم بما عملوا في أقبية االفروع الأمنية، ولو كانت من شكوى امرأة، طلقها زوجها قبل عشرين سنة؛ فكتبت في حقه شكوى كيدية، كما حدث معي مع فرع الأمن السياسي في دمشق، وكنت محظوظأ ان نجوت من الفلق والحبوس، ولكن كنت شاهدا لمناظر الرعب والوجوه الممتقعة البيضاء..
وهذا يعني أن أزمتنا أبعد وأعمق بكثير من الاقتراب من انتخابات نزيهة تعددية عادلة ..
فهذه مسلمات يجب التخلص منها؛ مثل خرافة الانتخابات في العالم العربي، وأنهم وصلوا إلى شاطيء الحرية بسلام، وأنهم دخلوا عصر التنوير، أو أن أمريكا جاءت لزرع الديموقراطية...
وهم بهذا يرتكبون ثلاث أغلاط طبقاً عن طبق؛ فأمريكا ليست عندها رسالة بل مصلحة. وهي تنسف طاغية وتحافظ على طواغيت، حسب مقاييس البنتاغون، أكثر من مقاييس العدالة والحرية والديموقراطية، وهي قصة معروفة ومكررة، كتب عنها (نعوم تشومسكسي) كتاباً كاملاً ـ محبطاًـ بعنوان (ردع الديموقراطية).
ومن دخل عصر التنوير من باب السياسة دخله من الباب الخلفي، وحينما كان الفيلسوف (إيمانويل كانط) يكتب رسالته حول التنوير (Die Aufklaerung) لم تكن هناك انتخابات في ألمانيا.
كما أن الانتخابات لا تعني الديموقراطية، فليس هناك من مكان تزور فيه الانتخابات مثل جمهوريات الخوف والبطالة؛ فترى الناس هناك يذهبون إلى صناديق الانتخابات مهطعين خاشعين من الذل، مثل المسحورين، تحت ضغط شعورين: أنهم يجب أن يذهبوا ويجب أن يقولوا نعم. والكل يعلم أنها انتخابات مزورة تجري تحت أعين الجاندراما ورجال المخابرات، التي تحصي دبيب كل نملة، وطنين كل نحلة، ولا تأخذها سنة ولا نوم، ولكن متى كان السحر مفهوماً؟
وتحدث القرآن عن سحر (هاروت وماروت) في (بابل) حيث كان مثقفو السلطة (الكهنة) يزورون الحقائق على ألواح الطين المسمارية، فيفرقون بين المرء وزوجه، وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله.
واليوم وفي العديد من الدول العربية تجري الانتخابات أو يُعدُّ لها، وتنقلب محاور الزمن، ويعاد نفخ الروح في ملكيات ماتت ومن خلال الانتخابات، وهي سحر جديد بدون هاروت وماروت.
وفي يوم قال مالك بن نبي أن الفرق الصوفية القديمة تحولت إلى أحزاب سياسية، وبطاقات الانتخابات إلى حروز وتمائم، وهو أمر حذر منه الإمام الشيرازي في انتخابات العراق التي حصلت، أنها تكرس الطائفية والعرقية، فدعا إلى فيدرالية إدارية.
والمشكلة في انتخابات العراقيين أنهم بعد الموت الصدامي، يرون أفاعي سحرة بوش فيخيل إليهم من سحرهم أنها تسعى.
كما أن الديموقراطية ليست شاطيء سلام، وهو مفهوم رجراج، ولكنها الموضة الدارجة اليوم، ونفس ديموقراطية أثينا ضحت بأعظم عقل بشري من خلال التصويت بالأصوات، فأرسلت سقراط إلى الإعدام بجرعة من سم الشوكران.
وما أريد أن أقوله أن رصيد الانتخابات هو الوعي أكثر من صناديق الانتخابات، وأن التمثيل الفعلي لإرادة الأمة يعتمد على آليات تخضع للوعي والمراقبة، فلا يعول مطلقا على الطيبة عند الإنسان. وأي إنسان ملك القوة تحول إلى طاغية، وأي سيارة ليس فيها فرامل مصيرها إلى الكارثة، وأي مجتمع يمسكه صداديم صغار وكبار فمصيره إلى الهلاك، وكان عاقبة أمرها خسرا.
وفي (الحديث) أن الإنسان الذي يقدم نفسه للولاية لا يمنح هذه الولاية، وهي آليات الديموقراطيات الحديثة، فجاء في الحديث quot;والله إنا لا نولي هذا الأمر أحدا سألهquot; مما دفع سيد قطب في الظلال إلى شرح هذا التناقض مع آية سورة يوسف quot;اجعلني على خزائن الأرضquot; حينما طلب يوسف الولاية.
وفي الحديث أيضاً إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة.
ومنذ زمن بعيد ذهب المثل العربي quot;يا حبذا الإمارة ولو على الحجارةquot; وذكر (أبو حامد الغزالي) في كتابه (إحياء علوم الدين) أن آخر ما يخرج من قلوب الصالحين هو حب الرئاسة. وعلل ذلك بأنها ألذ المتع، ولا تقترب منها لذة طعام أو جنس لأنها الألوهية.
والتوحيد أصله سياسي وليس لاهوتيا، وإلا لكانت بعثة الأنبياء والرسل في التاريخ سهلة.
ولا إله إلا الله تعني نسخ ألوهية البشر السياسية.
ومشكلة العالم العربي الحالية هي هذه الوثنية السياسية لو كانوا يعلمون.
والغرب حل هذه المشكلة العويصة فلم يعد الحاكم إلهاً، وكان من قبل كذلك.
والملك هنري الثامن تزوج ستة زوجات طارت رؤوس ثلاثة منهن بالمقصلة على الشبهة، وكان يردد أنا الملك مفوض من الله، وهو الذي أنشأ الكنيسة الأنجليكانية فأصبح بابا في لندن.
وحيثما دخل المواطن العربي الحدود العربية، طالعته أوثان ثلاثية بما يذكر بعقيدة التثليث عند الكنيسة.
وهذا يخبر عن أهمية الأمر الذي ألح عليه القرآن في نسخ عبودية البشر، وأنه ما أرسل من رسول إلى قومه إلا بهذه الكلمة يا قومي اعبدوا ا لله مالكم من إله غيره أفلا تتقون.
والسياسيون الكذابون اليوم، هم مثل سحرة موسى يلقون حبالهم وعصيهم، لجمهور أمي يستقي ثقافته من محطات فضائية تنشر التضليل أكثر من الثقافة، بعد أن غادر الجمهور الكتاب وتحول إلى ثقافة المشافهة، ولم تكن المشافهة يوماً ثقافة.
وحينما تأتي أمريكا وتقول إنها جاءت لزرع الديموقراطية، فيجب أن نفكر في الموضوع ألف مرة.
وسيمور هيرش حسب مجلة الشبيجل الألمانية (العدد 4 \2005م) في استعداد أمريكا للضربة الإيرانية، في حديثه عن حروب أمريكا المستقبلية قال أن أمريكا تعتمد أصدقاء ديكتاتورين في المنطقة العربية، وعدد بلداناً ثورية دأبت على شتم أمريكا ظاهرياً والتعاون معها سرياً.
ورأى (روبرت غرين) في كتابه (شطرنج القوة أن عالم السلطة يعمل بآلية الغابة، فمنهم من يصيد ويقتل ومنهم من يقتات ويعيش.
والأسد الأمريكي اليوم يصطاد وحوله ثعلب صهيوني وغربان عربية ونمل أصولي. وحيوانات من فصائل شتى.
وحينما نسمع حوار اثنين من السياسيين العرب عن الديموقراطية فيجب إتباع نصيحة الفيلسوف (شوبنهاور) أن نراقب حوارهم مثل أي مسرحية هزلية يؤدي دورها أحمقان.
وخلاصة القول ان نتيجة الانتخابات الرئاسية في سوريا مزورة تحت أي رقم ظهرت، حتى لو كانت مثل انتخابات صدام الوداعية مائة بالمائة، والكل يعلم أنها كاذبة، والكل يكذب، إلا قليلا من الخرس هنا وهناك، ولكن التاريخ يعلمنا أن المقتل يأتي دوما مع الشعور بالأمن، حتى إذا ظنوا أنه قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس..
فهذا هو قانون التاريخ..
قبل السقوط الكبرياء..
وأملي لهم إن كيدي متين..
قد نرى هذا في عمرنا القصير الحقير وقد لانرى.
وهو ماكان الله يخاطب نبيه...
فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون، أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون.. فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم، وإنه لذكر لك ولقومك ولسوف تسألون..